المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

مشروع الشرق الأوسط الكبير: من الفوضى المُنظمة إلى أمة ديمقراطية

230

_رؤية المفكر أوجلان في تحليل الصراع وآفاق التحرر :

الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: صورة-واتساب-بتاريخ-1446-09-11-في-12.18.30_234a3c50.jpg

لطالما أدرك المفكر عبد الله أوجلان أن مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تروج له القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة، لا يهدف إلى إعادة ترتيب الخريطة السياسية فحسب، بل إلى تفجير الهويات القومية المتصلبة ودفع الدويلات الطائفية والعرقية إلى صراعات داخلية لا تنتهي، كي تبقى واشنطن المهيمنة الوحيدة على مصير المنطقة لقرن قادم.

وفي هذا السياق، لا مكان مطلقًا لحركات التحرر الحقيقية، بل يتم تهميشها أو تشويهها أو احتواؤها، لأن المشروع الإمبريالي لا يحتمل أي فكر مقاوم جذري يهدد منطق الهيمنة.

_طبيعة الحرب العالمية الثالثة الخاصة بالشرق الأوسط:

وقد لخص المفكر أوجلان طبيعة الصراع حين قال: “ثمة حقيقة واقعة تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد حربًا عالمية ثالثة على نحو خاص بها”. لكن هذه الحرب تتميز بخاصيات مختلفة عن الأبعاد العسكرية والسياسية الكلاسيكية. فمهما تجولت عينك في أرجاء هذه المنطقة، من سوريا والعراق إلى اليمن وليبيًا، ومن تركيا وإيران إلى أفغانستان وباكستان، ترى مشاكل عالقة منذ آلاف السنين. مشاكل لم تُحل لأن الأنظمة التي تعاقبت على حكم الشعوب لم تكن أنظمة تنظيم، بل أنظمة فوضى منظمة، هدفها خلق الصراعات لتبرير بقائها. كما قال المفكر أوجلان: “إن الحياة الخاطئة لا تعاش بصواب”.

_مسار تنفيذ المشروع: من إيران إلى العراق:

فحقيقةً، منذ سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979، بدأ تنفيذ هذا المشروع بخطوات مدروسة. فجاءت حرب الخليج الأولى (1980–1988) لتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للعراق وإيران معًا. ثم حرب الخليج الثانية (1991) لتفكيك الدولة العراقية، وصولًا إلى الغزو الأمريكي عام 2003 الذي حول العراق إلى ساحة للتنافس الطائفي والقومي.

_المقاومة المشوهة وأدوات الممانعة:

وفي هذا السياق، لم تكن “المقاومة” كما تم تقديمها دائمًا مقاومة حقيقية، بل أعيد تشكيلها كأداة في يد المشروع الإمبريالي الجديد. فالنظام الإيراني، تحت غطاء “الممانعة”، لم يسهم في تحرير الشعوب، بل سعى إلى توسيع نفوذه عبر مليشيات طائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، محولاً المقاومة إلى وسيلة للاستعباد والقمع وتوسيع النفوذ، ومرتكبًا المجازر باسم الدفاع عن المقدسات. مما جعل الشعوب العربية تنفر من كل من يرفع شعار المقاومة دون مضمون تحرري حقيقي.

وهنا تكمن المفارقة الكبرى: أن أدوات “الممانعة” أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لأنها أبعدت الشعوب عن التفكير النقدي، وأغفلتها عن جذور الاستبداد الحقيقي، سواء كان محليًا أو إقليميًا أو دوليًا.

_الحل الجذري: من جذور المشكلة إلى رؤية “الأمة الديمقراطية”:

ويؤكد المفكر أوجلان أن الحل لا يمكن أن يكون سطحياً أو توفيقياً، بل يجب أن ينطلق من جذور المشكلة: من نشوء الدولة والسلطة والزيقورات، ومن الثنائية المدمرة التي فرّقت بين الرجل والمرأة، والسيد والعبد، والغني والفقير، والتي تقوم على مبدأ “كل شيئين متناقضين أحدهما ينفي الآخر”.

في المقابل، يشير المفكر أوجلان إلى أن أسلافنا في عصور المجتمع الطبيعي (الكومينالي) عاشوا على مبدأ التكامل: “كل شيئين متناقضين أحدهما يكمل الآخر”، حيث لم يكن الفرد يفكر في ذاته منفصلاً عن الكلان أو المجتمع. ومن هنا، فإن الحل الجذري يكمن في العودة إلى هذا المبدأ، لا بالحنين إلى الماضي، بل بإعادة بناء الحاضر على أسس ديمقراطية تحقق حقوق الإنسان، وتحرر المرأة، وتعزز الاقتصاد التشاركي، وتعيد للشعوب سيادتها الثقافية والسياسية.

ومن هذا المنظور، تبرز رؤية “الأمة الديمقراطية” كحل تاريخي: يقوم على الاتحاد في الاختلاف، لا يلغي الخصوصيات بل يثريها ضمن فضاء سياسي واقتصادي متكامل، يحقق الاكتفاء الذاتي وينهي التبعية للقوى الإمبريالية. فشعوب الشرق الأوسط، رغم الحدود المصطنعة التي فرضتها اتفاقية سايكس-بيكو، أكثر ترابطًا من شعوب أوروبا أو الولايات المتحدة، ليس فقط جغرافيا أو تاريخيًا، بل ثقافيًا وروحيًا.

_تحول النضال ومصير الأنظمة الهشة:

واليوم، بعد أن أدرك المفكر أوجلان أن الزمن تغير وأن أدوات النضال يجب أن تتغير معه، أعلن بوضوح أن الوقت قد حان للانتقال إلى النضال السلمي، وأمر بحل حزب العمال الكردستاني كتنظيم مسلح، ليتحول إلى حركة سياسية ديمقراطية شاملة. وهذا القرار لم يكن هروبًا من المواجهة، بل تطويرًا لاستراتيجية التحرر في ظل مرحلة جديدة من الصراع.

فحقيقةً، اليوم وبعد أن تم تصفية حركة حماس كأحد أبرز رموز المقاومة المستغلة من إيران، يلوح في الأفق أن الدور قد حان على مليشيات إيران في العراق واليمن، وأن النظام الإيراني نفسه، الذي ساهم بشكل حاسم في تفتيت المنطقة وتحويلها إلى ساحة للصراعات بالوكالة، لن ينجو من مصيره التاريخي.

_الخاتمة: البذرة والفراشة:

فكما قال المفكر أوجلان: “كل شيء ينمو على جذوره”. والجذور الحقيقية لشعوب الشرق الأوسط ليست في الطائفية أو القومية المتصلبة، بل في الديمقراطية والحرية والعدالة. والكرد، الذين عانوا من المؤامرات لأكثر من قرن، قد يكونون اليوم حامل البذرة الأولى لهذا التحول، حيث يسعى فكر “الأمة الديمقراطية” لأن يكون كأثر الفراشة: نسمة صغيرة اليوم قد تتحول غدًا إلى إعصارٍ يطيح بشرور الرأسمالية والدولة السلطوية، وكل أشكال الهيمنة التي أخرجت للبشرية من صندوق باندورا.

من فكر وفلسفة المفكر أوجلان
أعداد الأستاذ : أنس قاسم المرفوع