الهيبة والسقوط في ضوء فلسفة أوجلان: ( الوضع السوري )

المفكر عبد الله أوجلان يرى أن الدولة الحديثة التي تتزين بثوب الثورة او التغيير تبقى تكرس نفس البنى السلطوية القديمة عبر آليات أكثر تعقيدا والتي تترسخ في اللاوعي الجمعي للمجتمعات فالجماهير التي تهتف للبطل اليوم ترفضه غدا ليس لأنها ترفض السلطة ذاتها بل لأنها تبحث عن بديل يلبي وهم الخلاص دون المساس بالبنى النفسية والاجتماعية الراسخة فحقيقة في سوريا كان نظام الأسد (قبل 2011) نموذجا للدولة المركزية القمعية التي تزينت بشعارات المقاومة والممانعة والمؤامرات الخارجية لتحافظ على هيكل أبوي-طائفي ولكن حين اندلعت ثورات الربيع العربي واحتجاجات عام 2011 تحول جزء من الجماهير من تمجيد الأسد إلى دعم الجيش الحر والائتلاف وجبهة النصرة وو… وبعد اسقاط الاسد اتجه اغلبية الشعب السوري في الخارج والداخل الى تبني حكومة الرئيس أحمد الشرع واصبحوا مهللين و مدافعين عنها ثم عاد اغلب الشعب إلى التذمر منها حين فشلت في تحقيق المعجزة هذا الانزياح ليس انقلابا في المبادئ هذا الانزياح ليس تحررا من العقلية السلطوية بل بحثا عن أب بديل كما يقول المفكر أوجلان: الجماهير تثور على الاسم لا على المضمون وتبحث عن أب جديد حين يسقط الأب القديم لا عن تحرر جذري من عقلية التبعية نفسها. فحقيقة كانت الإشاعة تهيمن على الحقيقة اثناء الاحتجاجات في سوريا لأنها تعتبر أداة لتعزيز الخوف من الفراغ السلطوي وقد استخدمتها كل الأطراف حتى القوى الدولية والاقليمية وذلك من أجل ترسيخ شرعيتها او تبرير تدخلها والى الآن تستخدم ولكن في الحقيقة الجماهير بحسب المفكر أوجلان تتعامل مع هذه السرديات بمنطق التقاليد الوثنية فتستبدل أسطورة بأخرى دون نقد جذري لبنى الهيمنة.
فحقيقة المؤسسات التي اسسها الشعب السوري اثناء الثورة كالجيش الحر والائتلاف وحكومته وحتى الحكومة التي جاءت بعد سقوط الاسد والتي تبنت خطابا ونهجا و هياكل سلطوية مشابهة لنظام الاسد تحت غطاء الديمقراطية نجد أنها لم تغير إلا المظهر الخارجي والشعارات ولكن العقلية الأبوية والطائفية بقيت سائدة فالجيش تحول إلى تحالفات قبلية وعائلية ودينية والإدارات الحكومية أصبحت تحت سيطرة زعماء حرب وبقي نموذج الدولة-الأمة المركزي الذي اسسه الاسد الأب قائما كما هو والذي يرفضه المفكر أوجلان لأنه قائما على إنكار الإرادة الحرة للمجتمعات المحلية فماحدث في السويداء كشف تناقضا مهما فالأخوة الدروز رفضوا النظام لفساده وايضا رفضوا حكومة الشرع الإسلامية مما يعكس رفض الجماهر للبدائل الجاهزة وهذا ما يؤكد عليه المفكر أوجلان بقوله : أن التحرر الذاتي الذي يجب أن ينبع من المجتمع نفسه لا من نخب فوقية . في 2018 حين سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على مناطق واسعة رحب السوريين بها كبديل تقدمي لكن سرعان ما ظهرت انتقادات ضدها بسبب فشل الإدارة في كسر النمط السلطوي التقليدي حيث تحولت بعض المجالس المحلية إلى أدوات لتمرير قرارات النخبة الحاكمة بدلا من تمثيل المجتمع وهيمنة النخب العسكرية وظهور زعامات محلية تحولت إلى مراكز قوة (وذلك لأن المجتمع لم يتخلص من العقلية الأبوية السلطوية حتى داخل الإدارة نفسها)ففي مناطق مثل دير الزور تحول بعض قادة قسد إلى زعامات عسكرية شبه مستقلة يسيطرون على الموارد والخدمات ويقمعون المعارضين تحت ذرائع أمنية وايضا العجز عن مواجهة التهديدات الإرهابية وعدم قدرة قسد على فرض استقرار دائم في دير الزور وهذا أضعف ثقة السكان بها وايضا لأن كثيرون رأوا في الإدارة الذاتية مشروع تقسيم وذلك لأنهم تربوا على ثقافة الزعيم الواحد . فحقيقة السوري الذي انتقل من تمجيد الأسد إلى تمجيد الشرع ثم إلى رفض الجميع لم يخرج بعد من دائرة العبد الباحث عن سيد والتي ينتقدها المفكر أوجلان ويرى ان الحل يكمن في الديمقراطية التشاركية القائمة على تنظيم المجتمعات المحلية خارج إطار الدولة المركزية فحقيقة بدل استبدال طغمة بأخرى فهو يرى أن الجماهير لن تتحرر بشكل حقيقي إلا بقتل البطل في داخلها أولا
اذا فالحل من وجهة نظر المفكر أوجلان يكمن في التحرر الداخلي أولا فهو يؤكد أنه بدون ثورة أخلاقية-فكرية ستظل سوريا في حلقة مفرغة سقوط بطل صعود بطل ثم سقوط جديد فسوريا لن تتغير بمجرد إسقاط النظام أو تغيير الحكومة بل تتغير عندما نقوم بتفكيك عقلية العبادة والتبعية وبناء نموذج لا مركزي قائم على الإدارة المجتمعية المباشرة فحقيقة المشكلة ليست في الأسد أو الشرع بل في ثقافة الخضوع التي تجعل الجماهير تنتظر منقذا بدل أن تكون هي صانعة مصيرها فالشعب السوري لم يتحرر بعد من عقلية العبودية الطوعية (كما يسميها المفكر أوجلان) فالمفكر أوجلان يرى أن التحرر الحقيقي يتطلب تفكيك ثقافة البطل عبر تعزيز التعليم النقدي وفضح آليات صناعة الزعماء وبناء مؤسسات أفقية مثل التعاونيات والمجالس المحلية خارج هيمنة الدولة وأيضا مواجهة الوثنية السياسية أي التوقف عن تقديس الرموز.
بالنهاية يؤكد المفكر أوجلان أن السقوط لا يكفي فالحرية تبدأ عندما نتوقف عن انتظار من ينقذنا.
من فكر وفلسفة المفكر أوجلان
اعداد الاستاذ : أنس قاسم المرفوع