أوجلان.. حرية الرمز
أوجلان.. حرية الرمز
للمبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان بقلم: السيد الكاتب والصحفي نظام مارديني سوري مقيم في لبنان، ينضم إلى الحملة العالمية
الحرية لعبدالله اوجلان، الحل السياسي للقضية الكردية
كلما اتسعت أهمية التفاوض بين حزب الـ (PKK ) والحكومة التركية في مجال التسوية المقترحة من قبل زعيم الحزب عبد الله أوجلان (في إعلانه التاريخي الذي صدر في إسطنبول، 27 فبراير/شباط) كلما ضاقت سبل المواجهة العسكرية وأغلقت باب التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للأطراف بما تمثله من وسيلة مرنة تعزز استقلاليتهم وقدرتهم على إطلاق الحرية من معقلها في “إيمرالي” ويتحول أوجلان إلى ذلك “الرمز الحر”، بعدما كان:
“الحارس الجبلي
الذي انتزع الشمس من كهفها
ذات ليل”
كما جاء في القصيدة الموسومة بـ “أوجلان” للشاعر الليبي محمد الفيتوري.
لا يمكننا اعتبار الحرية مجرد شعار سياسي أو قيمة أخلاقية، بل تجربة وجودية يعيشها الإنسان يوميًا في خياراته وسلوكه وعلاقته بالمجتمع. ويمكن جعلها مضافًا لأي مضاف إليه شئناه: الميتافيزيقا، اللاهوت، الاقتصاد، الاجتماع، الدين، العلم، الشخصية… وشخصية القائد أوجلان الذي ارتبط اسمه بالكفاح من أجل الحرية والعدالة والمساواة… يظل هذا الرمز من الشخصيات المهمة في التاريخ الحديث، فهو كما “نيلسون مانديلا” رمز النضال من أجل الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية. واسم “أوجلان” سيبقى مرادفًا للحرية التي تعتبر واحدة من أكثر المفاهيم إغراءً وإثارة للجدل في الفكر الفلسفي… بل ولا تزال تشغل بال المفكّرين والفلاسفة حتّى عصرنا الحاضر. ونذكر في هذا الاتجاه الفيلسوفة حنّا آرنت (1906–1975) التي كانت قد أعطت للحرية بعدًا سياسيًا واجتماعيًا. في كتابها “في الثورة”، ميزت بين التحرر من القهر والحرية السياسية الفعلية.
آرنت، التي شهدت صعود الأنظمة الشمولية في أوروبا، رأت أن الخطر الحقيقي على الحرية يكمن في عزل الفرد وإفقاده القدرة على المشاركة في الحياة. لذلك، كانت الحرية عندها مرتبطة بالمجال السياسي الذي يتيح للإنسان أن يظهر ويعبّر ويشارك الآخرين في صياغة المصير المشترك.
هل تتكرر تجربة “مانديلا” الذي أصبح حرًا في عام 1990، تحت ضغوط دولية ومحلية كبيرة، وأطلق سراحه بقرار من رئيس جنوب أفريقيا فريدريك دي كليرك، وكان ذلك إيذانًا بنهاية عصر الفصل العنصري في ابلاد. بعد خروجه من السجن، قاد مانديلا المفاوضات مع الحكومة البيضاء لإنهاء نظام الأبارتايد وإجراء أول انتخابات ديمقراطية في البلاد.
في عام 1994، تم انتخاب مانديلا كأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. وقد ركزت رئاسته على تعزيز المصالحة الوطنية بين البيض والسود، وبناء مجتمع قائم على المساواة والعدالة ولا يزال.
كانت رسالته الرئيسية هي التسامح والتعاون، ونجح في تجنب حرب أهلية كانت تهدد البلاد.
حرية أوجلان تبدو الآن على “المحك” بعدما قدم في إعلانه الشهير في 27 فبراير/شباط، رؤيته المتكاملة من أجل تحويل تركيا إلى “أمة ديمقراطية”. وبفضل قوته الداخلية وإيمانه بعدالة قضيته وجعله المؤمنين به كمؤسس لحزب العمال الكردستاني، استطاع أن يغير مجرى التاريخ “التركي” ويجلب الأمل لملايين الأكراد الذين كانوا يعانون من غياب العدالة.
إرثه سيظل خالدًا في قلوب الشعوب المحبة للسلام والعدالة، وسيظل اسمه مرادفًا للإرادة التي لا تُقهر والنضال من أجل الحرية.
فهل سيستجيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لهذا الاعلان التاريخي أم أنه سيبقى أسير منطقه المكيافيلي بما يخص تحرير “أوجلان” من أسره، والإستمرار في إعتماد الأسلوب العنفي، وحروب الإبادة ضد الأكراد؟.
كل ما سيقال عن ضرورة الحرية لأوجلان والثناء والتقدير لنضاله وتضحياته وحكمته ليس فيه أي مبالغة، بل يستحقه بكل جدارة واستحقاق، ولعل خير ما نختتم فيه هنا ما جاء في قصيدة الشاعر الفيتوري:
“أبداً لم يكنْ شامخاً، وعظيم الرّؤى
مثلما هو في عرسِهِ الآن
أزهارُ ثلجٍ على قمةِ المنحنى
وقناديلُ مِن ذهبٍ تتوهَّجُ في ظلِّه
ورفوفُ طيورٍ مهاجرةٍ
تتداخلُ عبرَ ثقوبِ السماواتِ
أو تتعانقُ في مقلتيه
ونهرٌ عظيمٌ من الشَّهقات الحزينة
يلبسُ أمواجَهُ فجأةً
ويحطُّ على كَتِفَيْهِ المعذبتين
تحطُّ خيولُ المغولِ قديماً
على كَتِفَي أوجلان
الوحيدُ هنا وهنالك…
في حيث تنتفضُ الرُّوحُ زاعقةً
فوقَ أضرحةِ الشهداءْ”
