المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

القائد آبو: هناك طريقان من أجل مستقبل اسرائيل

18

أمام إسرائيل طريقان، الأول هو خوض الحرب دائماً حسب النهج الحالي لمواصلة الهيمنة والتحوّل إلى إمبراطورية إقليمية، والثاني هو التحرر من دائرة الأعداء والانضمام إلى مشروع الأمة الديمقراطية المتحدة.

أمام إسرائيل طريقان، الأول هو خوض الحرب دائماً حسب النهج الحالي لمواصلة الهيمنة والتحوّل إلى إمبراطورية إقليمية، والثاني هو التحرر من دائرة الأعداء والانضمام إلى مشروع الأمة الديمقراطية المتحدة.

تُشكِّلُ ذهنية الأمة الديمقراطية الإطار الأكثر احتضاناً للشعوب والثقافات المتميزة بالغنى الوفير جداً، والممتدة من آسيا الوسطى وحتى بلاد الهند. علماً أنّ الثقافات والشعوب الآهلة في هذه المناطق، لطالما عاشت على مرّ التاريخ سويةً في كنف إمبراطورياتٍ وأسقف سياسية مشتركة من النوع الكونفدرالي، متمكنةً بذلك من الحفاظ على وجودها وخصوصياتها، وإِنْ لَم يَكُ بالدرجةِ المُثلى المطلوبة. ولا مهرب لهذه المجتمعات من مزيدٍ من الانحلال والوقوع أكثر في معمعان التصارع والتصادم، ما دامت الذهنية الدولتية القومية قائمة، سواء بطرازها الدنيوي أم القوموي العلماني فهي تعرضُ الإسلام – الذي تُرَوِّجُ كثيراً لامتثاله له والتزامها به – على أنه أيديولوجية إرهاب ووعيد، مضيفة المساوئ إلى أبعد الحدود على هذه الشريعة أيضاً. لذا، يتحتم تطوير الاتحادات الإقليمية أولاً، والاتحادات الوطنية الديمقراطية على مستوى الشرق الأوسط ثانياً، بحيث تَكُونُ متداخلة مع بعضها البعض، وتطبيقها في إيران وفي تلك المساحات الفسيحة على حد سواء. والبديل الأنسب للانهيار الكثيف الذي تشهده منذ الآن الدول القومية من الطراز الباكستاني بوجه خاص، إنما هو مشروع الوحدة الوطنية الديمقراطية الذي سيُطَوَّرُ على صعيد الشرق الأوسط.

تلعب نظرية الأمة الديمقراطية ومصطلحاتها دوراً حلالاً لدرجةٍ مصيرية بالنسبة إلى حقيقة إسرائيل أيضاً، باعتبارها النواة المهيمنة للدولة القومية. ثمة أمام مستقبل إسرائيل طريقان. الطريق الأول هو تحولها إلى إمبراطورية إقليمية تأسيساً على إشعالها الدائم لفتيل الحرب بغية تأمين المواظبة على هيمنتها وفق المسار الحالي. فمن المعلوم أنّ لإسرائيل مشروع في بسط سيادتها من النيل إلى الفرات، بل وحتى إلى أبعد من ذلك. إنه مشروعٌ خُطّط له من أجلِ ما بعد عهدِ الإمبراطورية العثمانية. وبالرغم من قطع أشواط لا يُستَخَفُ بشأنها في تطبيقه، إلا إنه بالمقدور الإشارة إلى أنه لا يفتاً ناقصاً وبعيداً عن بلوغ مآربه. وكونُ إيران أيضاً التي باتت تقف في وجهها مؤخراً تضمرُ حساباتٍ مهيمنة مماثلة، إنما يُفضي إلى الحزازيات والتوتر فيما بينهما. إلى جانب عيشها توتراً مشابهاً مع تركيا أيضاً، رغم عدم الجزم بمدى جديته. بناءً عليه، موضوع الحديث هنا هو سياقُ صراع على الهيمنة الإقليمية، والذي يبدو فيما يبدو أنه سيمر مشحوناً جداً بالاشتباكات الطاحنة وتلك الحسابات المهيمنة المتبادلة بذاتِ عينها، هي التي تُوَلِّدُ القضايا النابعة من الدولة القومية، والتي لا مفر من تفاقمها واستشرائها طردياً. الطريق الثاني أمام إسرائيل والشعب اليهودي، هو الخروجُ من الطوقِ المُحاصَرِ دوماً بالأعداء المتربصين، والانضمام إلى مشروع اتحادِ الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط”، واستلام زمام المبادرة الإيجابية لتحقيق الانطلاقة بالتأسيس على ذلك. هذا وبمقدور رأس المال الفكري والمادي الذي تستند إليه إسرائيل، أنْ يؤدي دوراً بالغ الأهمية من أجل مشروع “اتحاد الأمم الديمقراطية”. إذ بوسعها تعزيز شأنها أكثر فأكثر كأمة ديمقراطية، وتعميم ذلك على نطاق أرقى لاتحاد الأمم الديمقراطية على صعيد الشرق الأوسط، بالغة بذلك إلى تحقيق الأمن واستتباب السلام الدائم الذي هي في مسيس الحاجة إليه.

حل الأمة الديمقراطية والإدارات الكونفدرالية

في العراق بإقامة ثلاث دول قومية أو أكثر محلَّ دولةٍ قومية واحدة، وفي فلسطين يُعمل على حل المشاكل ببناء دول وصل تعدادها منذ الآن إلى ثلاث، وفي أفغانستان ببناء دويلاتٍ تساوي عدد القبائل الموجودة. لكن إضافة الجديدِ إلى نُخَبِ السلطة والدولة التي تُشكّلُ بالأساس عبئاً ثقيلاً بما فيه الكفاية، لا يسفر عن نتيجة سوى المزيد من القمع والاستغلال. وهذا ما يعني بدوره مزيداً من القضايا الاجتماعية والاشتباكات. أما إذا نجحت الثورة الكردستانية في مأسسة حلّ الأمة الديمقراطية لديها تأسيساً على الإدارات الكونفدرالية والاقتدار الديمقراطي، فقد يؤدي هذا النموذج إلى تحولات جذرية في حل العقدِ السلطوية الكأداء وأمراض الدولتية العضال التي تُعاني منها منطقة الشرق الأوسط طيلة آلاف السنين. والاقتدارُ الديمقراطي هو ما تَشعر شعوب وثقافات الشرق الأوسط بأنها في أمس الحاجة إليه. وفيما خلا ذلك، فكلُّ حملة حلٌّ ترتكز إلى تجربة القوة وسيادة الدولة، لن تؤول إلا إلى حياة اجتماعية من العسير الاستمرار بها تحت وطأة القضايا المستفحلة، مثلما يُرصَدُ ذلك في جميع الأمثلة المُجرَّبة حتى الآن.

لا يوجد في الشرق الأوسط سوى المرض باسم الحياة. إذ تُرِكت المشاكل عالقة في الهواء بواسطة نموذج الدولة القومية المتقوقعة على نفسها. وإلى جانب عجز الهيمنة الغربية عن إبداء مقدرتها على مأسسة نفسها في منطقة الشرق الأوسط، إلا إنها نجحت بأقل تقدير في ربط المنطقة بنظامها هي عن طريق الدول القومية الصغرى. لكنّ الطور الحالي يشيرُ إلى إفلاس هذا الأسلوب. فالمؤسسات التي سوف تبني الثورة الكردستانية صرحها وتُنتجها ضمن آفاقِ الأمةِ الديمقراطية، مؤهلةً لقلب تلك التقاليد رأساً على عقب، ولتطوير اتحاد الأمم الديمقراطية” على خلفية الثقافات المشتركة التي جرى تشاطرها على مدى مسار التاريخ. ينبغي عدم النظر بعين الاستصغار إلى العناصر الديمقراطية الكائنة في ثقافات الشرق الأوسط. فإذ ما لُحِمَت التقاليدُ العشائرية والقبائلية وتقاليد الجماعات الدينية والمذهبية التي لا تفتأ وطيدة منيعة، مع مبادئ وثوابت ومؤسسات التحول الوطني الديمقراطي؛ فقد تُصَيَّرُ دفعاً وزخماً لعملية الدمقرطة. هذا ويجب عدم النسيان أنه كلما ساد نفوذ السلطة الاستبدادية، كلما أضحت الحاجة إلى الديمقراطية مُلِحةً أكثر، وازدادت فرصة تلبيتها وكلُّ مكانٍ تَكُونُ قوة السلطة راسخةً فيه، تُعَدُّ الطاقة الكامنة للديمقراطية أيضاً كبيرةً ووطيدة فيه. وقد تجلت زيادة عن اللزوم استحالة إدارة دفة الحكم في الشرق الأوسط بمفاهيم الأمة والسلطة القائمة حالياً، بينما تقتضي منذ الآن وبسرعة عاجلة لا تؤجل تأسيس سقف اتحادِ الأمم الديمقراطية” الجامع في ظلّ سياق حل القضايا الوطنية والإقليمية. فبينما واضح وضوح الشمس استحالة قدرة أية دولة بمفردها على تذليل القضايا المستشرية باضطراد، فإنّ التهرب من الوحدة والاتحاد يعادلُ تماماً اليأس والجبن والعقم. من غيرِ الممكن نعتُ التدول القومي لكردستان على أنه تطور ثوري بالنسبة إلى الكرد. إنه فقط وفقط-يعني إضافة قضية أخرى أثقل وطأة إلى كومة القضايا الإقليمية المتفاقمة. أما الدولة القومية الكردية المُجَرَّبةُ في العراق، فليس بمقدورها أداء دور إيجابي على صعيد كردستان والشرق الأوسط، إلا في حال إحاطتها بسياق التحول الوطني الديمقراطي، وبتصييرها احتياطياً وفقاً لذاك السياق. وإلا، فمن المتوقع أن تسفر عن قضايا أثقل وطأة من إشكالية إسرائيل – فلسطين الشائكة.

إن الحل الذي يفرضه نموذج الأمة الديمقراطية لا يقتضي إنكار الدول القومية، بل يُحَتُمُ على هذه الأخيرة الالتزام بالحل الدستوري الديمقراطي. فقرينة الدولة -الديمقراطية المتداخلة في أوروبا الغربية، ليست نموذج الحلِّ الوحيد وعلى العكس، إنها نموذج إشكالي للغاية، ويعملُ على التسويف والتأجيل في حل القضايا بينما النموذج الذي يتعين اختباره في الشرق الأوسط، الحلُّ الدستوري الديمقراطي الذي يتَّخذُ من أمة الدولة ومن وجود الأمة الديمقراطية واستقلالها الذاتي أساساً له. وفي حالِ العكس، فإنّ نماذج الوحدة التي ستظهرُ إلى الوسط، لن تتعدى من حيث أدوارها نطاق الكيانات من قبيل “المؤتمر الإسلامي” و “الجامعة العربية” (ويجب إضافة “المجلس التركي ١٦ أيضاً إلى ذلك. ما من ريب في مدى عظمة التطور الذي سيَكُونُ ثمرةً من ثمار اتحاد الأمم الديمقراطية” الذي سوف تشكله الأمم المنضوية تحت لواء النظام الدستوري الديمقراطي فيما بينها داخلياً (المقصود بمصطلح الأمة هنا هو الأمة العليا أو أمة الأمم المنبثقة من وفاق أمة الدولة مع الأمة الديمقراطية). فهو لن يدلُّ فقط على استتباب السلام الراسخ والدائم، بل وسيُشيرُ أيضاً إلى أنّ الحشود المتحررة كلياً من البطالة، سوف تشهد نهضة ثقافية وإنتاجاً اقتصادياً ملحوظين من خلال تلاحم الاقتصادِ الكومونالي مع الصناعة الأيكولوجية. هذا ولا يَحقُّ لأيّ كائن كان أنْ ينظر بعين القدر المحتوم إلى ما يَعُمُ المنطقة من بطالة واقتصادٍ عقيم وحياة ثقافية محطّمةٍ للآمال، في عصر المعلوماتية والتكنولوجيا. ومن يتحلى بهكذا منظور، إنما هو مُصابٌ بالعمى الأيديولوجي، أو أنه غارق في نير الهيمنة الأيديولوجية للنظام القائم. هذا ولا يُمكن للشرق الأوسط إعادة أداء دورها الكوني الذي دام لأمَدِّ جدّد طويل في سياق التاريخ، إلا تحت راية “اتحادِ الأمم الديمقراطية”. ومثلما قلتُ في كلّ مرة، بوسع الكرد الانطلاق في هذه المرة من الحضارة الديمقراطية، للقيام بدور مماثل لذاك الذي أدَّوه في فجر الحضارة. وتُقدِّمُ آفاق الثورة الكردستانية وحلُّ الأمة الديمقراطية الكردية ما يفيضُ من شتى أنواع القوة الفكرية والجسدية اللازمة في سبيل ذلك. إنّ الثورة الكردستانية هي ثورة شرق أوسطية أكثر من أي وقت مضى. والتحول الوطني الديمقراطي الكردي يعني اتحاد الأمم الديمقراطية الشرق أوسطية”. إذن، والحال هذه، فطريق الثورة الكردستانية إلى الآفاق الكونية يمر من “اتحاد الأمم الديمقراطية الشرق أوسطية”. فالعديد من الاتحادات الإقليمية التي أسستها الحداثة الرأسمالية ارتكازاً إلى مقومات الدولة القومية اتحادات الدول القومية في كلِّ من أوروبا وآسيا وأمريكا وأفريقيا)، وكذلك هيئة الأمم المتحدة؛ ما برحت عاجزة عن إيجاد الحل لأية قضية عالمية أو إقليمية، منذ يوم تأسيسها وحتى الآن. ذلك إنّ أفاق الدولة القومية التي تعاني بنيوياً من الانسداد وإنتاج المشاكل وتسويفها، إنما يسري بما فيه الكفاية على مثل تلك الاتحادات الإقليمية ووحدات هيئة الأمم المتحدة أيضاً. لذا، وبدلاً من تلك الأمثلة الفاشلة، يُعَدُّ تشكيل الاتحادات الجديدة اعتماداً على الوحدات العابرة لمقومات الدولة القومية حاجة مسيسةً لا تحتمل التأجيل. ومثلما هناك حاجة ماسة إلى الاتحادات الوطنية الديمقراطية الإقليمية”، فإنه ثمة حاجةٌ مُلِحَةٌ أيضاً إلى “اتحاد الأمم الديمقراطية العالمية” المؤلَّفِ من المكوّنات الوطنية الديمقراطية التي تتخطى إطار الدول القومية، وذلك عوضاً عن نموذج “هيئة الأمم المتحدة” الحالي. وسواء فكرنا بالأمر على المستوى الإقليمي أم العالمي، فإنه يتعين على اتحادِ الأمم الديمقراطية” ألا يقتصر على مكونات الدولة فحسب، بل أنْ يَكُونَ اتحاداً تشارك فيه منظمات المجتمع المدني الديمقراطية أيضاً. فالسلام العالمي لا يُوَطَّدُ عبر الدول القوميةِ المُسَبِّبة للحروب. كما ومحال في الوقت عينه تحقيق التنمية والرفاه بواسطة مؤسسات الحداثة التي تتسبب بالأزمات. والأمثلة الموجودة تؤكدُ مصداقية هذه الحقيقة زيادة عن اللزوم. وكيفما أنّ السبيل إلى السلام العالمي يمرُّ من الأمم الديمقراطية، فإنّ شعوب العالم لن تنال حقَّها في العمل وفي تلبية متطلباتها الأولية عن طريق احتكارات رأس المالِ المالي اللاهثة وراء الربح الطائش، بل إنّ السبيل إلى ذلك يمرُّ من اتحادات الاقتصادِ الكومونالي الأيكولوجي والصناعة الأيكولوجية، والتي يعمل فيها الجميع، ويعتبرون العمل حرية.