المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

المؤامرة الدولية تتواصل عبر هجمات الإبادة الجماعية – 1

257

القائد أوجلان: كان عليّ أن أتحمّل العزلة لأسباب كبيرة

 ملف  11 شباط 2023, السبت – 02:32 2023-02-11T02:32:00 مركز الأخبار

يعلّق القائد عبدالله أوجلان الذي لا ترد عنه أي معلومات منذ أكثر من 22 شهراً، في مرافعاته على نظام التعذيب في إمرالي قائلاً: “خلال مرحلة إمرالي؛ كانت المؤامرة التي طالتني صعبةً لدرجة أنّها لم تكن لتترك لدى الشخص أملاً بمقدار أنملة. كانوا سيعتمدون على صمودي وثباتي لتحديد إرادتي وعزيمتي”.

تحدّث القائد عبدالله أوجلان في المجلّد الخامس الذي يحمل عنوان “القضيّة الكردية وحلّ الأمة الديمقراطيّة- دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكّي الإبادة الثقافيّة” من كتاب ” “مانيفستو الحضارة الديمقراطيّة” الذي جمع مرافعاته، وتحديداً في الفصل الذي حمل عنوان “حياتي في سجن جزيرة إمرالي”؛ عن ظروف سجن إمرالي والجرائم التي تعرّض لها وصموده ومقاومته في السجن، ونحن هنا نشارككم بعضاً من تقييماته.

لم اتطرق لحياتي الشخصية في جميع مرافعاتي المدونة وحواراتي الشفهية الحاصلة حتى الآن فيما عدا مشاكلي الصحية العرضية والعلاقات مع إدارة السجن لم أشرح كيفية تحملي للوحدة ومدى مقاومتي تجاه العزلة التي أعدها النظام بشكل خاص وطبقها علي أنا فقط وأعتقد أن أكثر المواضيع التي يحفها الفضول وحب الاستطلاع هو تجاربي في الحياة حيال هذه الوحدة والثبات المطلقين لازلت أتذكر ان احد مسني القرية، والذي يعتبر حكيماً فقيهاً، كان قد قال أثناء رصده لحركاتي وتصرفاتي عندما كنت طفلاً أجلس في مكانك أوفيك زئبق. وكما هو معلوم فالزئبق سائل لزج شديد الحركة وأنا كنت هكذا كثير الحركة وعليه فلو الآلهة الميثولوجيا لو فكرت في معاقبتي لما خطر في بالها على ما يبدوا عقاباً شديد الوطأة بقدر ما هو تكبيلي إلى صخور إمرالي ومع ذلك ها أنا ذا أكمل عامي الثاني عشر في الحجرة الانفرادية.

إمرالي ذائعة الصيت تاريخياً بكونها جزيرة تطبق فيها الاحكام الصادرة بحق مسؤولي الدولة رفيعي المستوى مناخها رطب للغاية وقاسية للغاية وأقرب إلى تحطيم بنية الانسان جسدياً وبإضافة العزلة داخل حجرة انفرادية مغلقة إلى ذلك يزداد تأثيرها المهلك على البنية أكثر علاوة على أني نقلت إلى الجزيرة وأنا على عتبة طور كبر في السن لقد أبقي علي تحت مراقبة قيادة القوات الخاصة لمدة طويلة من الزمن وأعتقد أن رقابة وزارة العدل هي السارية خلال العامين الأخيرين.

لم يكن لدي أي وسيلة تواصل فيما خلا أعداد منفردة من الكتب والجرائد والمجلات وإذاعة ذات محطة بث واحدة فقط وبطبيعة الحال كان عالم الاتصال لدي يتشكل من زيارة الأقارب لنصف ساعة كل عدة شهور ومن لقاء المحاميين لي أسبوعياً والذي كثيراً ما تم حظره بذريعة (سوء الأحوال الجوية). لا شك في أني لا استصغر تأثير ذلك في التواصل ولكنه لا يمكن أن يكون علاقة كافية للثبات بصمود وعليه كان ذهني وإرادتي هما اللذات سيعينان مدى صمودي وبقائي قويماً ومتيناً.

هذا وعلي عدم المرور على الأمر دون ذكر نقطة أخرى الا وهي أن المؤامرة المدبرة ضدي في سياق إمرالي كانت من النوع الذي لا يبقي حتى على وميض صغير من الأمل وكان الحكم علي بالإعدام والإبقاء على الحرب النفسية في الاجندة مدى طويلة من الزمن يصب في هذا الهدف فحتى أنا لم أكن أتصور في الأيام الأولى كيف سأتحمل هنا فدعك من مرور الأعوام بل كنت لا أستطيع تصور قضاء عام واحد فقط هنا وكانت تشكلت لدي فكرة مفادها: كيف لكم ان تضعوا ملايين الناس في غرفة ضيقة.

وبصفتي قيادة كردية وطنية فبالفعل كنت جعلت نفسي أو فرض علي جعل نفسي تركيبة جديدة تحتوي الملايين بين ثناياها في ظل ظروف دخولي السجن هكذا كان يراني الشعب أيضاً فبينما كان المرء غير قادراً بتاتاً حتى على تحمل فراقه عن عائلته واطفاله فكيف كان لكي ان تحمل فراقي عن إرادة الملايين المستميتة على الاتحاد والوحدة وبعدي عنها مدى طويلة قد لا تنتهي بلقاء لم يكونوا يعطونني حتى رسائل أبناء الشعب المكونة من بضعة سطور وفي ما عدا بعض رسائل الرفاق المعتقلين النادرة الممررة من الرقابة المشددة والتي لا يعطى القسم الأكبر منها. لم استلم حتى الآن أي رسالة ممن هو خارج السجن الا في بعض الحالات الاستثنائية كما ولم استطع ارسال أي رسالة إلى خارج السجن ايضاً. كل هذه الأمور قد تشرح نسبياً الوضع الناجم عن التجريد والعزلة ولكن كان ثمة جوانب خاصة بموقعي اذ كنت بمثابة الشخص الذي حث الكردي على انجاز الكثير من (البدايات) جميع تلك الانطلاقات المنتصفة كانت خطوات لابد منها على درب الحياة الحرة. لقد كنت حفزت الجميع من أبناء شعبنا على انجاز الانطلاقات الأولى بخصوص كافة المجالات الاجتماعية، لكني لم أتمكن من تسليم أي منها لأيادي امينة او تركها في ظروف مناسبة تخيلوا حالة عاشق حقق انطلاقته الازمة لعشقه الأول ولكن يديه بقيتا عالقتين في الهواء في الحين الذي كانت نار الحب ستضرم فؤاده وانطلاقات الحرية التي انجزتها في الميادين الاجتماعية كانت قد بقيت جميعها عالقة هكذا في الهواء اذ كنت اذوب من شدة الانهماك بميادين الحرية الاجتماعية، بحيث لم اترك ورائي شيئاَ ملحوظاً اسمه الـ ( أنا) وفترة السجن كانت قد ابتدأت في هكذا لحظة على الصعيد الاجتماعي.

في الحقيقة فالظروف الخارجية وظروف الدولة وإدارة السجن، بل وحتى لو كانت تجهيزات السجن نفسها خاصة بالقصور والسبايا فكل ذلك لا يفي بالغرض لإيضاح كيفية تحمل العزلة المفروضة بنحو مخصص لي. اذ ينبغي عدم البحث عن العوامل الأساسية في الظروف المحيطة أو في مواقف الدولة بل المعين هنا هو اقناعي لنفسي بظروف العزلة اذ كان ينبغي علي التحصن بحجج عظيمة وسامية تمكنني من تحمل العزلة ومن اثبات مقدرتي على عيش حياة عظيمة حتى ضمن ظروف العزلة.

ولدى التفكير تأسيسا على ذلك علي قبل كل شي عن تطوريين اصطلاحيين كان الأول يتعلق بالوضع الاجتماعي للكرد اذ كنت افكر على النحو التالي: لكي ارغب في حياة حرة لي كان يتعين ان يكون المجتمع أي المجتمع الذي انتمي اليه حراً او بالأحرى مكان الحرية الفردية ان تتحقق من دون المجتمع وسيسيولوجيا كانت حرية الفرد مرتبطة كلياً بمستوى حرية المجتمع ولدى اسقاط هذه الفرضية على المجتمع الكردي فصب نظرتي كان مفادها ان حياة الكرد لا تختلف عن سجن مفتوح حالك السواد انا لا اسرد هذا الوعي كتعبير ادبي بل اصوغه كحقيقة تعكس الواقع المعاش كما هو.

وثانيهما كان هناك الحاجة للالتزام مبدأ أخلاقي ملموس للتمكن من الفهم الكامل للمصطلح اذ عليك توعية نفسك بصدد عدم إمكانية العيش الا ارتباطاً بمجتمع ما دون بد فاهم وعي خلقته الحداثة هي اقناعها الفرد بإمكانية عيشه من دون أي تواصل اجتماعية لكن محاولة الاقناع هذه شرح زائف اذ ما من حياة بهذه الشاكلة في واقع الأمر ولكن يجري الاقناع بها كواقع افتراضي مبتكر والحرمان من هذا المبدأ تعبير عن تردي الاخلاق بمعنى اخر فالحقيقة والأخلاق متداخلان هنا والفردية الليبرالية غير ممكنة الا بتردي المجتمع الأخلاقي وبتر عراها مع وعي الحقيقة وعرضها في عصر مرحلي على انها شكل الحياة السائد لا يثبت احقيتها ومصداقيتها تماما كما يكون إرساء النظام الرأسمالي الذي هي ناطقة باسمه امر غير ممكن الا بانهيار المجتمع الأخلاقي وانحطاطه وبافتقاده بوعي الحقيقة لقد توصلت الى هذا الحكم المذكور نتيجة لتعمقي على الظاهرة الكردية وقضيتها العالقة.

السؤال الذي يدور في خلد شعبنا ارتباطا بحياتي في إمرالي هو: اين وكيف سأعيش في حال خروجي من السجن لست شخصاً ميالاً كثيراً للخيال والكل يعلم يقيناً انني صاحب طراز في الحياة يسمى بالواقعية الثورية واذا تم الامعان في نهج حياتي المنصرمة بدأ من أيام الطفولة بدلا من النظر إلى حياتي ما بعد الخروج من السجن فسيعطى جواب أفضل واجود على مثل تلك الأسئلة والتمردات الأولى التي ابديتها تجاه سيادة العائلة منذ كنت تحت سن العاشرة تتسم بأمارات مهمة في هذا المضمار منذ ذلك الوقت كنت متمرداً وحيداً لقد حاولت في المرافعة بين الحين والأخر سرد اعتراضاتي على مجتمعي القرية والمدينة والمعنيون باستطاعتهم العثور على الأسئلة الازمة مع اجوبتها.

السجون ليست بيوت شحذ وتقويم الشخصية وحسب بل وهي أماكن يجري فيها تعلم كيفية أداء الواجبات الأخلاقية والارادية تجاه المجتمع بمهارة كفوئة وتسري هذه الخصائص أيضا على مقاتلي الحرية الذين قصدوا الجبال فأن تكون كريلا الحرية يعني ان تؤدي واجباتك الأخلاقية والسياسية المعنية بالمجتمعية على ارفع المستويات والتحصن بهذا الوعي والتنبه إلى هذا الواجب الأخلاقي وتغطية لوازم الحرية فيما يخص الدفاع الذاتي .

ما ارمي اليه هو كل الأماكن تتميز بنفس المزايا بالنسبة إلى اولاء الذين يقبع وجودهم المجتمعي تحت نير عبودية مطلقة أو يعانون التشتت والتشرذم كما ان عمليات تميز لا جدوى منها من قبيل الداخل سيء والخارج حسن أو المسلح سيء والاعزل حسن لا تغير شيء من فحوى الجهود الاصلية المبذولة من أجل الوجود والحرية وبما أن حياة الانسان لا تثمن الا عندما تكون حرة فأينما كان العيش المجرد من الحرية فان ذلك المكان يشكل سجناً معتما في جميع الأوقات.

اذا والحال هذه وفي حال خروجي من السجن فاينما كان مكاني واللحظة التي احياها فطبيعة الحال فسأواظب حتى اخر رمق لي على خوض الكفاح المتواصل بشتى أنماط القول والعمل اللازم في سبيل المجتمعية التي جهدت لتحقيق الانتماء اليها ومن اجل الكرد اللذين يحيون حقيقتها الأكثر مأساوية وتحولهوم الوطني الدمقراطي الذي هو سبيلهم الى الحل والتحرر ولاجل اتحاد الأمم الذي هو سبيل الحل والخلاص بالنسبة الى شعوب الجوار اولاً وكافة شعوب الشرق الأوسط التي تعتبر الكرد جزء منها وكذلك من أجل اتحاد الأمم الديمقراطية العالمية الذي هو سبيل الحل والخلاص بالنسبة الى جميع شعوب العالم التي تعد شعوب الشرق الأوسط جزء لا يتجزء منها وساثابر على مسيرتي اعتمادا على شخصية الحقيقة التي نالت مصيبا وفيرا من الحقيقة لدي ومتحصنا بالقوة الأخلاقية والجمالية والفلسفية والعلمية الازمة من أجل ذلك وسأكسب الحياة بناء على ذلك وساتشاطرها مع الجميع.