المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

بفلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” … استمداد التحوّل من الذهنية القسرية إلى ثورة تزلزل عرش الاستبداد الإيراني

66

بقلم السيدة: آمنة خضرو

المتحدثة باسم المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان – مركز حلب

مقدمة:

المرأة الإيرانية تقف في قلب صراع محتدم بين نظام سلطوي ذكوري يسعى إلى قمعها وتقييدها، وبين تطلعاتها المستمرة نحو الحرية والكرامة. فمنذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام (١٩٧٩م)، كانت المرأة أولى ضحايا القمع المنهجي باسم الشريعة الإسلامية، حيث فُرضت عليها قيود العبودية، والوصاية الذكورية الأبوية، والزواج القسري، وزواج المتعة، والإقصاء المجتمعي والسياسي. وقد استُخدمت أداة الحجاب القسري بشكل مركّز، بينما جُرِّدت النساء من أصواتهن وكيانهن وأبسط حقوقهن، في مجتمع تحكمه الأيديولوجيا الدينية والقومية الذكورية البحتة. هذا القمع ليس عارضاً، بل ركيزة بنيوية في النظام الإيراني، الذي يرى في تحرر المرأة تهديداً وجودياً له. ومع ذلك، تواصل النساء الإيرانيات نضالهن، محوّلات أجسادهن وأصواتهن إلى أدوات مقاومة، تزرع الأمل بفلسفة: “المرأة، الحياة، الحرية.”

أداة فرض الحجاب القسري:

لم يكن الحجاب في إيران رمزاً اجتماعياً أو دينياً طوعياً، بل فرضاً قانونياً لا يمكن تجاوزه دون التعرّض للعنف أو السجن أو حتى القتل. فمنذ الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية الإيرانية، فُرض على النساء ارتداء الحجاب، بغض النظر عن انتماءاتهن الدينية أو خلفياتهن الثقافية. أصبح الزي “الشرعي” شرطاً ملزماً للمشاركة في الحياة العامة، من المدرسة إلى الجامعة، ومن أماكن العمل إلى المؤسسات الرسمية. ومع مرور العقود، تحوّل الحجاب القسري إلى أحد أبرز رموز اضطهاد المرأة، يُستخدم لتقييد جسدها، وعزلها عن الفضاء العام، ومحاولة طمس إرادتها.

شرطة الأخلاق… شرطة الرعب:

ما تُعرف بـ”شرطة الأخلاق” ليست سوى جهاز أمني مكلّف بإرهاب النساء، ورمز لمأسسة القمع الجنسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذه المؤسسة مسؤولة عن عشرات آلاف الاعتقالات، والإهانات العلنية، والتعذيب، والتسبب في حوادث مأساوية مثل مقتل الشهيدة جينا (مهسا) أميني، الشابة الكوردية التي شكّلت شرارة انتفاضة عام (٢٠٢٢م). لم تكن جريمة قتل جينا حادثاً فردياً، بل تجسيداً بنيوياً لذهنية نظام يرفض حق المرأة في اختيار ملابسها، في أبسط الحقوق الثقافية والإنسانية، ويمنعها من أن تكون ببساطة إنسانة حرة لها كينونتها.

أساليب الأجهزة الأمنية… إسكات الصوت النسوي:

المرأة الإيرانية ممنوعة من التعبير الحر، سواء في السياسة أو الإعلام أو الفن، أو حتى في أدنى أشكال الاحتجاج السلمي. تُلاحق الأصوات النسائية المطالبة بالعدالة، وتُسجن المفكرات والناشطات، وتُمارَس بحقهن أقسى أنواع القمع الجسدي والنفسي. لا يقتصر الأمر على تغييب المرأة، بل يمتد إلى محاولة تحطيمها بالكامل عبر قوانين تمييزية، حيث سلطة الرجل ـ الوصي الدائم ـ يُجيزها القانون للتحكم في حياتها وقراراتها.

زواج القاصرات والمتعة… شرعنة الاستعباد الجنسي:

باسم الدين، يُسمح في إيران بزواج الفتيات في سن التاسعة، وفي بعض الحالات أقل، عبر “الزواج المؤقت” أو ما يُعرف بـ “زواج المتعة”، الذي يُستغل لتسويق المرأة كسلعة جنسية مغلّفة بالتبرير الفقهي. تُجبر الفتيات على الزواج مقابل مهور رمزية، ويُحرمن من التعليم والعمل والطفولة. تُقدَّم المرأة كأداة لإشباع الغرائز، لا ككائن متكامل، وتُربط قيمتها بـ “عفّتها”، أي بخضوعها، لا بعقلها أو إنسانيتها، مما يشكّل شكلاً من أشكال العنف الممنهج غير المُعلَن.

المرأة في دستور التمييز… قوانين ضد الكرامة:

الدستور الإيراني، الذي يُفترض أن يمثل جميع مكوّنات المجتمع، بُني على التمييز بين الجنسين. فالمادة (115) تمنع النساء من الترشح لرئاسة الجمهورية، وتقصيهن من مواقع صنع القرار. قوانين الأحوال الشخصية تسمح بزواج القاصرات، وتمنح الرجل الطلاق والوصاية المطلقة، بينما تُحرَم المرأة من أبسط حقوق الحضانة والحرية. الحجاب، المفروض بمرسوم سلطوي، ليس مسألة دينية، بل سياسية، وهو رمز لإخضاع الجسد والهوية لمشروع ثيوقراطي شمولي.

انطلاقة الثورة من تحت الحجاب… المرأة كساحة نضال:

رغم كل هذه القيود، لم تتراجع المرأة الإيرانية عن النضال. من شوارع طهران إلى زنازين السجون، ومن الجامعات إلى منصات المقاومة الإلكترونية، رفعت النساء شعارات الثورة، مستلهمات قوتَهن من نضال المرأة المقاتلة والمفكرة والسياسية في روج آفا، بقيادة فكر القائد الأممي عبد الله أوجلان، الذي أطلق شعار: “المرأة، الحياة، الحرية”، فتحوّل إلى عنوان عالمي لتطلعات النساء نحو الحرية.

انتفاضة الشهيدة جينا… من كوردستان إلى العالم:

في (16 أيلول/ سبتمبر 2022م)، انفجر البركان من قلب كوردستان إيران، عندما قضت جينا أميني تحت التعذيب في مركز شرطة الأخلاق. كتب أهلها على شاهد قبرها: “جينا أميني، لم تموتي بل أصبحتِ رمزاً”. حتى اسمها الكوردي مُنع، وأُجبرت على الاسم الفارسي “مهسا”، في سياسة ممنهجة لمحو الهوية الكوردية، تماماً كما يُقمع شعار: “المرأة، الحياة، الحرية”، الذي لم يكن صرخة غضب فقط، بل إعلان ثورة مستوحاة من نضال المرأة الكوردية في شمال وشرق سوريا، من صرخة آرين وتحدي هفرين ورسالة جيان، المستندة إلى فكر القائد عبد الله أوجلان الذي جعل من تحرير المرأة حجر الزاوية في مشروعه التحرري.

الاحتجاجات النسائية… تحدٍّ لا يوقفه الرصاص:

من سقز ومريوان وسنه، إلى طهران وكرج وأصفهان، خرجت النساء إلى الشوارع، بشعرهن المكشوف، يهتفن، يرقصن، ويحرقن الحجاب، معلنات الثورة على أنغام الرصاص. تأسست حركة “فتيات شارع الثورة” بشكل عفوي، لكنها مثّلت تنظيماً نسوياً شعبياً واعياً. رغم القمع والاعتقالات، حيث تجاوز عدد المعتقلات (٢٠٠٠)، وعشرات الشهيدات، إلا أن كل ضربة أمنية كانت تُنبت إصراراً ومقاومة جديدة.

المرأة الكوردية… طليعة الثورة النسائية:

تبرز المرأة الكوردية داخل إيران كصوت مقاوم متقدم، تعاني من اضطهاد مزدوج: قومي وجندري. ومع ذلك، أسّست أول قوة نسائية مسلّحة في شرق كوردستان، هي قوات حماية المرأة (HPJ)، عام (٢٠٠٦م)، مستندة إلى فكر القائد عبد الله أوجلان. لم تقتصر المشاركة الكوردية على السلاح، بل امتدت إلى التنظيم السياسي والثقافي والاجتماعي، عبر منظمات مثل (RJAK) ومنظمات نسوية محلية، وقفت في وجه السلطة الذكورية والنظام القومي.

نساء كوردستان… طليعة الثورة وذاكرة الشهادة:

الشهيدة فريناز خسرواني، التي ألقت بنفسها من الطابق الرابع هرباً من محاولة اغتصاب، كانت إحدى حلقات المأساة، مثلها مثل شيرين وجينا. أسماء غيّرت التاريخ الإيراني. الانتفاضات النسوية في مهاباد، سقز، وكرمانشاه، كانت جذوراً لحراك نسوي لا يقبل الإقصاء ولا الوصاية.

“المرأة، الحياة، الحرية”… من فلسفة أوجلانية إلى ثورة عالمية:

هذا الشعار، المستمد من فكر القائد عبد الله أوجلان، لم يكن مجرد كلمات، بل إعلان بداية جديدة، ثورة نسوية اجتاحت من جبال كوردستان إلى شوارع طهران، ومن روج آفا إلى الباغوز والشهباء. حرية المجتمع لا تتحقق دون حرية المرأة.

الزلزال الشعبي… ثلاثية القمع (الجندر، القومية، الطبقية):

الانتفاضة الأخيرة جسّدت مواجهة ثلاثية: قمع المرأة، اضطهاد القوميات غير الفارسية، والتهميش الطبقي. خامنئي لا يرى سوى القمع، ويصف الثورة بـ”المؤامرة”، بينما ردّ المتظاهرون بشعار: “الموت للظالم، سواء كان شاهاً أو مرشداً”. إنها ثورة شعبية، لا نخبوية.

نحو حرية المرأة… ونهاية السلطوية الأبوية:

إيران تسير نحو مفترق طرق. الانتفاضة النسائية كسرت حاجز الخوف، حتى لدى الجاليات الإيرانية في الخارج. هذه الثورة بدأت من جسد المرأة، من صرختها، ولن تُوقفها الزنزانات ولا القمع.

خاتمة: الثورة لا تكتمل دون المرأة… أنوثة متمردة ضد الذهنية المحدودة

أثبتت انتفاضة “المرأة، الحياة، الحرية” أن الثورة الحقيقية لا تُبنى دون تحرر المرأة. لا ديمقراطية بالإقصاء، ولا عدالة بشرعنة زواج القاصرات، ولا حرية تحت وصاية شرطة الأخلاق. النساء قرّرن أن يكتبن خلاصهن بأيديهن. من جينا إلى فريناز، ومن الكوردية إلى الفارسية والبلوشية والعربية، جسّدت المرأة الإيرانية تنوعاً مقاوماً. أخطر ما يواجه النظام ليس السلاح، بل إرادة ووعي حر ينبضان بأنوثة متمردة. إنها ثورة ضد استغلال الدين وخنق الإنسان. ثورة تُكتب بأنامل النساء، وتُضاء بلهيب الحناجر، حتى تُولد الحرية كاملة، في نظام إيكولوجي ديمقراطي متكامل، بديل لهيمنة الدولة القومية الأحادية.

لقد فرضت ثورةُ المرأةِ حضورَها بقوةِ التاريخِ وحقيقةِ الحاضر، وها هي أدواتُ القمعِ الإيرانيةُ تتهاوى تباعاً كأحجارِ الدومينو، مُعلِنةً فشلَ منظومةِ الاستبدادِ في كبحِ إرادةِ الحرية.

ولم يَعُد أمامَ السلطةِ الإيرانيةِ الفاشيةِ، وكلِّ الأنظمةِ الدكتاتوريةِ، سوى الإذعانِ لحقيقةِ هذا التحوّلِ الجذري، والكفِّ عن محاولاتِ إسكاتِ صوتِ المرأةِ، الذي أصبح صدىً لثورةِ شعوبٍ بأكملِها.

فالدولةُ الإيرانيةُ، التي تَعرّت من شرعيتِها كما تتعرّى شجرةُ الخريفِ من أوراقِها، لم تَعُد قادرةً على إخفاءِ عجزِها أمامَ زحفِ الوعيِ النسويِّ الجريء.

“المرأة، الحياة، الحرية”.