المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

الغموض يكتنف الوضع الصحي للمعتقلين في إمرالي

180

لا تواصل مع العالم الخارجي، ولا لقاءات مع المحامين أو العائلة، هذا هو حال المعتقلين في سجن جزيرة إمرالي بتركيا منذ أكثر من سنتين، إذ تزداد التساؤلات ويتصاعد الغموض حول وضع المعتقلين ولاسيما وضعهم الصحي في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بالسجن من جميع الجهات.

 خبر  30 آذار 2023, الخميس – 02:33 2023-03-30T02:33:00 مركز الأخبار

منذ أكثر من عامين، لا تسمح دولة الاحتلال التركي للقائد عبد الله أوجلان، المعتقل في سجن جزيرة إمرالي التركية، بالتواصل مع العالم الخارجي، سواء اللقاء بالمحامين أو العائلة أو حتى إجراء المكالمات الهاتفية.

آخر تواصل للقائد أوجلان مع أسرته جرى في الـ25 من آذار/مارس 2021، وذلك عبر مكالمة هاتفية مع شقيقه محمد أوجلان، استمرت 5 دقائق فقط ثم قُطع الاتصال.

ومن ذلك الحين، حتى الآن، تفرض سلطات الاحتلال التركي عزلة مشددة على معتقلي إمرالي (القائد عبد الله أوجلان، خيري كونار، حاميلي يلدرم، ويسي آكتاش) من خلال رفض لقائهم بالمحامين وأسرهم.

مساعٍ للاطمئنان تقابل بالرفض!

تقدّمت أسرة القائد عبد الله أوجلان وأسر المعتقلين الثلاثة الآخرين في سجن إمرالي؛ عمر خيري كونار، حاميلي يلدرم وويسي آكتاش، الجمعة 10 آذار/مارس، بطلبٍ جديدٍ لمكتب المدعي العام الجمهوري في بورصة، ومديرية سجن إمرالي للقائهم.

محاميي القائد يقدمون طلبين كل أسبوع؛ للقاء بموكلهم، ولكن الطلبات تُرفض بشكل ممنهج، وأحياناً يتلقون الرد على طلباتهم بالرفض بعد مضي شهور، حيث تحظر السلطات اللقاءات بحجة فرض عقوبة انضباطية على القائد أوجلان.

واستطاع محاموه، ريزان ساريجا ونوروز أويسال اللقاء بموكلهم أوجلان بعد 8 أعوام، في 2 و22 أيار، و12 و18 حزيران، و7 آب من عام 2019، ومن بعدها رفضت السلطات التركية جميع الطلبات التي قدمها المحامون للقاء بموكلهم.

خلال عام 2021، قدّم محامو القائد عبد الله أوجلان 202 طلباً وعائلته 71 طلباً ووكيله (ممثلو الأشخاص الذين اُنتزعت منهم حقوقهم القانونيّة) أيضاً 71 طلباً للالتقاء به، منها طلبات قّدمت خلال الأعياد الرسميّة، لكن لم يُستجب لها جميعاً.

خلال عام 2022، قدّمت عائلة القائد عبد الله أوجلان 49 طلباً وقدّم وكيله 49 طلباً ومحاموه 98 طلباً للالتقاء به، لكن لم يُستجب لأيّ منها، ولم يسمحوا بالالتقاء به حتّى خلال الأعياد.

قدّم محامو القائد عبد الله أوجلان خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 14 طلباً، فيما قدّمت عائلته 11 طلباً بغية لقائه، لكن لم يستجب لها.

أجرى وفد من لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة (CPT) زيارةً إلى تركيا في الـ 11-25 من كانون الثاني 2021 وزار عدداً من السجون لكنه لم يزر إمرالي.

كما زارت لجنة مناهضة التعذيب الأوروبيّة تركيا بين الـ 20 و29 أيلول عام 2022، وأعلنت لاحقاً أنّها زارت إمرالي دون أن تقدّم أي معلومات إضافيّة. بعدها أعلن المحامون أنّ القائد لم يقابلهم وهذا ما زاد من قلقهم.

الممارسات التركية تنافي وتتعارض تماماً مع ما ينص عليه القانون الدولي الذي يشير بوضوح إلى ضرورة السماح للسجناء وحتى في ظل الرقابة الضرورية بالاتصال بأسرهم وبذوي السمعة الحسنة من أصدقائهم على فترات منتظمة بالمراسلة وبتلقي الزيارات على السواء، لكن تركيا وبدوافع سياسية تتجاهل ذلك تماماً.

وضعٌ صحيٌ صعب!

يتحدث القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس من مانيفستو الحضارة الديمقراطية- القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية عن ظروف السجن في جزيرة إمرالي، ويقول: “إمرالي ذائعة الصيت تاريخياً بكونها جزيرة تطبق فيها الأحكام الصادرة بحق مسؤولي الدولة رفيعي المستوى. مناخها رطب وقاس للغاية، وأقرب إلى تحطيم بنية الإنسان جسديا. وبإضافة العزلة داخل حجرة انفرادية مغلقة، يزداد تأثيرها المهلك على البنية. علاوة على أني نقلت إلى الجزيرة وأنا على عتبة الكبر في السن”.

من هذا الوصف المقتضب الذي يقدمه القائد أوجلان، يمكن فهم الظروف الصحية الصعبة التي يعانيها، والتي قام بشرحها فيما بعد خلال لقائه بمحاميه عام 2009.

 إذ قال: “لا أستطيع التنفّس بسبب نظام التهوية الذي أُسس هنا. إنّ نفسي يضيق لأنّ غرفتي بلا تهوية. والنزيف في حلقي مستمر. في الأساس أعاني من التهاب الجيوب الأنفية، وأعاني من ألم وحكّةٍ في حلقي. وهذا الألم يزداد يوماً بعد يوم. لا أستطيع التنفّس. وأعاني صعوبةً كبيرةً عند التنفّس. إنّ وضعي يزداد سوءاً بسبب الظروف السائدة هنا. إنّ مشاكلي الصحيّة مرتبطة بالوضع هنا. لا أعلم ما الذي سيحدث بعد وكيف سيحدث. إنّ نقص الهواء يؤثّر في جميع وظائفي البدنية. نعلم أنّ الخلايا الدماغية التي ينقطع عنها الهواء تموت. وأنا أشعر أنّ خلايا دماغي تموت بسبب انعدام الهواء. مما يسبّب لي وجعاً في الرأس. وهذا يقضي على التركيز. إنّ هذه حالةٌ مزعجةٌ جدّاً وتؤثّر في وظيفة دماغي إنّه نصف ميت ونصف فاقد للوعي. أنا أعيش هنا نصف ميّت ونصف فاقد للوعي. لا أعلم إلى متّى سأتحمّل هذا، وكم يمكن للمرء أنّ يعيش في مثل هذه الظروف”.

ويشرح القائد أوجلان تأثير العزلة على صحّته ونفسيّته قائلاً: “إنّي في مكانٍ ذي طابقٍ واحد، مساحته حوالي ستة أو ستة أمتار ونصف، وقد بنوا بجواره مرحاضاً لذا هما داخل بعضهما. لديّ سرير بجانب الحائط. إنّه ملتصق بالحائط. وبين سريري والحائط الآخر مسافة قصيرة جدّاً تبلغ بضع خطوات. وأنا أمشي ذهاباً وإياباً في هذه المساحة الضيّقة. إنّه مكانٌ ضيّق جدّاً. ونظام التهوية في الغرفة التي أبقى فيها سيّئ جدّاً. لا أستطيع التنفس. ونوافذ التهوية في الغرفة عالية جدّاً. إنّها قريبة من السقف. إنّها تطلّ على السماء ومحكمة بالأسلاك ولا أرى سوى السماء. بالطبع تدفّق الهواء من هذه النافذة باتّجاه الغرفة يأتي من الارتفاع. وهذا ما يخلق ضغطاً في قاع الغرفة ويجعلها بلا هواء. ولأنني أبقى بالقرب من الأرض فإنّني أعاني من التأثير السلبي لهذا الضغط وخاصةً عند النوم. إنّ الضغط يجعل تنفّسي صعباً جدّاً. إنّه يكاد يخنقني. وكأنّ شيئاً ثقيلاً يسقط عليّ. وهذا يجعل أنفاسي ضيّقة جدّاًـ إذ لا أستطيع التنفّس. كما يضيق نفسي ولا أستطيع التنفّس عندما أنام. وأستيقظ من النوم مراتٍ عديدة بسبب هذا. أخرج رأسي من بين الشراشف وأحني رأسي لأتنفّس بينها. هكذا فقط أستطيع التنفّس قليلاً. وبهذا الشكل أيضاً عليّ أن أنام نصف فاقد للوعي وهكذا إمّا أن أقوم بالانحناء بهذا الشكل والتنفّس وإمّا أن أنهض وأقترب من مكان التهوية وأحاول التنفّس. وهذا يُفسد نومي”.

ويضيف القائد عبد الله أوجلان: “في المكان القديم كنت أتنفّس أمام الزجاج، كنت أستطيع التنفّس” مشيراً إلى أنّ هذه الفرصة أيضاً غير متاحةٍ في زنزانةٍ تبلغ مساحتها 6-7 أمتار. ويتابع قائلاً: “إنّ فسحة التهوية، نافذة صغيرة وعالية. وهذا الوضع يؤثّر في جميع وظائفي الحيوية هنا. فعند نومي أشعر بضيقٍ وانزعاج. ولهذا فإمّا أن أنام أو أبقى مستيقظاً للتنفّس. أستيقظ عدّة مراتٍ وأضطر للمشي لأتمكّن من التنفّس. عندما كنت في مكاني السابق جاء طبيبٌ من لجنة مناهضة التعذيب وقد كان على علمٍ بذلك. وقال لي إنّ عدم ارتياحي وضيق التنفّس الذي أعاني منهما ناجمان عن التهوية. وقال لي إنّ علي الاستلقاء بقرب النافذة وتوجيه رأسي باتّجاهها أثناء النوم. وفعلاً كنت أنام هكذا هناك. وفي الأساس كان فراشي في المكان الذي كنت أبقى فيه بقرب النافذة. وقد فعلت ما قيل لي، على الأقل كان تنفّسي منتظماً بعض الشيء. كان ذاك الطبيب يعلم بهذه الحالة وتشخيصاته كانت صحيحة. وقد وصفوا بعض العلاجات لكنّ لم تنته”.

يوضّح القائد أوجلان أنّ صحّته تتدهور يوماً بعد يوم ويقول: “مثلما يقاوم السجناء بطريقةٍ يائسة أثناء الإعدام شنقاً ويكافحون قبل نفسهم الأخير وضعي أيضاً بهذا الشكل. وكما تعلمون، فإنّ ردّة الفعل الأولى أثناء الإعدام هي قشعريرة الجسد وهذا يشكّل 25 بالمئة من عملية الموت ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الموت الكامل. لكنّ ردّة الفعل الأولى أثناء الإعدام هي 25 بالمئة مرحلة القشعريرة. ووضعي هنا هو تلك المرحلة التي يكون فيها الشخص مشنوقاً بنسبة 25 بالمئة. يداي ترتجفان، وجسدي كلّه يرتجف. وهذا يؤلم. لديّ أيضاً حركاتٍ لا إرادية. هذا ردّ فعلٍ جسدي. إنّها ناجمة عن هذه الرجفة. إنّ هذه الرجفة تتكرر مراتٍ عديدة وتزداد يوماً بعد يوم. إنّني أعاني منها أحياناً عندما أكون مستلقياً وأحياناً عندما أكون واقفاً على قدمي. إنّ هذه الرجفة تحدث للشخص المشنوق بنسبة 25 بالمئة. معروف أنّ صدّام مات خلال 3 دقائق أثناء إعدامه. وضعي هنا وكأنّني أُشنق بهذا الشكل لعشرات المرات يومياً. أنا لا أخشى الشنق، فأنا أختبر تلك الدقائق الثلاث التي عانى خلالها صدّام لأربع وعشرين ساعةً يومياً”.

وفقاً لما جاء، يتضح كم أن المشاكل الصحية كثيرة وتتفاقم مع مرور الأيام كنتيجة لسوء الظروف في السجن حيث يقضي القائد عبد الله أوجلان أيامه.

وبما أن حديث القائد هذا جاء قبل 14 عاماً، ومع تقدمه بالسن أكثر فأكثر، يمكن التوقع إلى حد كبير بأن هذه المشاكل الصحية تفاقمت، وأن ظروف الاعتقال أصبحت صعبة اليوم أكثر من أي وقت مضى.

فبسبب إجراءات الدولة التركية هذه، ظهرت مشاكل صحية جدية لدى القائد عبد الله أوجلان، فحتى 15 شباط فبراير 1999، كان يعاني من مرض التهاب الجيوب الأنفية فقط، ولكن مع مرور السنوات، وبسبب العزلة والحبس الانفرادي والتعذيب في إمرالي، سرعان ما تحول مرض القائد عبد الله أوجلان إلى الاختناق الصدري والتهاب البلعوم وحساسية الأنف والربو، بالإضافة إلى العديد من المشاكل الصحية الأخرى.