هل يتنافى مشروع القائد عبد الله أوجلان مع مشروع “العمق العربي”؟

تتقاطع في مشهد الشرق الأوسط اليوم رؤى ومشاريع فكرية تحاول تجاوز أزمات الهويات والانقسامات القومية والدينية التي غذّتها الحداثة الرأسمالية والاستعمار. من هذه المشاريع البارزة، يبرز من جهة مشروع “الأمة الديمقراطية” الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان، ومن جهة أخرى مشروع “العمق العربي” الذي يسعى لإعادة بناء الهوية العربية من خلال استعادة الجذور الحضارية والثقافية والإنسانية للمنطقة. فهل بين المشروعين تناقض جوهري، أم إمكانية للتكامل؟
أولاً: الأرضية المشتركة
رفض القومية الشوفينية: كلا المشروعين يتفقان على أن القومية بصيغتها الشوفينية قد ساهمت في تمزيق شعوب المنطقة، وخلقت دولاً قومية إقصائية فشلت في بناء مجتمعات متماسكة. القائد عبد الله أوجلان ينتقد الدولة القومية بوصفها أداة استعمار داخلي، بينما مشروع العمق العربي يطمح لهوية عربية جامعة لا إقصائية ولا متعالية.
الهوية التعددية والتحررية: يطرح القائد عبد الله أوجلان نموذج “الأمة الديمقراطية” كهوية تتأسس على التعدد الثقافي والديني، لا على الانصهار في قومية واحدة. من جهته، يعيد مشروع العمق العربي الاعتبار للتنوع داخل الهوية العربية، ويشمل في رؤيته المسيحيين، الكرد، الأمازيغ، والأفارقة كمكونات حضارية أساسية.
النقد الجذري للحداثة الغربية: يرى القائد عبد الله أوجلان أن الحداثة الرأسمالية قامت على سحق القيم الروحية والجماعية، ويقترح “الحداثة الديمقراطية” كبديل. يلتقي معه مشروع العمق العربي في نقد الحداثة المتغربة، ويدعو إلى حداثة ذات جذور روحية وإنسانية تنبع من واقع المجتمعات الشرقية.
استعادة الروح الحضارية الشرقية: يعتمد القائد عبد الله أوجلان في مشروعه على عمق ميزوبوتاميا الروحي، ويرى في المرأة مركز الحضارة. كذلك يفعل مشروع العمق العربي، الذي يحاول استعادة الموروث الصوفي، والقرآني، والفلسفي العربي كركائز لهوية نهضوية.
ثانياً: نقاط الاختلاف والتباين
تموضع الهوية: مشروع القائد عبد الله أوجلان لا يعطي الأفضلية لهوية واحدة، بل ينطلق من مبدأ “الهوية المركبة”، حيث يمكن للكردي والعربي والسرياني والتركماني أن يتشاركوا في بناء مجتمع ديمقراطي. أما مشروع العمق العربي، فرغم انفتاحه، ما زال يتمحور حول الهوية العربية بوصفها إطاراً جامعاً.
النموذج السياسي والتنظيمي: مشروع القائد عبد الله أوجلان يطرح نموذجاً عملياً قائماً على المجالس والكومينات والمجتمع المنظم ذاتياً، وهو مطبق نسبياً في شمال وشرق سوريا. بينما مشروع العمق العربي لا يزال فكرياً وثقافياً، ولم يتجسد في نماذج عملية حتى الآن.
الموقف من الدولة: يرى القائد عبد الله أوجلان أن الدولة القومية أداة قمع، ويطرح بديلاً مجتمعياً لا مركزياً. في المقابل، لا يرفض مشروع العمق العربي الدولة كلياً، بل يدعو إلى إصلاحها من داخلها، أو إعادة تأسيسها على أسس حضارية.
ثالثاً: نحو مشروع تكاملي شرق أوسطي
إذا تجاوزنا الحساسيات القومية، يمكن القول إن المشروعين ليسا متنافيين، بل متكاملين. فمشروع القائد عبد الله أوجلان يمكن أن يُقدّم كإطار عملي ديمقراطي لتنظيم المجتمعات المتعددة في الشرق الأوسط، بينما يوفر مشروع العمق العربي بعداً ثقافياً حضارياً عميقاً يمكن أن يرفد هذا التنظيم بمحتوى روحي وفلسفي غني.
والتقاء هذين المشروعين قد يفتح أفقاً لتأسيس نموذج تحرري شرق أوسطي، يتجاوز حدود سايكس بيكو، وينهض على قاعدة التعاون بين الشعوب لا صراعها.
في زمن الانهيارات السياسية والانقسامات الطائفية، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة بناء المشروع التحرري في المنطقة. وحين نضع فكر القائد عبد الله أوجلان إلى جانب مشروع العمق العربي، نكتشف أن التقاءهما ليس فقط ممكناً، بل ضرورياً، من أجل تأسيس شرق أوسط جديد، ديمقراطي، تعددي ومتجذر في حضارته.