قراءة فلسفية زرادشتية في مقالة السيدة آمنة خضروللمبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجــلان بقلم: المهندس إبراهيم زراري
الجمهورية الأفلاطونية ومشروع الأمة الديمقراطية
قراءة فلسفية زرادشتية في مقالة السيدة آمنة خضرو
للمبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان
بقلم: المهندس إبراهيم زراري
ممثل الحوزة الزرادشتية في العراق وسوريا
عضو رابطة خبراء النفط العراقية – عضو منظمة العفو الدولية
عضو منظمةHWPL العالمية
مقدّمة
تمثّل مقالة السيدة آمنة خضرو بعنوان «الجمهورية الأفلاطونية بين الفلسفة وخيال المدينة الفاضلة – إيمرالي ومشروع الأمة الديمقراطية» عملاً فكرياً عميقاً يربط بين ثلاثة عوالم متوازية في الزمان والروح:
الفكر الإغريقي كما صاغه أفلاطون، والفكر التحرّري المعاصر كما أعاد تعريفه القائد عبدالله أوجلان، والفكر الكوني الأخلاقي الذي أرسته الفلسفة الزرادشتية منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.
ومن هذا التقاطع الفكري، تبرز أسئلة الإنسان الخالدة: ما العدالة؟ من هو القائد الحق؟ وكيف يتحوّل الفكر إلى مشروع حياة؟
أولاً: العدالة كقانون كوني لا كوظيفة اجتماعية
في الفلسفة الزرادشتية، العدالة (أشَه) ليست نظاماً بشرياً أو قانوناً أرضياً، بل مبدأ كوني يحكم حركة الوجود، ويعبّر عن التوازن بين الحق والخير والنور في مواجهة الفوضى والظلام.
لقد رأى أفلاطون العدالة في تناغم الطبقات داخل المدينة، ورآها أوجلان في تحرّر الشعوب من التسلط القومي والذكوري، بينما رآها زرادشت في انسجام الإنسان مع النظام الكوني الإلهي.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن مشروع الأمة الديمقراطية يتقاطع مع الرؤية الزرادشتية حين يجعل العدالة ممارسة يومية نابعة من الضمير الحرّ لا بنية سلطوية تُفرض من الأعلى.
ثانياً: القائد الفيلسوف – من الحكمة الفردية إلى الوعي الجمعي
في الفكر الإغريقي، الحاكم المثالي هو “الفيلسوف الملك” الذي يعرف الحقيقة ويقود بالفضيلة.
أما القائد عبدالله أوجلان، فقد نقل الفلسفة من التجريد إلى المشاركة، ومن السلطة إلى الوعي الجماعي، حيث يصبح القائد محفّزاً للفكر لا حاكماً على الناس.
وفي الفلسفة الزرادشتية، لا قيمة للمعرفة ما لم تتحوّل إلى فكر صالح، وقول صالح، وعمل صالح (هومته، هوخته، هورشته).
وعليه، فإن أوجلان يشبه زرادشت في جوهره الفلسفي: كلاهما حوّل الحكمة إلى حركة، والفكر إلى فعل أخلاقي مقاوم للجهل والاستبداد.
ثالثاً: من المدينة الفاضلة إلى الأمة الديمقراطية
تُعدّ “المدينة الفاضلة” عند أفلاطون حلمًا عقليًّا يبتغي مجتمعاً منسجماً تسوده الفضيلة.
بينما الأمة الديمقراطية عند أوجلان مشروع أخلاقي واقعي يهدف إلى تحقيق التعددية والمساواة في الحياة اليومية.
أمّا في الفكر الزرادشتي، فالفاضلية لا تتحقق ببناء مدينة مثالية، بل بترسيخ وعي جماعي للنور والحق داخل كل إنسان.
فالإنسان الزرادشتي الصالح هو المدينة الفاضلة بذاته، لأنه يزرع النظام (أشَه) في نفسه ومحيطه.
وعلى هذا، يمكن اعتبار الأمة الديمقراطية الامتداد العملي لمدينة زرادشت الروحية، التي يُبنى فيها العالم من الداخل إلى الخارج، لا بالعكس.
رابعاً: الإصرار الأخلاقي والحرية الداخلية
في جوهر الزرادشتية أن الصراع بين الخير والشرّ يبدأ داخل الإنسان، وأن الحرية الحقيقية هي حرية الفكر والضمير.
من هذا المنظور، فإن إصرار القائد عبدالله أوجلان في سجنه على صياغة مشروع الأمة الديمقراطية يجسّد التحرر الروحي قبل التحرر السياسي، وهو ما يسميه زرادشت “الاختيار الواعي بين النور والظلام”.
فالسجن عند أوجلان لم يكن قيداً، بل معبداً للتأمل والتحوّل، تماماً كما اختار زرادشت طريق النور في وجه الظلم والطغيان.
خامساً: الأخوّة والبيئة والكونفدرالية – امتداد روحي للزرادشتية
إنّ الدعوة إلى أخوّة الشعوب والكونفدرالية الديمقراطية وقدسية الطبيعة في فكر أوجلان هي ترجمة حديثة للمفاهيم الزرادشتية التي تقدّس عناصر الوجود الأربعة: الأرض، الماء، النار، والهواء.
في كلا المشروعين، تُفهم البيئة لا كعنصر مادي، بل كـ كائن روحي أخلاقي، وصيانتها واجب مقدس.
فالسلام لا يكون باتفاق سياسي، بل بعودة الإنسان إلى انسجامه مع الكون، كما تقول تعاليم الأفستا.
سادساً: من أثينا إلى إيمرالي – رحلة الفكر الإنساني نحو النور
بين أثينا التي حلمت بالعدالة العقلية، وإيمرالي التي أعادت بناء العدالة المجتمعية، تمتدّ جذور زرادشت التي علّمت البشرية أن النور واحد وإن اختلفت المشارق.
كل فكر يسعى إلى تحرير الإنسان من الجهل والظلم إنما ينهل من ذلك النبع الأزلي الذي صاغه زرادشت في تعاليمه الخالدة:
“بالفكر الصالح، والقول الصالح، والعمل الصالح، يقترب الإنسان من النور.”
خاتمة
إنّ ما يجمع بين زرادشت وأفلاطون وأوجلان هو الإيمان بأنّ العدالة لا تُفرض بالقوة، بل تُبنى بالوعي.
فالفلسفة الحقيقية ليست تنظيراً للعقل فقط، بل رسالة خلاص للإنسان والكون.
وإذا كانت الجمهورية الأفلاطونية هي حلم الفيلسوف بالعقل، فإنّ الأمة الديمقراطية هي تجسيد زرادشتي معاصر لذلك الحلم، إذ تحوّل العدالة إلى سلوك، والحرية إلى وعي، والفكر إلى نورٍ يتجاوز الجغرافيا ليصنع جمهورية الروح والضمير الإنساني