نحو ديمقراطية حقيقية: دعوة لبناء سوريا من القاعدة
نداء من القلب:
عندما نتحدث عن الديمقراطية التي نريد تطبيقها في سوريا، فإننا لا نقدم مجرد نظرية سياسية جافة، بل نطلق نداءً من القلب إلى الروح الإنسانية التي طالما سُحقت تحت وطأة الدولة القومية وآليات القمع المركزية. كلماتنا هذه يجب أن لا تُقرأ كبيانات إيديولوجية، بل كوصايا أخلاقية لبناء مجتمع لا يُدار من فوق، بل يُبنى من الأسفل، من صلب الألم والمعاناة اليومية للإنسان العربي.
إعادة بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع والسلطة
فحقيقةً، إذا أردنا تحرير الإنسان السوري، فإن هذا لا يتم من دون إعادة بناء العلاقة بين الفرد والمجتمع والسلطة. ففي سياق سوريا، حيث دمّر الاستبداد كل مسارات الثقة بين الناس، لم يعد كافياً أن نطالب فقط برحيل طاغية، بل أن نسأل: ماذا سنبني بعد رحيله؟ وهل سنكرر نفس الأخطاء؟ من هنا نحذر من أن التغيير الشكلي في أي بلد دون جوهر ديمقراطي قد يولد ديكتاتوراً جديداً باسم الثورة، وهذا ما حدث فعلاً في كثير من التجارب التاريخية.
طبيعة السلطة وخطورة التحول
فالذين يحملون الشعارات العظيمة قد يصبحون أشد قسوة إذا لم يربوا أنفسهم على مبادئ الشفافية والمشاركة والمساءلة. فحقيقةً، إذا لم يكن التغيير ديمقراطياً في أي بلد أسقط دكتاتوراً، فسوف يتحول أي رئيس في هذا البلد إلى ديكتاتور وسيؤذي الشعب مرة أخرى، حتى لو كان مناضلاً بالأمس. وهذا حقيقةً ليس تنبؤاً، بل تحليلاً واقعياً مبنياً على فهم عميق لطبيعة السلطة والخوف.
نتذكر كلنا كيف تحول بعض قادة الثورات إلى جلادين؟ نتذكر كيف تحولت جيوش ثائرة إلى ميليشيات تفرض إتاوات وتمنع الناس من التعبير؟ وحتى تحول رؤساء جاؤوا بعد ثورة وتضحيات جسيمة إلى مستبدين في كثير من الدول؟ وهذا بالضبط ما نحذر منه. ولذلك نرى أن الديمقراطية ليست خياراً يمكن تأجيله إلى ما بعد النصر، بل هي شرطه الأساسي.
الديمقراطية التشاركية: حضور يومي وليس انتخابياً مؤقتاً
فالديمقراطية التشاركية التي نحتاجها لا تعني فقط أن نقترع كل أربع سنوات، بل تعني حضوراً يومياً للناس في صنع قراراتهم عبر مؤسسات المجتمع المدني، المجالس المحلية، الجمعيات النسوية، التعاونيات الزراعية والمنتديات الثقافية. فحقيقةً، حين تجلس المرأة جنباً إلى جنب مع الرجل في مجالس القرى، ويتم إدارة الموارد المحلية وفقاً لمبدأ التشاركية لا المركزية، وتعقد جلسات العدالة التصالحية بدل السجون، وهذه العملية يُطلق عليها الشفافية في المناقشات العامة، ويتم تطبيقها من أجل استبدال منطق الدولة الأمنية بمنطق المجتمع الحر. لأن غياب الشفافية يعني أن القرار يُختطف من أيدي الأغلبية ويوضع في جيوب النخبة.
السؤال الوجودي: الاعتراف المتبادل بدل الهيمنة
ومن هنا يصبح سؤال الحل في سوريا سؤالاً وجودياً: هل نحن مستعدون حقاً لبناء مجتمع يقوم على الاعتراف المتبادل لا على الهيمنة؟ هل نستطيع أن نخرج الدولة من ظهورنا، لا أن نغير فقط من يركبها؟ لأننا يجب أن لا نحارب الأشخاص بل البنية الذهنية التي تنتج الطغاة. فحتى لو سقط بشار الأسد، فإن النظام الذهني الذي ولده، أي القائم على الخوف والطاعة العمياء والامتيازات العرقية والطائفية، سينتج غيره ما لم نربي أنفسنا على فضيلة الديمقراطية اليومية.
هذا هو الجوهر الذي يغيب عن كثير من الخطابات الثورية التي لا ترى في الديمقراطية سوى مرحلة انتقالية أو تكتيك مؤقت، بينما هي نظام حياة كأفق أخلاقي لا يُفاوض عليه. وقد رأينا في كثير من الدول التي شهدت تغييراً كيف أن غياب هذا الفهم أدى إلى تفكك الثورة من الداخل، حيث تم احتكار قرارها العسكري والسياسي، وتم تجاهل صوت المدنيين، وتم تحويل المناطق المحررة إلى إقطاعيات خاصة.
الحرية تبنى كل يوم
وفي النهاية يبقى السؤال الأصعب: هل نحن مستعدون لسماع صوت الحقيقة التي تذكرنا بأن الحرية لا تُوهب بل تبنى كل يوم، في كل قرية، في كل بيت، في كل علاقة إنسانية؟ لأن الديمقراطية التشاركية ليست خطة حكم بل ثقافة حياة. وطالما أن الشعب السوري لا يزال يحلم بالعدالة ويضحي من أجل الكرامة، فما زال الأمل قابلاً للحياة، ليس في قصور السياسة بل في قلوب الناس.
مسؤولية التاريخ وضرورة الجهد اليومي
على الشعب والحكومة السورية المؤقتة أن يعلموا أن التاريخ يراقبنا، والخيارات التي نتخذها اليوم ستحدد مستقبل أجيال قادمة. فالديمقراطية ليست عملية سهلة، فهي تتطلب جهداً يومياً، حواراً مستمراً، تنازلات مؤلمة أحياناً، لكنها حقيقةً الوسيلة الوحيدة لبناء دولة مستقرة وقوية، دولة تسعد فيها جميع مكوناتها.
فحقيقةً، التاريخ لن يرحم من يضيع هذه الفرصة. إذا لم يكن التغيير في سوريا ديمقراطياً حقيقياً، سوف يتحول أي حاكم في سوريا إلى وحش يلتهم حريات السوريين مرة أخرى. لكن إذا تم اختيار طريق الديمقراطية الحقيقية والشفافية الكاملة والمشاركة الواسعة، فسيصبح اسم الشخص الذي يقود هذا الطريق مرتبطاً بنهضة سوريا الحقيقية للأبد.
دعوة للفعل: الحرية تنتزع والديمقراطية تبنى
فحقيقةً، أن على الشعب السوري أن لا ينتظر أحداً ليمنحه حريته. فالحرية تنتزع، والديمقراطية تبنى. شاركوا في المنتديات، انتخبوا ممثليكم، راقبوا المسؤولين، استخدموا حقكم في المعرفة والمحاسبة. الدول العظيمة لا تبنى بالحكام العظماء، بل بالشعوب الواعية والفاعلة.
إذا تهيأت الظروف الديمقراطية الحقيقية، إذا بُنيت مؤسسات الشفافية والمشاركة، إذا تعلم السوريون من تجارب الشعوب الأخرى مثل سويسرا في الديمقراطية المباشرة، فستكون سوريا قادرة على حل قضيتها وبناء دولة عصرية ديمقراطية تحترم إنسانها وتؤمن بمستقبله.
فحقيقة سوريا الديمقراطية ليست حلماً، بل هي خيار استراتيجي ضروري لبقاء الدولة السورية ووحدتها