المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

مقتطفات من توجيهات القائد آبو بخصوص الحرب والسلم

316

 من المرافعة الخامسة:

الاجواء : يُرغِمُنا على تسييرِ الحربِ على مستوى حربٍ شعبيةٍ حقيقية. وبعدَ تجربةِ حربٍ دامت ثلاثةَ عقودٍ برمتِها، فإنّ قيادةَ الحرب، أي قيادةَ “قوات الدفاع الشعبيّ HPG” مُكَلَّفةٌ بالاستعدادِ لحربٍ ريفيةٍ–مدينيةٍ متحدة، وبتطويرِ وتسييرِ والإشرافِ على الحربِ المُحتَمَلةِ التي سيخوضُها عشراتُ الآلاف، والتي ستشملُ جميعَ المناطقِ في نفسِ اللحظةِ دون تمييزٍ بين الليل والنهار أو بين الشتاء والصيف أو بين القرية والمدينة أو بين الجبل وسهل.

ومن الآن فصاعداً، سيحظى كلُّ شيءٍ بمعناه، وسيَرى النورَ ويحيا تأسيساً على سلامٍ مُشَرِّفٍ وحلٍّ ديمقراطيٍّ ثمين، أو ارتباطاً بحربٍ شاملةٍ حاسمة. وسيُداسُ ما بينهما ويتمُّ تجاوزُه. ذلك أنّ المراحلَ التاريخيةَ تمرُّ عامرةً بقراراتٍ وممارساتٍ تاريخية. وماخلا ذلك هو محضُ رياءٍ وأوهامٍ ستنثرُها الرياح. ومَن يُقَصِّرُ في تهيئةِ نفسِه لهكذا مراحل، أو يستعدُّ لها ويعجزُ عن تلبيةِ متطلباتِها، فرداً كان أم تنظيماً أم شعباً، دولةً كانت أم حزباً أم كائناً ما كان؛ فلن يَخلُصَ من الرميِ به في مزبلةِ التاريخ.

كلُّ الظروفِ تُضفي على احتمالاتِ مستجداتِ المستقبلِ المنظورِ أهميةً تعادلُ ما كانت عليه الثورتان الكبرَيَتان الفرنسيةُ والروسيةُ في التاريخِ المعاصر. وسواءٌ تحققَت بالحربِ أم بالسلم، فإنّ الشعبَ الكرديَّ لا يحلُّ القضيةَ الوطنيةَ الديمقراطيةَ العالقةَ من أجلِه فحسب. بل إنه يُنجزُ انطلاقةً ثمينةً من أجلِ عمومِ الشرقِ الأوسطِ والإنسانيةِ جمعاء. وهو بانطلاقتِه هذه لا يُضيفُ دولةً قوميةً جديدةً إلى أجهزةِ الدولِ القوميةِ التابعةِ للحداثةِ الرأسمالية، والتي تتكاثرُ يومياً. كما لا يواكبُ بها رَكْبَ ما رصَفَت الحداثةُ أرضيتَه منذ زمنٍ بعيدٍ من أجواءٍ رأسماليةٍ أو احتكاراتٍ أو عالَمٍ صناعيّ. بل إنه يتوهجُ بأشعةِ حضارةٍ جديدةٍ وحداثةٍ جديدة. وستَكُونُ انطلاقةُ تلك الحداثة، التي بوسعِنا تسميتُها أيضاً بالحداثة الديمقراطية، مُؤهَّلةً لإنارةِ دربِ الحلِّ المأمولِ واللازمِ لثقافةِ الشرقِ الأوسط، التي تمرُّ من أحرجِ مراحلِ تاريخِها وأشدِّها فوضى. إذ تتجلى جدارةُ هذا الدورِ في الحلِّ منذ الآن، بعدما برهَنَ حضورَه في العراقِ (أوروك) على وجهِ التخصيص. هذا السياقُ المُعاش، والذي بمقدورِنا نعتُه بنوعٍ من “الحربِ العالميةِ الثالثة”، إنما يصطفي PKK، ويرشحُه لأداءِ دورٍ شبيهٍ بما قامَ به الكردُ الأوائلُ على حوافِّ سلسلةِ جبالِ زاغروس– طوروس مع بزوغِ فجرِ تاريخِ الحضارة، وللقيامِ به هذه المرة لصالحِ الحضارةِ الجديدةِ والحداثة الديمقراطية، وعلى هدى المجتمعِ الديمقراطيِّ الخالي من الطبقةِ والدولة، والمرتكزِ إلى المدينةِ الأيكولوجيةِ والاقتصادِ المُنَزَّهِ من الربح. وقد عَرَّفَ PKK نفسَه منذ البدايةِ بما يتوافقُ وهذا الدورَ التاريخيّ .

فلَمّا ناشَد PKK ذلك، لبّى الشعبُ الكردستانيُّ النداء. ولَم تَعُدْ كردستان مركونةً إلى صمتِ القبور. لذا، ستُمثِّلُ المرحلةُ المقبلةُ من حيث النتيجةِ عصرَ إنشاءِ الأممِ الديمقراطية، سواء كانت الغَلَبةُ فيها للحربِ أم للسِّلم. وعليه، فمِن أحشاءِ ثقافةِ الحضارةِ الشرقِ أوسطية، التي صيَّرَتها الحضارةُ الطبقيةُ والمدينيةُ والدولتيةُ حمَّامَ دمٍ بألاعيبِها ومكائدِها المستمرةِ مدى آلاف السنين، والتي تصارَعَت فيها القبائلُ والأديانُ والمذاهبُ والأمم؛ سوف يسطعُ عصرُ العصرانيةِ الديمقراطيةِ مرتفعاً على أرضيةِ وحدةِ وتكامُلِ الأممِ الديمقراطية.