المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

السياسة الاندماجية خلية جذعية لجمهورية ديمقراطية

204

بقلم السيدة: روجيان حسين عضوة المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله أوجلان – مكتب حلب

مقدمة

يُعرف الكون بتنوعه الطبيعي والحيوي ويشمل تنوع الأنواع والتنوع الوراثي وتنوع النظم البيئية ويُدرك بالطبيعة الأولى. أدى هذا التنوع الحيوي ضمن الطبيعة لنشوء التوازن الطبيعي في الكون بدءاً من حركة الذرات حول مداراتها مروراً بتكّون الخلية الأولى إلى حركة الكواكب في مجرة درب التبانة وصولاً لعناقيد المجرات، والمادة المظلمة، والفراغ الكوني الذي يفصل بين هذه التجمعات المجرية. 

بالتعامل والانغماس ضمن الطبيعة الأولى نستطيع رؤية التكييف والتوافق والتكامل الفطري بين كل هذا التنوع، ما ساهم بدروه في تطويرها ونموّها ورقييها. فكل كائن حي لم يستطع الإسهام في التطور والتماشي مع المتغييرات التي حصلت في الطبيعة تعرض لحالات الانقراض والزوال. نتيجة لتطور الطبيعة الأولى أثمرت طبيعة ثانية التي سُميت في مجلدات ومرافعات القائد عبدالله أوجلان تيمناً بالطبيعة المجتمعية.

اعتمدت الطبيعة الثانية أي الطبيعة المجتمعية على الاندماج فيما بينها وبين الطبيعة والتعايش المشترك الذي دام فترة 98% من تاريخ البشرية. النموذج الذي عاش فيها الطبيعة الثانية كان انعكاساً للاتحاد فيما بين الطبيعة الأولى كلها. بالعودة لنشوء الكون نستطيع رؤية الاندماجات في الطبيعة التي ساهمت بشكل كبير بتطوير الحياة الممكنة وهي عملية الاندماج النووي بين ذرتي هيدروجين التي أنتجت الهيليوم وصاحبته انطلاق طاقة حرارية عظيمة فهي واحدة من أهم التفاعلات التي تحدث بغزارة في الشمس. تفاعلات الالتحام تحدث في النجوم بين الهيليوم والهيليوم وبهذا تتكون عناصر أثقل، مثل الكربون والبيريليوم وغيرها.

ارتداد اندماج الطبيعة على الطبيعة الثانية

كان هذا التناغم والإتيان بهذه الفائدة من التعاون والمشاركة والاندماج فيما بين ذرات الطبيعة الكونية يثمر الحياة بكل الجوانب الممكنة لاستمرارها وديمومتها فالمجتمعات البشرية أستلهمت هذه الفكرة من الكون وعاشت مئات آلاف السنين وفقاً لهذا المبدأ. ففي الشرق الأوسط عاشت كل المكونات بمختلف أعراقها من سامي وآري وطوائفها الدينية والأثنية والمذهبية بكل سلام ووئام معاً. وكان هذا التعايش نسيجاً متوافقاً في الاندماج (التكامل)، ذاك الاندماج الذي يحصل بين ذرات مجتمعية في جغرافية واحدة بتنوعها الثقافي والتاريخي والعقائدي كانت ثورة بحد ذاتها.

يُفسر الاندماج في الطبيعة هو الانسجام والتوافق مع البيئة المحيطة، سواء كان ذلك من خلال التوافق البيئي أو من خلال الاستفادة من العناصر الطبيعية في التصميم والعيش. وكشفت البحوث العلمية للطاقة عن مفهوم جديد في بدايات عام 1938 الانشطار النووي وفيما بعد الاندماج النووي، ولكن بسبب تطور الرأسمالية والحداثة الرأسمالية ونمو الدولة القومية كانت استخدامات هذه العلوم ذو حصيلة مدمرة. على عكس ما هو موجود في حقيقة الاندماجات النووية في الشمس والنجوم التي تصبح مصدراً للحياة وتحقيق التوازن الكوني. في علوم الطاقة، الانشطار هو تقسيم الذرات إلى نيوترونات وفوتونات وبالتالي تخسر الذرة من صفاتها وخصائصها وتكتسب خصائص ليست تابعة لطبيعتها.

وانعكست ظاهرة الانشطارات على المجتمعات أيضاً، التي بدأت بظهور الطبقية والمدنية والدولة وتكونت من معادلة الشامان + الشيف العسكري + الراهب وولدّت نظام Jerenokrasi نظاماً بدون وجود المرأة كانت أولى عمليات الانشطار في الطبيعة الثانية. أدت عملية الانشطار إلى تقسيم المجتمع وفقد خاصيته في التعايش المشترك والسلم والعدالة. وتتالت الانشطارات المجتمعية على جغرافيا الشرق الأوسط نهايتها كانت بنشوء الدول القومية التي أُقيمت على المجازر وعمليات الإقصاء إن كانت جندرية أو عرقية أو دينية.

للنهوض بالشرق الأوسط والعودة لمصدر الطاقة المجتمعية قدّم المفكر عبدالله أوجلان مشروع “الأمم الديمقراطية” من خلال الاندماج التكامل بين الشعوب والمجتمعات. كان النداء الأخير “نداء السلام والمجتمع الديمقراطي” خير دليل على العمل لترسيخ هذا المفهوم في المنطقة. ما نستنبطه من النداء والمانيفستو الذي طرحه القائد عبدالله أوجلان نرى أن الاندماج بين المجتمعات في الشرق الأوسط هو الحل الأمثل والأفضل. بدايتها من تركيا مروراً بسوريا والعراق وإيران وانتشاراً في الشرق الأوسط ككل وحتى العالم. فهذا الاندماج (التكامل) سيحقق توازن مجتمعي كما هو الحال في التوازن البيئي والطبيعي. الشعوب تصبح خطوط متوازية تمضي بتاريخها وثقافاتها وجذورها نحو الديمقراطية والحرية عبر الاندماج معاً. بالتالي توّلد طاقة مجتمعية تضيء مستقبل العصرانية الديمقراطية بدون وجود سلطة مهيمنة على المجتمعات وبدون انشطاراً يجعلنا نتجرد من كينونتنا.

اندماج التكامل لمنع التقسيم

نستطيع تطبيق أطروحة القائد بخصوص الاندماج على واقع المجتمع السوري في يومنا المعاش من فوضى الاقتتال وعدم تقبل النسيج المتنوع والمختلف الذي تعايش منذ مئات السنين بطريقة شبه كومونالية، ولكن بسبب نشوء الدولة القومية التي اعتمدت إقصاء المختلفين ضد مبدأ البعد الواحد استوحت منه الحروب الداخلية والتجزئة اللامتناهية.

أثمر نسيج المجتمع السوري المتعدد تاريخاً ثقافياً وثورياً وتضامنياً، ومن نتاجات اندماج المكونات السورية كانت الحركات المناهضة للاحتلال العثماني والانتداب الفرنسي وتشكلت طاقة هائلة من الوحدة المجتمعية أدت إلى انحسار التدخل العثماني والسياسات الغربية. ولكن بظهور الانشطار المجتمعي الأول في سوريا أي ببروز دولة قومية تحت مسمى “الجمهورية العربية السورية” تخلل المجتمع فجوة كبيرة واتسعت هذه الفجوة لتاريخ 08.12.2024. بعد تغيير شخصية المتحكم في سوريا ومجيء سلطة متشددة دينية بدلاً من التشدد القومي أدى لانجراف سوريا إلى انشطارات متعددة لا تساهم في اندماجات تهدف لوحدة الأضداد.

فتشكيل اندماجات مجتمعية في سوريا سيصبح محوراً للحل السلمي في الشرق الأوسط أيضاً. كيفية تشكيلها يعتمد في الدرجة الأولى على كومونات ديمقراطية ومجالس تهدف لتوحيد الشعوب بمختلف رُؤاها السياسية والتاريخية والدينية. أيامنا الراهنة تعيش سوريا حالة تخبط نحو الاندماج فإن لم نحقق هذا الاندماج اليوم سنكون معرضين لانشطارات لا رجعة فيه على كافة الأصعدة من أهمها الجغرافيا. لذلك للحدّ من التقسييم على الأساس العرقي أو الطائفي علينا باندماج التكامل مشروعاً سلمياً وديمقراطياً في “الجمهورية الديمقراطية السورية” متعددة المكونات والطوائف والمعتقدات.

الخلاصة

اندماج التكامل الذي أرتد من الطبيعة الأولى على الطبيعة الثانية من خلال فكر القائد عبدالله أوجلان ستمهد الطريق لنشوء اتحادات لكومونات الجمهوريات الديمقراطية في الشرق الأوسط، ذلك عبر إعادة إحياء لهيكلية مجتمعية تاريخية وهي الكومونات. علينا رفع العقبات أمام اندماج التكامل في الشرق الأوسط والتي تتمثل بسياسة ديمقراطية تعتمد الوصول للطبيعة الثالثة.

نهاية نؤكد على أهمية إنشاء كومونات ديمقراطية لتسيير عملية الاندماج الديمقراطي كما أشار القائد لها في مانيفستو السلام والمجتمع الديمقراطي “يجب المحافظة على الخصوصيات بين العناصر التي تتكون منها الكومونة، كما يجب ألا تكون هناك مستويات متطرفة من الاختلاف، والتي يجب إزالتها لكي تتشكل الكومونة بشكل كامل”.