المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

الدين بين الروحانية والهيمنة السياسية في فكر القائد آبو

101

بقلم : دلال خليل

أيها القارئ العزيز
حين تقترب من فكر القائد عبد الله أوجلان ستجد أنه لا يتعامل مع الأديان كعقائد جامدة أو طقوس محدودة، بل كجزء أصيل من التاريخ الإنساني ومن البنية الروحية والأخلاقية التي ساهمت في تشكيل المجتمعات منذ آلاف السنين.
ستكتشف أنه يؤكد أن الأديان سبقت الدولة القومية وأنها كانت أداة لتنظيم العلاقات الاجتماعية قبل ظهور الأنظمة الحديثة. لكنك ستلاحظ أيضاً أن المشكلة الكبرى في نظره تكمن في توظيف الدين من قبل السلطات السياسية التي جعلت منه أداة للهيمنة والاستبداد، كما حدث في أوروبا القرون الوسطى حين استخدمت الكنيسة الدين لتبرير سلطة الملوك المطلقة، وكما يحدث في الشرق الأوسط المعاصر حيث تُستغل المرجعيات الدينية لتثبيت شرعية الأنظمة.
وأنت تقرأ، ستجد أن القائد عبد الله أوجلان يميز بين الدين كقوة روحية وأخلاقية يمكن أن تدعم قيم العدالة والمساواة، وبين الدين حين يتحول إلى أداة قمعية. وهو يرى أن تحرير الدين من سلطة الدولة القومية يعيد له دوره التحرري، كما فعلت حركات مثل اللاهوت التحريري في أمريكا اللاتينية التي وظفت المسيحية للدفاع عن الفقراء والمهمشين، أو كما فعلت الكنائس في جنوب أفريقيا حين وقفت ضد نظام الفصل العنصري.
ويؤكد القائد في مرافعاته أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون الروحانية، فهي حاجة أساسية في تكوينه النفسي والأخلاقي، وقد تناول هذا الجانب في كتبه مثل (سوسيولوجيا الحرية) والشرق الأوسط .
فالدين بالنسبة له ليس مجرد منظومة طقوس بل هو ثقافة وأخلاق، غير أن السلطات السياسية كثيرًا ما حولته إلى وسيلة للوصول إلى السلطة، أي إلى أداة سياسية تُستخدم لتكريس الهيمنة بدلًا من تعزيز القيم الإنسانية.

ومن النقاط الجوهرية التي يطرحها القائد أيضًا أن العالم الإسلامي بحاجة إلى إصلاح ديني عميق شبيه بما حدث في المسيحية عبر حركات الإصلاح التي أعادت للكنيسة دورها الروحي والأخلاقي.
فهو يرى أن إصلاح الدين الإسلامي يمكن أن يكون مدخلًا لنهضة شاملة، تسمح للمجتمعات الإسلامية بأن تلعب دورها الحضاري والإنساني في العالم المعاصر، بعيدًا عن الاستغلال السياسي أو الجمود العقائدي.
ستلاحظ أيضاً أن القائد عبد الله أوجلان يدمج حرية المعتقد في مشروعه الفكري المعروف بـ الأمة الديمقراطية حيث يعتبرها أساساً لبناء مجتمع تعددي يتسع للمسلمين والمسيحيين والإيزيديين والزردشتيين واليهود وغيرهم. وهو يذكرك أن التعايش بين هذه المكونات ليس خياراً ثانوياً بل ضرورة تاريخية لضمان الاستقرار. وقد تجسدت بعض ملامح هذه الرؤية في تجربة الإدارة الذاتية في مناطقنا حيث تعيش مكونات دينية وقومية مختلفة في إطار واحد، وهي تجربة رغم صعوباتها تقدم نموذجاً عملياً لكيفية تجاوز الانقسامات الطائفية.
وأنت تتأمل هذه الأفكار ستدرك أن أهميتها في الشرق الأوسط تكمن في أنها تقدم حلولاً لازمات مزمنة مثل الصراع السني الشيعي أو النزاعات القومية، إذ يدعو القائد إلى بناء مجتمع ديمقراطي يضم الجميع على أساس العدالة والمساواة. ورغم أن البعض يعتبر أفكاره مثالية وغير قابلة للتطبيق إلا أن التاريخ يقدم أمثلة على نجاح مثل هذه الرؤى، فسياسة التعددية الثقافية في كندا كانت تبدو مثالية لكنها أصبحت واقعاً ناجحاً، وكذلك فكرة الأمة متعددة الأعراق في جنوب أفريقيا التي تحققت بعد سقوط الأبارتهايد.
وفي النهاية ستجد أن رؤية القائد عبد الله أوجلان ليست مجرد تنظير بل هي مشروع بديل يمكن أن يسهم في إعادة صياغة مستقبل الشرق الأوسط. إنها دعوة إلى تحرير الدين من الاستغلال السياسي، وإصلاحه ليعود قوة روحية وأخلاقية، وإدماجه في مشروع إنساني ديمقراطي يضع الحرية والعدالة فوق الانتماءات الضيقة. وهذا ما يجعلها ذات أهمية خاصة في منطقة تبحث عن نموذج جديد للتعايش المشترك.