المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

المهندس الاسروان ابراهيم زراري:ممثل الحوزة الدينية الزرادشتية في العراق وسوريا وعضو مجلس الأعلى للحوزة الدينية الروحانية الزرادشتية.التمهيد:في عمق الديانة الزرادشتية، تبرز صورة المرأة ليس ككائن تابع أو أدنى، بل كشريكة حقيقية في مسار الحياة الأخلاقية والروحية. منذ الغاثات الأولى التي نطق بها زرادشت، نجد المرأة مذكورة ضمن مسار الخير والحكمة، حاملةً للفضيلة مثلها مثل الرجل. هذه الوحدة تسعى لاستكشاف هذا الحضور النسوي من خلال النصوص الفهلوية المقدسة، ومقارنتها بالفكر التحرري المعاصر، وتحديدًا فكر عبد الله أوجلان، مع عرض تجارب حيّة من واقع المرأة الكردية المعاصرة.

126

أولاً: المرأة في النصوص الفهلوية (اللغة الفارسية الوسطى)
تُعد النصوص الفهلوية مثل “دينكرد” و”دادستان إي دينك” مصادر أساسية لفهم البنية القانونية والدينية للمجتمع الزرادشتي بعد الفترة الأخمينية. ورغم أن هذه النصوص كُتبت في مراحل لاحقة للغاثات، إلا أنها تحتفظ بصلات واضحة مع الفلسفة الزرادشتية الأصلية.

  1. دينكرد (Denkard):
    هذا الكتاب الموسوعي، الذي يُعد من أعمدة الأدب الديني الفهلوي، يتضمن إشارات متعددة إلى دور المرأة. ففي حين لا تُعتبر المرأة موضوعًا رئيسيًا فيه، إلا أن الكتاب يوضح أهمية التزام النساء بالواجبات الدينية والمشاركة في الطقوس، بما في ذلك الصلاة والطهارة. يُصوّر المرأة بوصفها كائنًا أخلاقيًا يجب أن يُعامل وفق نفس القيم التي تُطبق على الرجل.
  2. دادستان إي دينك (Dādestān ī Dīnīk):
    يتناول هذا النص الجوانب القانونية والروحية للحياة الزرادشتية، ويولي أهمية كبيرة لموضوع الزواج بوصفه فريضة دينية. يُبيّن النص أن المرأة لها حقوق ضمن هذه العلاقة، منها الحق في المهر وبعض حالات الطلاق، رغم أن مرتبتها القانونية كانت أدنى من الرجل في بعض المواضع. يُنظر إلى الزواج كوسيلة لتحقيق التوازن بين القوى الأخلاقية في الكون، وبالتالي تُمنح المرأة فيه دورًا محوريًا.

ثانيًا: المرأة في الغاثات والآڤستا:
الغاثات، باعتبارها النصوص الأقدم والأقرب إلى صوت زرادشت نفسه، تُقدّم نموذجًا أكثر روحانية ومساواة في تناولها لدور المرأة. ففي هذه الأناشيد، تُذكر شخصيات نسائية بارزة مثل دُغدُو (أم زرادشت) وبورُجِشتا (ابنته)، كمثالين على الحكمة والإيمان.

المرأة في الغاثات ليست مجرد تابعة للرجل، بل شريكة في السعي نحو “الأشا” (الحق والنظام الكوني). لم تُفرَض عليها وصاية دينية، بل دُعيت بشكل مباشر إلى اختيار الخير باستخدام عقلها وضميرها، تمامًا كالرجل.

ثالثًا: التوازي مع فكر عبد الله أوجلان:
في قراءة تحليلية للمقال المنشور على موقع “الحرية للقائد أوجلان – سوريا”، نجد أن الفلسفة الزرادشتية وفكر أوجلان يلتقيان في نقطة مركزية: تحرير المرأة هو مفتاح تحرير المجتمع. يذهب أوجلان إلى أن المرأة كانت أول من تعرّض للعبودية، وبالتالي فإن تحررها هو بداية نهاية النظام السلطوي.

تشابه هذه الرؤية ما ورد في الغاثات من اعتبار المرأة عنصرًا فاعلًا في المجتمع، لا مجرد تابع للرجل. فكلا الفكريْن يرفضان النظام الأبوي، ويدعوان إلى إعادة الاعتبار للدور الروحي والعقلي للمرأة.

رابعًا: المرأة الكردية كنموذج حي:
المرأة الكردية المعاصرة، خصوصًا في مناطق روج آفا، قدّمت نموذجًا مُعاصرًا يُجسد المثل الزرادشتية العليا. من خلال مشاركتها في المؤسسات، القيادة، الدفاع عن المجتمع، والتربية، باتت مثالًا حيًا على القوة الأخلاقية والمعرفية للمرأة.

هذه التجربة تعيدنا إلى فلسفة زرادشت التي تدعو إلى توحيد الفكر والقول والعمل في سبيل الخير. فالمرأة الكردية تُجسّد هذا المبدأ، حاملةً إرثًا ثقافيًا وروحيًا عميقًا، سواء كان مستمدًا من الغاثات أو من تطلعاتها المعاصرة.

خامسًا: دعوة لإعادة القراءة:
إن النصوص الزرادشتية، خصوصًا الغاثات، تحتاج إلى إعادة قراءة معاصرة، تُحررها من التأويلات الذكورية التي غلّفتها عبر القرون. هذه النصوص، في جوهرها، لا تُقصي المرأة، بل تمنحها مكانة جوهرية في الفعل الأخلاقي والديني.

إن استعادة هذا الفهم الأصيل من شأنه أن يفتح آفاقًا جديدة لتجديد الفكر الديني والاجتماعي، بما يضمن المساواة والكرامة لكل إنسان، رجلًا كان أو امرأة.

المصادر:

  1. زرادشت، الغاثات – الترجمة الكاملة للنصوص الأصلية.
  2. كتاب “فهم الزرادشتية بدون تحريف”، إبراهيم زراري، دار ديوان العرب، مصر، 2024.
  3. كتاب “الزرادشتية”، إبراهيم زراري، مراجعة لينا الربيعي ومنى عبد الغني.
  4. المقال: “المرأة في الزرادشتية ـ فلسفة أوجلان وتطابقها مع الزرادشتية”،
  5. بحث “المرأة الزرادشتية في الغاثات”، إبراهيم زراري، مؤتمر إسطنبول، 2022.
  6. أعمال د. علي أ. جعفري حول دور النساء في الآڤستا.
  7. محاضرات مؤتمر قادة الأديان، كوريا الجنوبية، 2022.