قراءة في فكر القائد عبد الله أوجلان: من الثورة إلى مشروع السلام والمجتمع الديمقراطي

بقلم السيد: محمد أمين
كاتب و ناشط مدني
في لحظة تاريخية نادرة، تبرز كلمات القائد عبد الله أوجلان كمنارة تُضيء دروب الباحثين عن السلام الحقيقي والعدالة الاجتماعية. لقد تحوّل فكر القائد أوجلان من خطابٍ ثوري يسعى إلى تغيير جذري، إلى رؤية فلسفية عميقة تنشد تحوّلًا سلميًا يُعيد بناء الإنسان والمجتمع من الداخل.
التحوّل الجذري في فكره
منذ سنوات أسره، أعاد القائد و المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان قراءة التاريخ، والسياسة، والمجتمع، فخرج بنظرية “الكونفدرالية الديمقراطية”، التي تشكّل اليوم حجر الزاوية في نضال الحركات الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وعموم الشرق الأوسط. لقد أدرك أن الدولة القومية لم تعد إطارًا يُنتج العدالة، بل أصبحت أداة للهيمنة والإقصاء.
خطاب السلام: تأريخ للحظة جديدة
في خطابه التاريخي 27 / شباط 2025 ومن داخل معتقله في جزيرة إمرالي، وجّه القائد نداءً إلى جميع القوى الكردية والتركية والدولية، من أجل إيقاف النزاع الدموي والبدء ببناء مجتمع يقوم على أساس الديمقراطية، والاعتراف المتبادل، والمساواة بين الشعوب. كان ذلك الخطاب نقطة مفصلية، أعاد فيها تعريف معنى “التحرر” بعيدًا عن المفاهيم العسكرية، مقتربًا من الفهم المجتمعي العميق للحرية.
قال فيه:
“لا أبحث عن سلطة، بل عن حياة مشتركة حرة تحفظ كرامة الجميع.”
هذا القول يلخّص جوهر مشروعه الديمقراطي.
المجتمع الديمقراطي: لا مركزية، لا هيمنة، لا إقصاء
يرى القائد أوجلان أن أساس الصراع في الشرق الأوسط ليس صراعًا دينيًا أو قوميًا بحتًا، بل هو نتيجة تراكم تاريخي للسلطة الذكورية والدولة المركزية. ومن هنا، فإن الحل لا يكون بإنشاء دولة قومية جديدة، بل ببناء مجتمع ديمقراطي تشاركي، يتكوّن من مجالس محلية، وإدارة ذاتية، ومشاركة نسوية فعلية في كل مفصل من مفاصل الحياة.
دور المرأة في المشروع الديمقراطي
في فكر الفيلسوف والمعلم عبد الله أوجلان، المرأة ليست عنصرًا ثانويًا بل هي قلب المشروع الديمقراطي. لقد وصف تحرير المرأة بأنه “الثورة الأولى”، معتبراً أن كل ثورة لا تبدأ بتحرير المرأة، ستكون مهددة بالانهيار من الداخل.
السلام كخيار استراتيجي
ما يميز فكر القائد APO هو إيمانه بأن السلام ليس مجرد هدنة، بل هو عملية بناء مجتمعي طويلة الأمد، تتطلب تفكيك البنى السلطوية القديمة، وبناء ذهنية جديدة تؤمن بالتنوع والتكافؤ. ولهذا دعا إلى مصالحة تاريخية بين الكرد والأتراك، وبين الشعوب التي تضررت من هيمنة الدولة المركزية.
إن فكر عبد الله أوجلان اليوم، وبخاصة في خطابه من أجل السلام، يتجاوز الجغرافيا الكردية ليصبح مشروعًا لكل شعوب الشرق الأوسط التي تبحث عن مخرج من الحروب والدمار. هو فكر لا يدعو فقط إلى مقاومة الظلم، بل إلى بناء بديل حضاري، أخلاقي، وديمقراطي، يليق بكرامة الإنسان.