المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

قراءة في خطاب السفير الأمريكي ورؤية المفكر أوجلان الاستشرافية

231
الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: صورة-واتساب-بتاريخ-1446-09-11-في-12.18.30_234a3c50.jpg

إن التحول الجيوسياسي الذي أشار إليه السفير الأمريكي توماس باراك عن نهاية عصر الهيمنة وأن المستقبل سيرتكز على الشراكة بدلا من الهيمنة التي كرستها اتفاقية سايكس-بيكو ليس مجرد نقلة استراتيجية عابرة بل هو اعتراف ضمني بإفلاس النموذج القديم القائم على التقسيمات الاستعمارية التي كرستها اتفاقية سايكس- بيكو فحقيقة هذا التحول الجيوسياسي لا يمكن فهمه بمعزل عن القضية الكردية التي كانت احدى ضحايا تلك الاتفاقية حيث تم تجزئة كردستان بين أربع دول (تركيا، إيران، العراق، سوريا) دون إرادة الشعب الكردي مما خلق صراعات دموية ومشكلات مستعصية هنا تبرز الرؤية الاستشرافية للمفكر أوجلان الذي قال : ان العنف هو لغة الماضي أما المستقبل فسيكتبه أولئك الذين يتقنون لغة الحوار والتعايش. حيث أدرك المفكر أوجلان باكرا أن المستقبل لن يكون للبنادق بل للفكر السياسي القادر على صياغة عقد اجتماعي جديد وهذا ما يريده السفير الامريكي والذي دعا إلى الانتقال من منطق الصراع الأيديولوجي إلى نموذج تعاوني إقليمي يضمن حقوق الأكراد والأقليات الأخرى دون المساس بوحدة الدول القائمة عبر حلول مثل اللامركزية أو الحكم الذاتي
وهذه الدعوى للسفير تتقاطع مع دعوة المفكر أوجلان إلى الكونفدرالية الديمقراطية كنموذج بديل عن الدولة القومية التقليدية التي أثبتت عجزها عن احتواء التنوع فبينما يدعو باراك إلى تكامل إقليمي يزيل الحدود عبر الشراكة الاقتصادية والأمنية يطرح المفكر أوجلان رؤية من داخل سجنه في إيمرالي والتي تتبنى الكونفدرالية الديمقراطية القائمة على نظام لا مركزي يحفظ حقوق الأكراد والاقليات الأخرى ضمن الدول الموجودة مع عدم المساس بوحدة الدول والتركيز على التعايش والتشاركية مع المكونات الاثنية والعرقية وهذه الرؤية لا تعني تفكيك الدول القائمة بل إعادة تعريفها على أساس طوعي حيث تصبح اللامركزية والحكم الذاتي أدوات لتحقيق العدالة دون تمزيق النسيج الوطني حيث يقول المفكر أوجلان : ليست الحدود هي التي تصنع الأوطان بل الإرادة الحرة للشعوب التي ترفض أن تكون سجناء الجغرافيا السياسية. ولكن دعوة السفير ورؤية المفكر أوجلان تتطلب تنازلات تاريخية من جميع الأطراف وهذا ماحصل فحزب العمال الكردستاني تخلى عن العمل المسلح بل وحل نفسه من خلال الدعوة التاريخية التي أطلقها المفكر أوجلان منذ عدة اشهر حيث أكد المفكر أوجلان أن النضال السياسي السلمي هو السلاح الوحيد الذي لا يهزم. وأما تركيا ان تقوم بالاعتراف بحقوق الأكراد الثقافية والسياسية وهذا ماتنبئ به المفكر أوجلان منذ اشهر حيث أكد أن المنطقة تجاوزت مرحلة الصراع المسلح منذ بداية ثورات الربيع العربي وبدأت مرحلة النضال السياسي ولكن في هذه المرحلة ظهرت أزمة الأنظمة التي فشلت في كسب الشرعية الشعبية بسبب ارتباطها المفرط بالخارج وتجاهلها لتطلعات الشعب هذا العجز يعود إلى انغلاقها في أيديولوجيا ضيقة حيث ركزت على القومية والاثنية والطائفية دون طرح مشروع سياسي شامل كما في تركيا والعراق وفلسطين ولبنان وسوريا في عهد الاسد لذلك فإن دعوة المفكر أوجلان إلى مراجعة الذات تبدو كاستجابة ضرورية لهذا الإشكال حيث يؤكد المفكر أوجلان أن المستقبل سيكون لمن يقدمون نموذجا تعايشيا قائما على الشراكة لا الصراع. وهنا تبرز إشكالية الأنظمة الإقليمية التي لا تزال تعيش في ذهنية القرن العشرين متناسية أن العالم يتجه نحو نموذج التعايش فتركيا مثلا لن تتمكن من لعب دور إقليمي إلا إذا تجاوزت عقدة الإنكار الكردي كما أن سوريا الجديدة لن تبنى إلا باعترافها بأن الأكراد والمكونات الأخرى شركاء وليسوا رعايا وبهذا الصدد حذر المفكر أوجلان قائلا : إن الذين يتشبثون بالحدود المصطنعة سيجدون أنفسهم خارج التاريخ لأن المستقبل لأولئك الذين يفهمون أن الحرية لا تمنح بل تصنع عبر إرادة الشعوب في النهاية يمكنني القول إن خطاب السفير الأمريكي ودعوة المفكر أوجلان يشكلان معا إطارا لتصور موحد للمنطقة حيث أن عصر الحلول العسكرية قد ولى وحل محله زمن الحلول السياسية القائمة على التفاوض والضمانات الدستورية وإلا فإن المنطقة ستظل ساحة لصراع لا ينتهي إذا فالمسألة ليست خيارا بين التعايش أو الصراع بل بين البقاء أو الفناء وبهذا الصدد يقول المفكر أوجلان: إما أن نتعلم العيش معا أو سنهلك معا.

الاستاذ: أنس قاسم المرفوع