القائد عبدالله أوجلان بين المماطلة التركية والتردد الأوروبي: إلى متى الانتظار؟

من جديد، يطل ملف القائد عبدالله أوجلان إلى الواجهة، لكن هذه المرة من بوابة مجلس أوروبا. قرار لجنة وزراء المجلس الأخير بشأن “حق الأمل” لم يكن سوى تكرار لسياسة المماطلة، حيث منحت أنقرة مهلة إضافية قدرها ثمانية أشهر لتعديل قوانينها. مهلة جديدة تضاف إلى قائمة طويلة من الفرص الضائعة، فمنذ أحد عشر عاماً والمجلس يمنح تركيا الوقت، لكنها لم تلتزم يوماً بتعهداتها، بل استغلت هذه الفترات لتشديد العزلة على أوجلان وتعميق أزمتها الداخلية.
هذا التراخي الأوروبي لا يمكن قراءته إلا باعتباره تخلياً عن المبادئ القانونية والحقوقية التي يرفعها المجلس شعاراً. فبدلاً من ربط القرار بعقوبات ملزمة، تم الاكتفاء بمنح فرصة جديدة، وكأن المشكلة في الزمن وليست في الإرادة السياسية لأنقرة. النتيجة واضحة: أوروبا تمنح الشرعية للمماطلة التركية.
أما الدولة التركية، فقد أثبتت مرة أخرى أنها لا تنوي الالتزام. وعدُ دولت بهجلي بمنح القائد حق الأمل ظل حبراً على ورق، رغم أن أوجلان قدّم مبادرات استراتيجية فتحت الباب أمام عملية سلام حقيقية. لكن أنقرة لم ترد إلا بمزيد من التعنت، ما يؤكد أن مشروعها ليس الحل بل الإبقاء على الأزمة قائمة.
في المقابل، أوجلان يواصل أداء دوره كقائد تاريخي، حتى من خلف الجدران. فلقاؤه بالمحامين بعد ست سنوات من الانقطاع لم يكن مجرد إجراء قانوني، بل رسالة سياسية بحد ذاتها. القائد عبّر عن أمله في أن تكون هذه الخطوة بداية لمسار جديد، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل هي بداية فعلية، أم مجرد محاولة لتضييع الوقت بانتظار ما ستسفر عنه التطورات في الشرق الأوسط؟
الأهم أن رسائل القائد آبو هذا الشهر حملت رؤية تتجاوز جدران السجن. فقد خاطب العشائر العربية في الجزيرة ودير الزور والرقة والطبقة برسالة أخوة وتلاحم مع الكرد وبقية المكونات السريانية والآشورية، ودعا إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها ضمانة للتعايش والاستقرار. كما وجّه نداءً إلى الشبيبة للبقاء في الوطن وتحمل مسؤولياتهم التاريخية، ولم ينس الإعلاميين، مذكّراً باستشهاد “أبو موسى” ودور الإعلام في النضال والوعي.
إن ما يميز أوجلان اليوم هو أنه، رغم العزلة، يعيش واحدة من أكثر المراحل الفكرية عمقاً في مسيرته، ويقدّم مشروعاً واقعياً للحل، بينما تعيش تركيا مأزق الإنكار والمماطلة، وأوروبا مأزق التردد والعجز.
السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع: إلى متى سيبقى مصير “حق الأمل” مرهوناً بحسابات سياسية ضيقة؟ وما قيمة القوانين الأوروبية إذا كانت تُطبق على الجميع باستثناء تركيا؟
الوقت لم يعد في صالح أحد. إما أن يتحمل الأوروبيون مسؤولياتهم بجدية، أو أن يستمروا في لعب دور المتفرج على مأساة تاريخية، فيما تواصل أنقرة مشروعها القائم على العزلة والإنكار.
بقلم: فرزندا منذر