مقالة بقلم السيدة: لمعان شيخو عضوة المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان”الحب والحرية في مشروع الأمة الديمقراطية”
المقدمة …
يحتلّ مفهوم الحب موقعًا محوريًا في الفكر الإنساني، ليس بوصفه حالة وجدانية عابرة، بل باعتباره مبدأً وجوديًا وأخلاقيًا يعيد تشكيل علاقة الإنسان بذاته وبالعالم. وفي ظل التحولات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، تبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في الحب كقيمة تأسيسية في مشروع التحرر الإنساني، كما يظهر في بعض الفلسفات التي تربط بين الحب والعدالة والمقاومة، ومن بينها رؤية الفيلسوف و القائد عبد الله أوجلان التي تمنح الحب مكانة مركزية في بناء مجتمع ديمقراطي حر.
لا يُفهم الحب فلسفيًا باعتباره مجرد انفعال عاطفي، بل بوصفه بنية وجودية تكشف حقيقة الإنسان في أعمق مستوياتها. فالحب يحرر الإنسان من الانغلاق على الذات، ويفتح أمامه أفقًا للتواصل مع الآخر دون خوف أو هيمنة.
ومن هذا المنطلق، يصبح الحب معيارًا أخلاقيًا يوجّه الفعل الإنساني نحو العدالة، ويحرر الحقيقة من العنف حين تُختزل في سلطة معرفية أو سياسية.
الحب ممارسة مستمرة تُعيد تشكيل الذات عبر الانفتاح على الآخر، وتؤسس لوجود إنساني أصيل قائم على المشاركة والاعتراف المتبادل.
الحرية كقيمة اجتماعية ,لا تتحقق الحرية في ظل الإكراه أو القهر، لأن الحب يفترض قدرة واعية على الاختيار. فالحرية ليست مجرد غياب للقيود، بل هي قدرة على اتخاذ القرار بدافع من المسؤولية الأخلاقية.
وتتجاوز الحرية هنا الفهم الليبرالي التقليدي الذي يربطها بالاستقلال الفردي، لتصبح ممارسة اجتماعية تُعيد تشكيل العلاقات الإنسانية على أساس الاحترام المتبادل. نابعة من الحب، تسهم في بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة.
المرأة كجسر بين الحب والحرية في فلسفة القائد عبد الله أوجلان.
في رؤية القائد عبد الله أوجلان، الحب ليس شعورًا عابرًا، بل قانون وجودي يسبق السياسة والاقتصاد والمجتمع. إنه الطاقة التي تعيد الإنسان إلى طبيعته التشاركية الأولى قبل أن تفسده أنظمة السلطة والهيمنة.
وتحتل المرأة موقعًا محوريًا في هذا التصور، إذ تُقدَّم بوصفها القوة التي تربط بين الحب والحرية. فهي ليست عنصرًا اجتماعيًا فحسب، بل روحًا أخلاقية تمنح الحب معناه، وتفتح المجال أمام تحرر المجتمع بأسره.
تحرير المرأة من البنى السلطوية هو شرط لتحرير المجتمع من علاقات الهيمنة والاستغلال. فالمرأة تمثل الطاقة الأخلاقية التي تعيد بناء العلاقات الاجتماعية على أساس المساواة والاحترام، وتعيد تعريف الحرية والحقيقة على أساس الحب لا القوة.
الحب والحرية: وجهان لعملة واحدة
يرى هذا التصور أن الحب والحرية عنصران متكاملان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر.
- فالحب بلا حرية يتحول إلى قيد لأنه يفقد طبيعته الاختيارية.
- والحرية بلا حب تتحول إلى فوضى لأنها تفقد بعدها الأخلاقي.
ويتحقق يذلك اكتمال الإنسان عبر التوازن بين الحب والحرية، حيث يشكل الحب القانون الأخلاقي الأعلى، وتشكل الحرية الفضاء الذي يسمح لهذا القانون بأن يتجلى في الواقع.
الأمة الديمقراطية: المثال الحي
يُقدَّم مشروع الأمة الديمقراطية بوصفه نموذجًا عمليًا لتجسيد الحب كقيمة اجتماعية. فهو يقوم على إعادة بناء الروابط الاجتماعية على أساس المشاركة لا السيطرة، وعلى الاعتراف لا الإقصاء.
ويرى القائد أوجلان أن الحضارة السلطوية عبر آلاف السنين قامت على نفي الحب لأنها قامت على: - السيطرة , العنف , الاستغلال , تحويل الإنسان إلى أداة
أما الأمة الديمقراطية فليست دولة ولا قومية ولا سلطة مركزية، بل شبكة علاقات اجتماعية تقوم على التعاون والأخوّة والاعتراف المتبادل واحترام التنوع. وهذه القيم لا يمكن أن تُبنى إلا على الحب بوصفه رابطًا اجتماعيًا.
وتظهر المرأة هنا كمركز روحي وأخلاقي لهذا المشروع، بوصفها الذاكرة الأخلاقية للإنسانية
الخاتمة
يتضح أن الحب، بوصفه حقيقة وجودية وأخلاقية، يشكل الأساس الذي تُبنى عليه الحرية والكرامة الإنسانية. فهو القوة التي تكشف جوهر الوجود، وتعيد صياغة علاقة الإنسان بالآخر على أساس الرحمة والاحترام.
وتبرز المرأة بوصفها محورًا أساسيًا في تحقيق التكامل بين الحب والحرية، لما تمثله من طاقة تحررية قادرة على إعادة بناء المجتمع على أسس العدالة والمساواة.
وهكذا يصبح الحب والحرية معًا مفتاحًا لبناء مجتمع ديمقراطي متحرر من الهيمنة، قائم على المشاركة والكرامة والاحترام