المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

“تأصيل السياسة لجذورها الأخلاقية في فكر الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان”

81

بقلم السيد: محمود مصطفى عبد الرحمن

عضو المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان

في زمنٍ تتهاوى فيه القيم الإنسانية أمام مصالح الدول والنخب السياسية، وتُستَغَل فيه السياسة كأداة للهيمنة والخداع، يبرز فكر الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان كواحة أخلاقية وسط صحراء النفعية السياسية. لقد سعى القائد إلى إعادة تعريف السياسة من منظورٍ قيميّ وأخلاقي، معتبراً أن جوهر السياسة يجب أن يكون خدمة المجتمع، لا حكمه أو إخضاعه. وقد عبّر عن ذلك في مشروعه الفكري الممتد من السجن إلى ثورة إيكولوجية، ومن الذات الفردية إلى الكونفدراليات الديمقراطية.

  • مفهوم السياسة الأخلاقية عند الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان:

يطرح القائد السياسة باعتبارها فنّ تدبير شؤون المجتمع انطلاقاً من إرادة حرة وواعية، لا باعتبارها أداة للسلطة القسرية. ويرى أن السياسة فقدت أخلاقيتها حين فُصِلت عن القيم المجتمعية وتحولت إلى احتكار بيد الدولة المركزية والنخبة الذكورية.

بهذا الطرح، يعيد القائد السياسة إلى جذورها الطبيعية، حيث كانت تُمارَس في الساحات العامة من قبل كل أفراد المجتمع، لا في دهاليز السلطة ودهائها. إن “أخلقة السياسة” تعني لدى القائد تحريرها من السلطوية والذكورية والربحية، وجعلها أداة لتطوير الوعي الاجتماعي وتعزيز التشاركية والديمقراطية.

  • السياسة والأخلاق وحدة لا انفصال:

يرى الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان أن الأخلاق والسياسة كانتا متلازمتين في البدايات الأولى للمجتمعات، قبل أن تُفصل السياسة عن الأخلاق وتتحوّل إلى أداة احتكار واستغلال. ويشدد على ضرورة إعادة دمج الأخلاق بالسياسة لتصبحا معاً أداة لبناء الحياة الحرة والعادلة.

هذا الاقتران ليس تنظيراً مثالياً فحسب، بل هو دعوة عملية لتجذير الديمقراطية الجذرية، حيث يُمارس الشعب السياسة مباشرةً، وتُضبط قراراتها بقيم العدالة والمساواة والحرية.

  • نحو سياسة مجتمعية لا سلطوية:

السياسة الأخلاقية في فكر الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان ترتكز على مبدأ “السياسة المجتمعية” التي لا تُمارَس من أعلى إلى أسفل، بل من القاعدة إلى القمة، حيث تشارك كل الفئات والأفراد في اتخاذ القرار وتنظيم الحياة. ويعتبر أن المؤسسات السلطوية تسلب المجتمع هذه القدرة، مما يؤدي إلى اغتراب الإنسان عن ذاته وعن مجتمعه.

وهنا يُبرز القائد دور المجالس والكومينات والكونفدراليات ونظامها الإداري المشترك بالإضافة إلى التنظيمات النسوية كقاعدة وأطر سياسية مجتمعية، بديلة عن الدولة القومية وسلطويتها. إنها ممارسات سياسية يومية ترتبط بالحياة الواقعية لأفراد المجتمعات، وتُمارَس بروح التشاركية والتضامن.

  • جذور الأخلاق السياسة والمرأة:

لا تكتمل أخلاق السياسة دون تفكيك الذهنية الذكورية التي احتكرت المجال السياسي لقرون. يربط القائد بين تحرر المرأة والأخلاق السياسة، إذ يرى أن أول انكسار أخلاقي سياسي في التاريخ حدث مع استعباد المرأة وتحويلها إلى كائن تابع.

وبذلك، فإن تحرير المرأة من القيود الذكورية هو شرط ضروري لتحرير السياسة من السلطوية واللاعقلانية. المرأة، في نظر القائد، ليست فقط موضوعاً سياسياً بل فاعلة مركزية في بناء الأخلاق السياسية الجديدة.

ـ الرأسمالية كنظام غير أخلاقي ولا سياسي:

يرى القائد أن الرأسمالية قد فصلت بين الأخلاق والسياسة، وحولتهما إلى أدوات للسيطرة.

فالنظام الرأسمالي يعمل على تجريد السياسة من معناها المجتمعي والأخلاقي، ويحوّلها إلى صراعات سلطوية قائمة على المصالح الفردية والسعي إلى الربح.

هذا النظام يفرض الفردانية والاستهلاك والعنف الاقتصادي، مما يؤدي إلى تفكيك الروابط الاجتماعية وانهيار القيم الإنسانية.

ولا تكمن المواجهة مع الرأسمالية في البعد الاقتصادي أو العسكري فقط، بل في كونها صراعاً قيمياً وأخلاقياً أيضاً.

فأخلقة السياسة تعني إحياء القيم المجتمعية الأصيلة، مثل التضامن، والتكافل، والحوار، والعدالة، في مواجهة قيم السوق والمصلحة والمنفعة.

إن السياسة الأخلاقية في فكر الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان ليست مجرّد دعوة أخلاقية، بل مشروع تحرري سياسي ديمقراطي إيكولوجي متكامل. إنه يتجاوز الدولة القومية، ويؤسس لبديل ديمقراطي تشاركي جذري، يقوم على حرية المرأة، وعدالة المجتمع، واستعادة السياسة من قبضة السلطة إلى أحضان الأخلاق والمجتمع، ومحاربة الرأسمالية. في زمن تتسارع فيه الانهيارات الأخلاقية والسياسية، يصبح فكر الفيلسوف الأممي عبد الله أوجلان ضرورة حضارية لكل من يسعى إلى العدالة والسلام والديمقراطية الحقيقية.