بين أخوّة الشعوب والأمة الديمقراطية.. فلسفة أوجلان طريق ثالث لتهدئة صراعات الشرق الأوسط
بين قرع طبول الحرب وتطلعات الشعوب للسلام، تبرز فلسفة عبدالله أوجلان كمسار بديل لشرق أوسط تمزقه الصراعات وتستنزفه النزاعات القومية والطائفية.

في ظل التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل، تزداد الحاجة إلى مقاربات فكرية غير تقليدية تُعلي من قيمة الاستقرار وأخوة الشعوب. ومن بين أبرز هذه المقاربات تبرز فلسفة المفكر الأممي عبدالله أوجلان، التي تقوم على مفهومي “أخوة الشعوب” و”الأمة الديمقراطية” كإطار بديل للدولة القومية التقليدية، التي يرى أنها كانت سبباً مباشراً في تغذية الحروب والهويات المتصارعة.
ويُعلي أوجلان من شأن التعددية الثقافية والدينية، ويدعو إلى بناء نظام سياسي واجتماعي تشاركي لا يُقصي أحداً، بل يقوم على الاعتراف المتبادل بين المكونات. وفي هذا السياق، فإن مبدأ “أخوة الشعوب” لا يعني مجرد تعايش سطحي، بل شراكة فعلية في إدارة المجتمع والسياسة والثروات.
أما “الأمة الديمقراطية” فهي البديل الذي طرحه أوجلان عن الدولة القومية المركزية، إذ يرى أن الأخيرة لا تقود إلا إلى الاستبداد والحروب القومية والطائفية، بينما تُتيح الأمة الديمقراطية حلاً عملياً للنزاعات الممتدة في الشرق الأوسط، من خلال خلق فضاء ديمقراطي يضمن الحقوق والاعتراف لكل المكونات، دون الحاجة إلى الانفصال أو الإلغاء.
رؤية أوجلانية وسط احتدام إقليمي
وفي ظل الاحتدام الإقليمي، فإن فلسفة أوجلان تقدم رؤية للخروج من دوائر العنف عبر بناء علاقات بين الشعوب لا بين الأنظمة، وتحقيق الاستقرار ليس من خلال توازنات القوة، بل من خلال توازنات العدالة والمشاركة، ومن خلال العمل السلمي وليس الحروب.
إن أخوة الشعوب والأمة الديمقراطية هنا ليستا شعارات نظرية، بل تجربة تُطبق اليوم في شمال وشرق سوريا، حيث التعددية الإثنية والدينية تُدار بنظام تشاركي أثبت صلابته في مواجهة الحروب، ما يجعل من هذه التجربة نموذجاً قابلاً للتوسيع، في زمن يشتد فيه خطر الانفجار الإقليمي.
في هذا السياق، يقول الدكتور محمود عباس المحلل السياسية بواشنطن، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن عبدالله أوجلان قدم بعداً طرحاً منطقياً ذات طابع إنساني يؤدي عملياً إلى إنهاء الصراعات القومية والمذهبية، ويقدم حلاً واقعياً لإزالة الخلافات ليس بين القومية الكردية والأنظمة الموجودة، ولكن بين كل المذاهب والقوميات في الشرق الأوسط.
ويرى عباس أن أوجلان قدم رؤية ربما تكون سابقة لعصرها كإنسان؛ بما يملك من تراكم ووعي معرفي من خلال وجودة في السجن ونظرته الشموالية، ومن ثم ربما يقدم بعداً إنسانياً تجاوز كثيراً من الأنظمة الموجودة في الشرق الأوسط بمرحلة ما فيما يتعلق بالبعد الإنساني، ولكن الإشكالية أن الشعوب الموجودة في الشرق الأوسط بحاجة إلى مزيد من الوعي المتطور والثقافة، حتى تستقبل أفكار أوجلان وتطبقها، وهي مرحلة نأمل أن تصل إليها شعوب المنطقة.
أخوة الشعوب

بدوره، يقول الدكتور ميرزاد حاجم، المحاضر في العلاقات الدولية والباحث في مركز البحوث العلمية التطبيقية والاستشارية في روسيا، إن أوجلان قدّم فكراً فلسفياً قائماً على أخوّة الشعوب، وهو فكر يمكن من خلاله حل كثير من الصراعات، مشيراً إلى تجربة الدول الأوروبية بعد الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية، حيث وجدنا لديهم فكرة أخوّة الشعوب القائمة على المواطنة والعيش المشترك. وينطبق الأمر ذاته على دولة مثل روسيا بعد الحرب الشيشانية.
وأضاف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه لذلك أوجلان يطرح فكرة أخوة الشعوب ليس من العدم، وإنما بناء على مرتكزات وتجارب، فإذا استمرت الحرب حتى لو 100 سنة قادمة لن نصل من خلالها إلى أية حلول، بل مزيد من الدماء والضحايا، ومزيد من الانتهاك للحقوق الفكرية والسياسية والجغرافية.
وشدد على أن أوجلان يريد إيقاف الحروب أولا، وإرساء السلام والأمن في المنطقة، وتقبل المكونات لبعضها البعض، معتبراً أن الشرق الأوسط يحتاج إلى فكر أوجلان، مضيفاً: “برأيي فكره عظيم وكبير، ويحل معضلة الحرب، وينهي التفرقة بين مكونات تلك الشعوب الساكنة في الشرق الأوسط”.
وفي وقت تتسابق فيه القوى الإقليمية والدولية على فرض نفوذها بالقوة والهيمنة، تبدو فلسفة عبدالله أوجلان بمثابة دعوة عقلانية لإعادة صياغة العلاقة بين الشعوب بعيداً عن لغة السلاح والمعادلات الصفرية.
إن المستقبل لن يُبنى على ركام الدول والحروب الطائفية، بل على أسس التعدد والاعتراف المتبادل والعدالة الاجتماعية. إنها دعوة لا لوقف الصراع فحسب، بل لتفكيك أسبابه من الجذور، وفتح أفق جديد يمكن شعوب الشرق الأوسط من كتابة مصيرها المشترك بأدوات السلام والديمقراطية.