المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

إمرالي.. نموذجٌ للمقاومة والاقتداء

165

أثبت القائد عبد الله أوجلان خلال السنوات التي قضاها في سجن جزيرة إمرالي قدرته على عيش حياة عظيمة حتى ضمن ظروف العزلة، وإبداء مقاومة منقطعة النظير، إذ يقول القائد واصفاً النضال داخل جدران السجن: “لقد تحوَّلَ سجنُ إمرالي بالنسبةِ إليَّ إلى ميدانٍ لحربِ الحقيقةِ بكلِّ ما للكلمةِ من معنى، سواءٌ على صعيدِ فهمِ الظاهرةِ الكرديةِ وقضيتِها، أم من ناحيةِ تَصَوُّرِ فُرَصِ وإمكانياتِ الحلّ”.

 خبر  01 نيسان 2023, السبت – 02:31 2023-04-01T02:31:00 مركز الأخبار

على الرغم من الظروف الصحية الصعبة التي يعانيها القائد عبدالله أوجلان، ونظام العزلة المشدد الذي تفرضه سلطات الاحتلال التركي بمنع الزيارات وأي شكل من أشكال التواصل مع العالم الخارجي، لم يتوقف النضال في إمرالي لثانية واحدة.

في المجلد الخامس من سلسلة “مانيفستو الحضارة الديمقراطية”، يشرح القائد عبدالله أوجلان كيف استطاع تحويل سجنه إلى ميدان حرب.

التحصنُ بحججٍ عظيمة وسامية

يقول القائد عبدالله أوجلان بأن “المؤامرةَ المدبَّرةَ ضدي في سياقِ إمرالي، كانت من النوعِ الذي لا يُبقي حتى على وميضٍ صغيرٍ من الأمل. وكان الحُكمُ عليَّ بالإعدام، والإبقاءُ على الحربِ النفسيةِ في الأجندةِ مدةً طويلةً من الزمنِ يصبُّ في هذا الهدف. فحتى أنا لَم أَكُنْ أتصورُ في الأيامِ الأولى كيف سأَتحمَّلُ هنا. فدَعكَ من مرورِ الأعوام، بل كنتُ لا أستطيعُ تصوُّرَ قضاءِ عامٍ واحدٍ فقط هنا. وكانت تشكَّلَت لديّ فكرةٌ مفادُها: “كيف لكم أنْ تضعوا ملايين الناسِ في غرفةٍ ضيقة!”. وبصفتي قيادةً كرديةً وطنية، فبالفعلِ كنتُ جعلتُ نفسي، أو فُرِضَ عليَّ جعلُ نفسي تركيبةً جديدةً تحتوي الملايين بين ثناياها في ظلِّ ظروفِ دخولي السجن. هكذا كان يراني الشعبُ أيضاً.

ويضيف القائد في سياق تقييماته: “فبينما كان المرءُ غيرَ قادرٍ بتاتاً حتى على تحمُّلِ فُراقِه عن عائلتِه وأطفالِه، فكيف كان لي أنْ أتحملَ فُراقي عن إرادةِ الملايين المُستَميتةِ على الاتحادِ والوحدة، وبُعدي عنها مدةً طويلةً قد لا تنتهي بلقاء! لَم يَكونوا يعطونني حتى رسائلَ أبناءِ الشعبِ المكوَّنةِ من بضعةِ سطور. وفيما عدا بعضِ رسائلِ الرفاقِ المعتَقَلين النادرةِ المُمَرَّرةِ من الرقابةِ المشدّدة، والتي لا يُعطى القِسمُ الأكبرُ منها؛ لَم أَستَلمْ حتى الآن أيةَ رسالةٍ ممن هو خارجَ السجن، إلا في بعضِ الحالاتِ الاستثنائية. كما ولَم أستطعْ إرسالَ أيةِ رسالةٍ إلى خارجِ السجنِ أيضاً. كلُّ هذه الأمورِ قد تشرحُ نسبياً الوضعَ الناجمَ عن التجريدِ والعزلة”.

يقول القائد عبدالله أوجلان إنه “في الحقيقة، فالظروفُ الخارجيةُ وظروفُ الدولةِ وإدارةِ السجن، بل وحتى لو كانت تجهيزاتُ السجنِ نفسُها خاصةً بالقصورِ والسرايا؛ فكلُّ ذلك لا يَفي بالغرضِ لإيضاحِ كيفيةِ تَحَمُّلِ العزلةِ المفروضةِ بنحوٍ مخصَّصٍ لي. إذ ينبغي عدم البحثِ عن العواملِ الأساسيةِ في الظروفِ المحيطةِ أو في مواقفِ الدولة. بل المُعَيِّنُ هنا هو إقناعي لنفسي بظروفِ العزلة. إذ كان ينبغي عليَّ التحصنُ بحججٍ عظيمةٍ وساميةٍ تُمَكِّنُني من تحمُّلِ العزلة، ومن إثباتِ مقدرتي على عيشِ حياةٍ عظيمةٍ حتى ضمن ظروفِ العزلة. ولدى التفكيرِ تأسيساً على ذلك، عليَّ قبلَ كلِّ شيءٍ الحديثُ عن تطوُّرَين اصطلاحيَّين”.

ويتابع: “كان الأولُ يتعلقُ بالوضعِ الاجتماعيِّ للكرد. إذ كنتُ أفكرُ على النحوِ التالي: لكي أرغبَ في حياةٍ حرةٍ لي، كان يتعينُ أنْ يَكُونَ المجتمع، أي المجتمعُ الذي أنتمي إليه حراً. أو بالأحرى، ما كان للحريةِ الفرديةِ أنْ تتحققَ من دونِ المجتمع. وسوسيولوجياً، كانت حريةُ الفردِ مرتبطةً كلياً بمستوى حريةِ المجتمع. ولدى إسقاطِ هذه الفرضيةِ على المجتمعِ الكرديّ، فصُلبِ نظرتي كان مفادُه أنّ حياةَ الكردِ لا تختلفُ عن سجنٍ مفتوحٍ حالكِ السواد. أنا لا أسردُ هذا الوعيَ كتعبيرٍ أدبيّ، بل أَصوغُه كحقيقةٍ تَعكسُ الواقعَ المعاشَ كما هو.

وثانيهما؛ كان هناك حاجةٌ للالتزامِ بمبدأٍ أخلاقيٍّ ملموسٍ للتمكنِ من الفهمِ الكاملِ للمصطلح. إذ عليكَ توعيةُ نفسِكَ بصددِ عدمِ إمكانيةِ العيشِ إلا ارتباطاً بمجتمعٍ ما، دون بُد. فأهمُّ وعيٍ خلقَته الحداثة، هي إقناعُها الفردَ بإمكانيةِ عيشِه من دونِ أيةِ أواصر اجتماعية. لكنّ محاولةَ الإقناعِ هذه شرحٌ زائف. إذ ما من حياةٍ بهذه الشاكلةِ في واقعِ الأمر، ولكنْ يجري الإقناعُ بها كواقعٍ افتراضيٍّ مبتَكَر. والحرمانُ من هذا المبدأِ تعبيرٌ عن تردي الأخلاق”.

حياة الكردي يجب أن تكون نضالاً من أجل الوجود والحرية

ويرى القائد بأن “حالةُ العبوديةِ المطلقةِ لدى الكرد، قد أحجَمَتني بنحوٍ حاسمٍ عن التصورِ بأنّ “الحياةَ الحرةَ ممكنة”. ولا تزالُ الحالُ على ذلك. لقد اقتَنَعتُ بالتالي: ما مِن عالَمٍ حرٍّ أستطيعُ العيشَ فيه. وقمتُ بالمقارنةِ مطَوَّلاً بين السجنِ الداخليِّ والسجنِ الخارجيّ، وانتبَهتُ في نهايةِ المآلِ إلى أنّ حالةَ الأَسْرِ في الخارجِ أكثرَ خطورةً على الفرد. بمعنى آخر، فعيشُ الفردِ الكرديِّ بقناعةٍ منه على أنه حرٌّ خارجَ السجن، هو محضُ خداعٍ وزيفٍ وخيم. فالحياةُ السائرةُ تحت ظلالِ الكذبِ والرياءِ والضلال، هي حياةٌ خاسرةٌ ومشحونةٌ بالخيانة”.

ويوضح أن “النتيجةُ التي استخلصتُها من ذلك هي أنّ العيشَ خارجَ السجنِ ممكنٌ بشرطٍ واحدٍ فقط، ألا وهو بأنْ يخوضَ الكردُ (والأتراكُ الكادحون القابعون تحت نيرِ الرأسمالية) كفاحاً دؤوباً من أجلِ الوجودِ ونيلِ الحريةِ على مدارِ الساعة. وبقولٍ آخر، فالحياةُ بالنسبةِ إلى الكرديِّ الأخلاقيِّ والأبيِّ غيرُ ممكنةٍ البتة، إلا بتحوُّلِه إلى مناضلٍ حثيثٍ من أجلِ الوجودِ والحريةِ طيلةَ أربعٍ وعشرين ساعة في اليوم”.

ويضيف: “ولدى قياسِ حياتي خارجَ السجنِ إلى هذا المبدأ، كنتُ أَقبَلُ بأني عشتُ بنحوٍ أخلاقيّ. وأنْ يَكُونَ الموتُ أو السجنُ ثمنَ ذلك، هو من دواعي الصراعِ والحرب. ونظراً لأنّ الحياةَ الخاليةَ من النضالِ والصراعِ هي محضُ زيفٍ وذُلٍّ وخنوع، فإنّ الترحيبَ بالموتِ أو تَحَمُّلَ الاعتقالِ يغدو أمراً كائناً في طبيعةِ الأمرِ أو الممارسة. بالمقابل، فإنّ عدمَ تحمُّلِ شروطِ السجنِ يخالفُ طبيعةَ ركائزي وحِجَجي في الحياة. فكيفما يستحيلُ الهروبُ من النضالِ أو خوضِ الصراعِ في سبيلِ الوجودِ والحرية، فمن المحالِ الفرارُ أيضاً من السجن، لأنه – هو أيضاً – من دواعي الحياةِ الحرة التي نكافحُ في سبيلِها. وعندما يَكُونُ الكردُ موضوعَ الحديث، وإذا كنتَ غيرَ قابعٍ تحت براثنِ الرأسماليةِ أو الليبراليةِ أو التصوفِ الدينيِّ المنحرف؛ فما مِن عالَمٍ بإمكانِك العيشُ فيه، وما مِن شيء بمقدورِك فعلُه خارجَ السجن؛ فيما عدا خوضِ الصراعِ من أجلِ تكريسِ حياةٍ أخلاقيةٍ ومُكَرَّمة”.

إمرالي ميدانٌ لحرب الحقيقة

يقول القائد عبدالله أوجلان بأن “سجنُ إمرالي تحول بالنسبةِ إليَّ إلى ميدانٍ لحربِ الحقيقةِ بكلِّ ما للكلمةِ من معنى، سواءٌ على صعيدِ فهمِ الظاهرةِ الكرديةِ وقضيتِها، أم من ناحيةِ تَصَوُّرِ فُرَصِ وإمكانياتِ الحلّ. فبينما كان القولُ والعملُ طاغيَين عندما كنتُ طليقاً، فإنّ المعنى هو السائدُ داخل السجن”.

ويتابع قائلاً: “ما مِن جانبٍ يستعصي عليَّ تحمُّلُه داخل إمرالي، فيما خلا الأسبابِ الفيزيائيةِ التي تتسببُ بمشاكل صحية. فقوةُ المعنوياتِ والوعيِ والإرادةِ لديَّ لَم تتراجعْ قطعياً عما كانت عليه في السابق، بل – وعلى النقيض – باتت أكثرَ صفاءً وشفافية، واقتاتَت من الجماليات، واغتَنَت بجوانبِ التقدمِ الحسَنِ والبهيّ. ومع الارتقاءِ بمستوى شرحِ الحقائقِ الاجتماعيةِ بواسطةِ العلمِ والفلسفةِ والجماليات، تزدادُ إمكانياتُ وفرصُ الحياةِ الأكثرَ صواباً وفضيلةً وجمالاً. إني أُفَضِّلُ العيشَ في حُجرتي الانفراديةِ لوحدي حتى آخِرِ رمَقٍ لي، على أنْ أعيشَ مع الناسِ الذين أَخرَجَتهم الحداثةُ الرأسماليةُ عن الطريق، أي عن طريقِ الحقيقة”.

ويرى القائد بأنه “لا يُمكنُ عيشُ الحياةِ البشريةِ إلا بنحوٍ اجتماعيٍّ حرٍّ وديمقراطيٍّ ومفعمٍ بالمساواةِ التي تتضمنُ الاختلاف، سواء كان المرءُ طليقاً أم سجيناً، وسواءٌ تواجدَ في بطنِ أمِّه أم في أيةِ لحظةٍ أو مكانٍ داخل الفضاءِ المترامي. وكلُّ أشكالِ الحياةِ الأخرى شاذةٌ عن مجراها، وبالتالي فهي مَرَضِية. ولكي تُعادَ الحياةُ إلى مجراها الصحيح، وتُداوى وتُعافى؛ ينبغي خوض كفاحٍ دؤوبٍ بشتى أنواعِ القولِ والعملِ الاجتماعيّ، بما في ذلك إنجازُ الثورة. وتُكَوَّنُ في سبيلِ ذلك الذهنيةُ والإرادةُ اللازمتان أخلاقياً وجمالياً وفلسفياً وعلمياً”.

ويختتم حديثه عن هذه المرحلة بالقول: “إذن، والحالُ هذه، وفي حالِ خروجي من السجن، فأينما كان مكاني واللحظةُ التي أحياها، فبطبيعةِ الحالِ سوف أواظبُ حتى آخِرِ رمقٍ لي على خوضِ الكفاحِ المتواصلِ بشتى أنماطِ القولِ والعمل اللازمِ في سبيلِ المجتمعيةِ التي جهدتُ لتحقيقِ الانتماءِ إليها؛ ومن أجلِ الكردِ الذين يَحيَون حقيقتَها الأكثرَ مأساوية، وتحوُّلِهم الوطنيِّ الديمقراطيِّ الذي هو سبيلُهم إلى  الحلِّ والتحرر؛ ومن أجلِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطية” الذي هو سبيلُ الحلِّ والخلاصِ بالنسبةِ إلى شعوبِ الجوارِ أولاً وكافةِ شعوبِ الشرقِ الأوسطِ التي يُعتَبَرُ الكردُ جزءاً منها؛ وكذلك من أجلِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطيةِ العالمية” الذي هو سبيلُ الحلِّ والخلاصِ بالنسبةِ إلى جميعِ شعوبِ العالَمِ التي تُعَدُّ شعوبُ الشرقِ الأوسطِ جزءاً لا يتجزأُ منها. وسأثابرُ على مسيرتي اعتماداً على شخصيةِ الحقيقةِ التي نالَت نصيباً وفيراً من الحقيقةِ لديّ، ومتحصناً بالقوةِ الأخلاقيةِ والجماليةِ والفلسفيةِ والعلميةِ اللازمةِ من أجلِ ذلك؛ وسأَكسَبُ الحياة بناءً على ذلك، وسأَتشاطَرُها مع الجميع”.