المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

حين تُطفأ البندقية: قراءة في حل حزب العمال الكوردستاني ومستقبل الكوردي في تركيا

20

بقلم: المهندس إبراهيم زراري
ممثل الحوزة الدينية الزرادشتية في العراق وسوريا – عضو رابطة خبراء النفط العراقيين

في تحولٍ تاريخي لا سابق له منذ تأسيس حزب العمال الكوردستاني (PKK) عام 1978، جرت اليوم مراسم حرق ثلاثين قطعة سلاح، بحضور أربعة من قادة الحزب، بعد أن سُلّمت رسميًا، في خطوة رمزية توّجت إعلانًا داخليًا بحلّ الحزب أو أحد أجنحته.
هذا الحدث، سواء كان مقدمة لمرحلة جديدة أم خاتمة نهائية لصراعٍ دام أكثر من أربعة عقود، لا يمكن تجاهله سياسيًا أو أخلاقيًا، خاصة أنه يضع المسألة الكوردية في تركيا على أعتاب مفترق طرق جديد.

قراءة أولية: ماذا يعني حرق الأسلحة؟

في منطق الصراعات المسلحة، لا تُحرق الأسلحة إلا حين تُغلق الجبهات. هذه الخطوة ليست مجرد مبادرة رمزية، بل هي رسالة قوية:
• إلى الدولة التركية: أن الكورد قادرون على إنهاء الصراع بإرادتهم، لا بفرض الهزيمة.
• إلى الشعب الكوردي: أن زمن البندقية قد يُفسح المجال لعصر الفكر والتنظيم والنضال المدني.
• إلى العالم: أن القضية الكوردية لا يمكن تصنيفها ضمن “الإرهاب”، حين تُقدَّم هذه النماذج من الانضباط والانفتاح.

أربعون عامًا من النار والهوية

منذ انطلاقة الحزب، شكّل PKK معادلة صعبة في الداخل التركي، حيث قاتل باسم “حق تقرير المصير”، لكنه أيضًا دخل في مواجهة دموية كلفت الجميع – كُردًا وأتراكًا – مئات الآلاف من الأرواح والمنازل المدمرة، والمدن المقهورة.

رغم ذلك، لا يمكن إنكار أن الثورة الكوردية:
• أيقظت الوعي القومي والثقافي الكردي داخل تركيا.
• فرضت واقعًا جديدًا لا يمكن تجاوزه: لم تعد “المسألة الكوردية” هامشية أو قابلة للطمس.

ما بعد السلاح: هل تتهيأ الأرضية للسلام؟

يبقى السؤال الجوهري: هل ستلتقط الدولة التركية هذه اللحظة التاريخية؟
هل ستردّ بـ:
• إصلاحات دستورية؟
• اعتراف باللغة والهوية الكوردية رسميًا؟
• إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟
• إنهاء عسكرة المدن الكردية؟

أم أنها ستتعامل مع هذا الحل كتراجع ينبغي استغلاله لإضعاف الوجود الكردي عمومًا؟

مستقبل الكورد في تركيا: مابين الأمة الديمقراطية والدولة القومية

مشروع “الأمة الديمقراطية” الذي أعلنه المفكر عبد الله أوجلان قد يكون البديل الواقعي لفكرة الدولة القومية الكردية التي لم تجد لنفسها أرضًا في تركيا.

لكن هذا لا يعني أن الكورد قد تخلّوا عن طموحهم بالكرامة والسيادة. بل إنهم ربما أعادوا تعريف السيادة لتكون:
• سيادة الإنسان على ذاته،
• وحريته في لغته،
• وأمانه في وطنه،
• واستقلاله الفكري والثقافي.

كلمة أخيرة

كزرادشتي وكإنسان، أقول:
التحرر الحقيقي لا يُقاس بعدد البنادق، بل بعدد المدارس المفتوحة، والكتب المترجمة، والنساء المرفوعات الهامة، والأطفال الذين ينامون دون قصف.

حرق ثلاثين بندقية أهم من إشعال ألف طلقة.
حلّ حزب ثوري، حين يُختار طوعًا، قد يكون أعظم ثورة.

وإن لم تكن هذه نهاية المعركة، فلعلها بداية النور.

إبراهيم زراري
المهندس والكاتب والناشط الزرادشتي
12 تموز 2025 – أربيل