المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

رسالة القائد عبد الله أوجلان إلى المؤتمر الدولي للسلام والمجتمع الديمقراطي

16

قرِئت رسالة القائد عبد الله أوجلان، خلال أعمال المؤتمر الدولي للسلام والمجتمع الديمقراطي المنعقد في إسطنبول، وجاء فيها: “اليوم هو الوقت المناسب للسير نحو التحرر الديمقراطي على أساس الاشتراكية الديمقراطية وجّه القائد عبد الله أوجلان رسالة إلى المؤتمر الدولي للسلام والمجتمع الديمقراطي المنعقد في إسطنبول، بتنظيم من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب.

وقد قام ويسي آكتاش الذي قضى عشر سنوات في سجن جزيرة إمرالي، قبل الإفراج عنه في شهر تموز الماضي، بقراءة نص الرسالة بالنيابة عنه.

وجاءت الرسالة بعنوان: “لنستعيد الاشتراكية من خلال إحلال السلام وبناء مجتمع ديمقراطي”.

وفيما يلي نص الرسالة:

“أيها المفكرون الأعزاء، الأصدقاء الأعزاء، المندوبون الأعزاء، وجميع الذين ما زالوا يؤمنون بالاشتراكية؛ أخاطبكم في وقت استؤنفت فيه المفاوضات مع الدولة في جزيرة إمرالي، في ظل ظروف 26 عاماً من العزلة، سعياً إلى السلام ومجتمع ديمقراطي للقضية الكردية في تركيا، إنه لأمر ثمين ومهم للغاية بالنسبة لي أن أتحدث إليكم هنا اليوم، في المؤتمر الدولي للسلام والمجتمع الديمقراطي، حول إعادة بناء الاشتراكية.

ككرد، فقد أكملنا نضال حزب العمال الكردستاني من أجل الوجود والكرامة، والذي دام 52 عاماً، ودخلنا الآن في عصر سيتم فيه إعادة بناء جمهورية ديمقراطية ومجتمع ديمقراطي.

لقد نفّذ حزب العمال الكردستاني مهمته التاريخية، من خلال ضمان الوجود الوطني للشعب الكردي، وفي الوقت نفسه كشف عن تعثر اشتراكية الدولة القومية، ظهرت الاشتراكية في القرن العشرين كخطوة ثورية سلبية، لكنها فشلت في ملء الفراغ، في أعوام التسعينيات، عندما كان معظم الناس يهربون من الاشتراكية، قلت: “الإصرار على الاشتراكية هو الإصرار على الإنسانية”، وكرّستُ حياتي كلها لإعادة بناء هذا الأمل، هذا النضال الذي تم خوضه بتضحيات كبيرة، أصبح اليوم إرثاً تحقق بالانتقادات النظرية والعملية، ولكي نتبنى هذا الإرث بشكل صحيح، يجب أن نحوّل الاشتراكية من ذكرى إلى قوة اجتماعية حيّة تُحدث صدى مع الشعب.

يجب اعتبار التقاليد الاشتراكية في التاريخ إرثاً من أجل بناء السلام وأيضاً من أجل إقامة مجتمع ديمقراطي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ الواجبات الدولية نظرياً وعملياً.

على الرغم من أن الاشتراكيين الماركسيين والمثاليين قد انتقدوا النظام الرأسمالي المهيمن انتقاداً شديداً منذ القرن التاسع عشر، إلا أنهم فشلوا في تطوير موقف حاسم. لم تعد الرأسمالية الحديثة أزمة، بل وصلت إلى مستوى مرض يهدد الجنس البشري، ويعد الاحتكار العنيف في شكل الدولة القومية عاملاً حاسماً في هذا الانهيار.

مثلما لا يمكن تفسير الرأسمالية من الناحية الاقتصادية وحدها، لا يمكننا أن نعزو فشل الحركات الاشتراكية إلى القمع الرأسمالي وحده، فالأخطاء التاريخية والمعاصرة لها دور حاسم في هذه النكسة.

يجب فهم انتقاداتي للماركسية بشكل صحيح، أنا لا ألوم ماركس، ففي عصره، لم يكن التاريخ مكشوفاً كما هو اليوم، ولم تكن هناك أزمة بيئية، وكان الرأسمالية في أوجها، على الرغم من كل هذا، كان ماركس أيديولوجياً واثقاً من نفسه جداً، وكان ينتقد نفسه باستمرار، كان يرى ويدرك تحرر المرأة، ولكن لأنه تعامل مع هذه القضية على أنها مسألة ثانوية ولم يدرك عمقها، فقد اعتقد أن القضاء على الاستغلال الاقتصادي سيؤدي إلى القضاء على اضطهادها، حاول شرح التاريخ الاجتماعي عن طريق الطبقة فقط، ولم يستطع تحليل الدولة والدولة القومية بشكل كافٍ، ولذلك لم تظهر نتائج كبيرة.

على الرغم من كل هذه الانتقادات، أود أن أضيف أنني أحترم عمل ماركس، ولا أشك في نواياه، وأقيّم الماركسية بعيداً عن ماركس، على الرغم من أننا قد ننتقد الماركسية والاشتراكية الحقيقية في بعض القضايا الأساسية، فإن ما نشعر به كاشتراكيين هو النقد الذاتي.

يجب على القوى المناهضة للنظام إعادة تقييم المادية التاريخية بحيث تتوافق مع واقع المجتمع البشري، من المهم أن نفهم أن الرأسمالية لم “تسقط من السماء” في القرن السادس عشر، بل إن جذورها تعود إلى 10,000-12,000 سنة إلى تطور الحضارة في جنوب بلاد ميزوبوتاميا، تسلط مراكز مثل تلة مرازان وتلة كجل الضوء على هذه البداية التاريخية، لذلك، أجد أنه من الأكثر دقة الإشارة إلى النظام الحضاري الحالي باعتباره “نظام طبقي اجتماعي قاتل”، تُظهر الأدلة الأثرية والأنثروبولوجيا أن طبقات الصيادين الذكور، باستخدام تقنيات القتل التي طوروها، أطاحت بالمجتمعات العشائرية الأمومية واستعبدت النساء، هذا هو الانقسام الأعمق في تاريخ البشرية، وهو أيضاً ثورة مضادة كبيرة قضت على جميع التطورات الحضارية التي سبقتها.

إن تحليل الرأسمالية من منظور تاريخي سيوسع آفاقنا بشكل كبير، فهذا النظام لا يؤجج الصراعات الداخلية داخل المجتمع فحسب، بل إنه في الوقت نفسه، من خلال تطوير أنظمة الأسلحة الكيماوية والذرية قادرة على تدمير الكوكب، ويخرب الغلاف الجوي وينهب الموارد الطبيعية للأرض، مما يؤدي إلى نهاية البشرية، ومن الواجبات الدولية الأساسية أن نقدم للبشرية تحليلاً جديداً للرأسمالية في ضوء هذه الحقيقة.

يجب دراسة تاريخ المضطهدين من منظور الكومونات، وهي كيان دفاعي ذاتي يسبق الطبقات، يتطلب هذا منظوراً تاريخياً يرى في القبائل الأولى بداية الكومونات، ويمتد إلى الطبقة التي نسميها اليوم البروليتاريا، أو تمتد إلى جميع الشعوب المضطهدة.

على هذا الأساس، نقول إن التاريخ لا يقتصر على الصراع الطبقي، بل يشمله أيضاً، ومن الأصح قراءة التاريخ كعملية تفاعل وصراع بين التطور المجتمعي والمناهض للمجتمع، الذي يعود تاريخه إلى نحو 30,000 عام.

أعتقد أن كونفرانسكم، واستناداً إلى التحليلات النظرية التي قدمتها، سوف يعزز المناقشات المهمة التي ستسهم في فهم جديد للبرنامج السياسي والتنظيم السياسي، والطريقة الأساسية في هذه العملية هي المادية الديالكتيكية، ولكن، يجب تجاوز فئات الديالكتيك الكلاسيكي، يجب أن ننظر إلى التناقضات ليس كأجزاء تدمّر بعضها البعض، بل كظواهر اجتماعية تعزز بعضها بعضاً، لأنه دون الكومون لا توجد دولة، ودون البرجوازية لا يوجد بروليتاريا، لهذا السبب، يجب أن نتعامل مع التناقضات ليس من منظور تاريخي مدمّر، بل من منظور تاريخي تحويلي.

تُظهر التطورات العلمية أيضاً أن المنهج الديالكتيكي أداة فعالة في التحليل الاجتماعي، شريطة ألا يُمارس بشكل مطلق. وفي هذا السياق، من الضروري تجديد الديالكتيك بين الكومون ـ الدولة والطبقة ـ الدولة، وقد نتج انهيار الاشتراكية الحقيقية في القرن العشرين عن تفسير خاطئ لهذه الديالكتيكية التاريخية: فعلى الرغم من أن الاشتراكية الحكومية استولت على السلطة، إلا أنها انهارت في نهاية المطاف تحت ثقلها، من خلال ربط حق الأمم في تقرير المصير بالدولة القومية، أصبح محصوراً ضمن حدود السياسة البرجوازية، مفهوم “الدولة القومية البروليتارية” لم ينتج سوى عقلية الدولة.

لقد أوضحت هذه الحقيقة بدقة وقلت إن اشتراكية الدولة القومية تقود الانسان إلى الفشل، بينما تؤدي اشتراكية المجتمع الديمقراطي إلى النجاح، اليوم هو الوقت المناسب للسير نحو التحرر الديمقراطي على أساس الاشتراكية الديمقراطية.

على هذا الطريق، أعتقد أننا سننجح في استبدال الدولة بجمهورية ديمقراطية، وأمة ديمقراطية، ونموذج مجتمع ديمقراطي نسوي وبيئي وديمقراطي.

هذا الوعي أوصل حركتنا إلى التحديث الأيديولوجي والسياسي، والديناميكية التنظيمية والشعبية، وقادها نحو برنامج اشتراكي قادر على الاستجابة لاحتياجات القرن.

تعد صياغة علاقة الاشتراكية الديمقراطية بالدولة ضمن عملية السلام والحلّ، أعرّف علاقتي بالدولة بأنها علاقة ديمقراطية، ففهم الجمهورية الديمقراطية يقتضي أن تكون الدولة بنية تعمل في إطار العقد الديمقراطي الذي تبرمه مع المجتمع، لا قوةً فوق المجتمع بطابعٍ إلهي، ومن خلال استراتيجية السياسة الديمقراطية، يصبح من الممكن إحداث التغيير والتحوّل داخل الدولة، وإعادة بناء المجتمع على أسس ديمقراطية.

إن إرساء هذه الاستراتيجية على أساس قانوني سيشكّل بدوره الركيزة الثابتة للسلام الدائم. فالقانون، بوصفه ضمانة وآلية توازن للعلاقة الديمقراطية بين الدولة والمجتمع، هو أداة حلّ تمنع العنف، كما سيلعب دوراً مؤسّساتياً في بناء الجمهورية الديمقراطية، وترسيخ مشروعيتها، وإعادة بناء النظام الاجتماعي.

ومن بين الحجج التي طرحتُها كاستراتيجية أساسية للنضال، هو قضية الاندماج الديمقراطي ومفهومه القانوني، ويجب أن يرتكز قانون الاندماج الديمقراطي، الذي يُعاد فيه هيكلة القانون بما يخدم المجتمع من خلال المعايير الفردية والعالمية والحقوق الجماعية، على ثلاثة مبادئ أساسية:

* قانون المواطنة الحرة

* قانون السلام والمجتمع الديمقراطي

* قوانين الحرية

سيحوّل قانون الاندماج الديمقراطي الدولة إلى دولة معيارية (قائمة على القواعد)، وسيضمن في الوقت ذاته الوجودَ الذي حقّقه المجتمع مؤسّسياً، وبالتالي تحقيق حريته، إن العملية التي أطلقتُها تحت عنوان “دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي “هي عملية حوار، ففي منطقة مثل الشرق الأوسط، الغنية بتعدّد الأثنيات والأديان والمذاهب، يمكن تحقيق الكثير عبر الحوار والتفاوض الديمقراطي.

في الواقع، أرى أنّ الاشتراكية الهادفة ينبغي ألّا تُبنى على مفهوم الثورة العنيفة، بل على نهج بناء إيجابي ومنظومة وجودية منظّمة، وأن يتحقق ذلك في إطار حوار ديمقراطي، فمن الصعب الاعتقاد بإمكانية بناء الاشتراكية من دون حوار ديمقراطي شامل وعميق، وحتى لو بُنيت فمن الصعب أن تكون دائمة.

وقد قال لينين أيضاً: “لا يمكن بناء الاشتراكية من دون ديمقراطية شاملة ومتطورة”.

وبهذا الوعي والإيمان، آمل أن يكون اجتماعنا ناجحاً وأقدم لكم تحياتي ومودتي الرفاقية الدائمة.

6/12/2025

عبد الله أوجلان

جزيرة إمرالي”