حرية القائد أوجلان ضمانة لحقوق الشعوب وتحقيق الديمقراطية بنداء السلام التاريخي…

بقلم السيد: المهندس إبراهيم زراري، ممثل الحوزة الدينية الزرادشتية في العراق وسوريا
الرغبة في لقاء السيد عبد الله أوجلان لا تنبع من دافع شخصي فحسب، بل من إيمان عميق بأنه يمثل أحد أبرز رموز النضال الكردي الحديث، وصوتًا إصلاحيًا يدعو إلى السلام التاريخي والتحرر الإنساني. لقد حمل السيد أوجلان في خطبه وكتاباته رؤية تتجاوز الصراع المسلح، متجهاً نحو مشروع ديمقراطي يعترف بحقوق المرأة، ويؤمن بضرورة عودة الشعوب إلى جذورها الثقافية والحضارية الأصيلة. وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال إيمانه بأن الزرادشتية تشكل إحدى الجذور التاريخية المشرفة للكرد، باعتبارها أيديولوجية أخلاقية ارتبطت بالحرية، والصدق، واحترام الطبيعة، والإيمان بالسلام.
ولقد أكد المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان في مؤلفاته مثل مانيفستو الحضارة الديمقراطية على أن المرأة ليست كيانًا ثانويًا في المجتمع، بل هي محور الحرية ومفتاح العدالة. وهو يرى أن اضطهاد المرأة كان بداية العبودية، وأن تحريرها يمثل انطلاقة أي ثورة حقيقية نحو مجتمع عادل. يقول السيد أوجلان في أحد خطاباته من إمرالي: «لا يمكن لأي ثورة أن تنجح ما لم تبدأ بتحرير المرأة، فهي أول كيان مضطهد في التاريخ، وبحريتها تبدأ حرية المجتمع» (خطاب إمرالي، 2009).
وهذه الرؤية تتقاطع مع ما ورد في الگاثات (أقدم أجزاء الأفستا المنسوبة إلى النبي زرادشت)، حيث جاء في يسنا 30: «اسمعوا بأذنيكم أفضل ما يُقال، وبنور عقولكم تأملوا كل كلمة، ثم اختاروا بأنفسكم بين الطريقين»؛ وهي دعوة صريحة إلى حرية الاختيار والمسؤولية الفردية، رجالاً ونساءً على السواء. كما جاء في يسنا 45: «الحقيقة هي أفضل الخير، وهي التي لا يضل من يسير في نورها»؛ وهو ما ينسجم مع دعوة أوجلان الدائمة إلى تحقيق العدالة والمساواة وفق الرجوع إلى جذور الحقيقة.
إن الزرادشتية، التي اعتبرها السيد أوجلان جزءًا من الهوية الروحية للشعب الكردي، ترتكز على ثلاثية “الفكر الصالح، القول الصالح، العمل الصالح”. وهذه المبادئ الأخلاقية كانت دائمًا ركيزة أساسية في خطاباته التي دعت إلى مقاومة الاستبداد ليس بالعنف وحده، بل ببناء بديل حضاري قائم على العدالة والمساواة بين جميع المكونات القومية والدينية. ففي خطاب له من داخل محبسه بجزيرة إمرالي، قال: «الحرية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التعايش السلمي بين الشعوب، والاعتراف المتبادل بالحقوق» (خطاب إمرالي، 2010).
ولم تقتصر رؤية المفكر أوجلان على الإنسان فحسب، بل امتدت إلى الطبيعة والبيئة. ففي أحد نصوصه كتب: «إن من يدمر البيئة، إنما يدمر الحياة ذاتها، فالطبيعة أمّنا الأولى، وحمايتها واجب ثوري» (أوجلان، كتابات من إمرالي، 2011). وهذا يتقاطع مع رؤية زرادشت التي تقدس عناصر الطبيعة – النار، الماء، الأرض، والهواء – بوصفها مظاهر مقدسة يجب صونها وعدم تلويثها. لذلك فإن مطلب حرية أوجلان لا يخص البعد السياسي فقط، بل هو أيضًا مطلب من أجل بيئة نقية، لأن فكره يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسلامة الأرض والإنسان معًا.
ويضاف إلى ذلك، أن أوجلان منح الفكر الفلسفي بعدًا عمليًا، حيث استلهم من التراث الإنساني العام – من الفلسفة اليونانية إلى الفلسفة الحديثة – مفاهيم أساسية لدعم مشروعه. فنجد في كتاباته تأثرًا بالفلاسفة الذين ركزوا على الحرية والعدالة مثل إيمانويل كانط وجان جاك روسو، لكنه أعاد صياغتها بما يتوافق مع الواقع الحالي، محاولاً المزج بين قيم الشرق الروحية ومكتسبات الحداثة الغربية.
من هنا، فإن لقاء السيد أوجلان يعني لقاء شخصية جمعت بين الفلسفة والممارسة الثورية، بين البحث في الجذور التاريخية للكرد وبين السعي العملي لنيل حقوقهم. إنه لقاء مع من رفع شعار السلام التاريخي بدلاً من الحرب الدائمة، ومع من رأى أن قوة الكرد ليست في السلاح فقط، بل في إحياء هويتهم الثقافية والدينية التي تمتد إلى زرادشت، وفي بناء مجتمع ديمقراطي تشاركي حر.
إنني أرغب بلقاء أوجلان لأنه سعى لإثبات حقوق الإنسان، واعتز بالكرد وسعى إلى نيل حقوقهم وحقوق جميع الشعوب المسلوبة حريتها، مؤكدًا أن خلاص الشعوب لا يتحقق إلا عبر الديمقراطية والاعتراف المتبادل. ولأن مشروعه – الذي يستمد من الأفستا والفلسفة الإنسانية – يمنحنا الأمل بمستقبل أفضل، قائم على السلام، والمساواة، والكرامة. كما أن مطلب حريته اليوم بات ضرورة، ليس فقط للشعب الكردي، بل من أجل مستقبل إنساني وبيئة نقية وحرية المرأة تتجسد فيها قيم العدالة والانسجام مع الطبيعة والإنسان.
نناشد الجهات المختصة للقاء بالقائد
ونحيي الشعوب التواقة التي تطالب اللقاء بالقائد.
⸻
المراجع:
1. عبد الله أوجلان، مانيفستو الحضارة الديمقراطية، المجلد الأول، منشورات حركة حرية كردستان، 2011.
2. خطابات أوجلان من سجن إمرالي (2008–2011)، منشورات مؤتمر المجتمع الديمقراطي الكردي.
3. الأفستا – الگاثات، يسنا 30 و45، ترجمة جيمس دارمستتر، طبعة أكسفورد، 1880.
4. Mary Boyce, Zoroastrians: Their Religious Beliefs and Practices, Routledge, 1979.
5. إيمانويل كانط، نقد العقل العملي، ترجمة عربية – دار التنوير، بيروت.
6. جان جاك روسو، العقد الاجتماعي، باريس، 1762.
7. داريوش جهانيان، فلسفة زرادشت، طهران، 2004