الشباب في فلسفة أوجلان .. الطليعة الثورية وصنّاع المستقبل
تتسم فلسفة المفكر عبد الله أوجلان بالشمولية لكل فئات المجتمع، ومنهم الشباب، الذين أولى لهم مكانة خاصة في فكره، وأودع فيهم ثقته، وآمن بدورهم، واحترام خصوصيتهم.

يحتلّ الشباب موقعاً محورياً في فكر وفلسفة المفكر الأممي عبد الله أوجلان، الذي لطالما شدد على أنّ التغيير الحقيقي في المجتمعات يبدأ من وعي الشباب وإرادتهم؛ فلم تكن رؤية أوجلان للشباب مجرّد رؤية تنظيرية، بل مثلت جوهر مشروعه التحرري الذي يقوم على إعادة بناء الإنسان الحر، الواعي، القادر على كسر قيود الاستعباد الفكري والاجتماعي والسياسي.
ويرى أوجلان أن الشباب هم “الطليعة الثورية” في أي مشروع تحرري، بل إنهم نواة الأمة الديمقراطية التي ينادي بها. وهم، وفق تصوره، ليسوا فقط عناصر في الحركة، بل روحها الدافعة؛ لذا منحهم في فكره مكانة خاصة، إذ خاطبهم دوماً باعتبارهم من يمتلكون الطاقة الكامنة لتغيير الواقع، وتجاوز البنى التقليدية التي رسّخها النظام الأبوي والدولة القومية السلطوية.
الحداثة الديمقراطية وتمكين الشباب
وفي سياق حديثه المتكرر عن “الحداثة الديمقراطية”، شدّد أوجلان على ضرورة تمكين الشباب من أدوات المعرفة والتحليل والنقد، ليتحوّلوا من مجرد متلقين إلى فاعلين في صياغة مصيرهم ومصير مجتمعهم. وقد برز هذا التوجه بوضوح في تنظيمات المجتمع المدني المرتبطة بالحركة التحررية الكردية، حيث يشارك الشباب بفعالية في المجالس والكومينات، ويقودون المبادرات المجتمعية والثقافية والسياسية.
كما دعا أوجلان إلى تحرير وعي الشباب من الهيمنة الثقافية التي تفرضها الأنظمة الاستبدادية، معتبراً أن النضال يبدأ أولاً من تفكيك الصورة النمطية المفروضة عليهم، ومنحهم المساحة للإبداع، والتمرد على المفاهيم الجاهزة. ولهذا، لطالما شدّد على أن دور الشباب لا يقتصر على ميادين القتال أو الاحتجاج، بل يشمل أيضاً ميادين الفكر والفن والتعليم والإعلام.
الشباب ومعركة الوعي في الفكر الأوجلاني
يقول الدكتور علي ثابت صبري المتخصص في علم التاريخ إن الشباب يلعبون دوراً محورياً في المشروع الفكري الأوجلاني؛ نظراً لكونهم الركيزة الأساسية في المجتمع الديمقراطي، إذ أن الحروب الممنهجة التي استهدفتهم ذكوراً وإناثاً، أثرت بشكل مباشر على تمويه دورهم من خلال التعليم، الأمر الوحيد الذي من شأنه أدلجة الشباب من منظور قوموي، وهو ما مارسته بامتياز الحداثة الرأسمالية عبر تغريب الشباب، ولذلك فإن الشباب والشابات والأطفال أثمن الغنائم وقت الحروب، حيث فرض عليهم حجاباً شديد الضبابية.
ويضيف ثابت، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن المشروع الفكري الأوجلاني ارتكز على حقيقة الوعي، التي جسدتها الثورة الذهنية، ودورها المهم والفاعل في إعادة بناء الفرد مرة أخرى وتعزيز التشاركية بكل روافدها، من أجل بناء جيل تمتد ثقافته لجدوده الأوائل حفاظاً على حضارات مجتمعات وشعوب الشرق الأوسط، ومواجهة كافة المخططات التي استهدفت ولا تزال تستهدف أجيالاً وأجيالاً لخدمة الحداثة الرأسمالية والدوران في فلكها.
ويشدد علي ثابت صبري على أن المشروع الأوجلاني يركز على الشباب بشكل محوري وتأهيله للقيام بدوره الحقيقي، في بناء مجتمعات تشاركية فاعلة، تحترم البيئة وتقدس المرأة، وتدشّن دمقرطة المجتمع، وتمهّد السبل لبناء حضارة ديمقراطية بمعنى الكلمة، معتبراً كذلك أن المشروع الأوجلاني يشكل طوق نجاة لتغريب هويّة الشباب نتيجة تطوّر أدوات الحداثة الرأسمالية مثل التطوّر التكنولوجي.
تجربة الشباب في الإدارة الذاتية
وقد كان للشباب دوراً بارزاً في تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية بإقليم شمال وشرق سوريا، كتطبيق عملي لأفكار وفلسفة أوجلان، حيث يقول شرفان مسلم رئيس جامعة كوباني، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن فلسفة أوجلان جزء منها أنها تقوم على منح الإنسان اليافع الثّقة، فقد آمن بضرورة منح الشباب الثّقة كونه يراهم “دينامو المجتمع”، وهذا من خلال آليات تعبّر عن خصوصية هذه الفئة، بأن يكون لهم مؤسسات ثقافية وتوعوية، يستطيعون من خلالها التعبير عن أنفسهم.

وينوّه إلى أن تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، القائمة على مفهوم الأمة الديمقراطية خير مثال على فلسفة أوجلان تجاه الشباب؛ حيث يتمتعون بالخصوصية، واكتسبوا الثقة، ولديهم الأكاديميات الخاصة بهم، وقاموا بكثير من الحملات التوعوية ضمن كافة فئات المجتمع، ضد الأفعال التي تؤدي بالشباب إلى الهوى والانحطاط على نحو سينعكس سلباً على المجتمع.
وتابع أن فئة الشباب تحوّلت في شمال وشرق سوريا بالدرجة الأولى إلى فئة مدافعة عن أفكارها ومبادئها وتجربتها، إيماناً وقناعة منها أن دخول العدو إلى هذه الجغرافية يعني انتهاء المجتمع والتاريخ، إضافة إلى ذلك فإن الشباب اقتنعوا بكل أفكار التعايش والإنسانية التي طرحتها فلسفة أوجلان، والآن هم يلعبون دوراً مهماً ورياديّاً في هذه المنطقة ونشر أفكارها، منوّهاً إلى أن هذا لدى كل الشباب من مختلف المكونات في إقليم شمال وشرق سوريا، ولهذا كانوا العمود الفقري الذي قامت عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
في صميم مشروع تحرري
الواقع يقول إنه بعد مرور عقود على انطلاقة الفكر الأوجلاني، يظل الشباب في صميم هذا المشروع التحرّري، يحملون راية التجديد، ويقودون مسيرة البناء المجتمعي نحو أفق ديمقراطي تعدّدي، يُحتفى فيه بالتنوع وتُصان فيه الكرامة الإنسانية.
وفي ظل استمرار عزلة أوجلان في جزيرة إمرالي، يواصل الشباب الكردي حمل رسالته الفكرية والنضالية، مؤمنين بأن الحرية تبدأ من تحرير الذّات، وبأن بناء مجتمع ديمقراطي عادل هو مسؤوليتهم الكبرى في هذه المرحلة المفصلية من التاريخ.