الجمهورية الأفلاطونية بين الفلسفة وخيال المدينة الفاضلة _ إيمرالي ومشروع الأمة الديمقراطية:

بقلم السيدة: آمنة خضرو المتحدثة باسم المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان حلب
المقدمة…
منذ أن خطّ أفلاطون في محاورته الشهيرة الجمهورية معالم الدولة الفاضلة، شكّلت تلك الرؤية مرجعاً خالداً في الفكر الإنساني عن معنى العدالة والمجتمع المثالي. لم تكن الجمهورية الأفلاطونية مجرد تنظير سياسي، بل كانت محاولة فلسفية لصياغة نموذج متكامل للإنسان والمجتمع، يربط بين العقل والأخلاق، وبين الحكمة والمعرفة.
فأفلاطون رأى أن العدالة تتحقق عندما يؤدي كل فرد وظيفته وفق طبيعته، وأن القيادة يجب أن تكون للحكماء الذين تحرروا من الأهواء والأنانية الفردية. هذه الفكرة التي تمزج بين الفلسفة والخيال ظلت مصدر إلهام للفلاسفة والمفكرين عبر العصور.
بين الفلسفة والخيال
لم تكن الجمهورية دولة واقعية، بل مشروعاً أخلاقياً ـ خيالياً يرسم ملامح “المدينة الفاضلة” حيث يتوازن الروح والمجتمع والسياسة.
في هذا الخيال الفلسفي نجد طموحاً إنسانياً للتحرر من الفساد والاستبداد، وتأسيس نظام يسوده العقل والعدالة الجماعية.
لكن مع مرور الزمن، تحوّل الحلم الأفلاطوني إلى مرآة نقدية للواقع، تستفز المفكرين لإعادة صياغة المفهوم الإنساني للسلطة والمجتمع، وهذا بالضبط ما قام به القائد عبدالله أوجلان في مشروعه التحرري المعاصر.
القواسم المشتركة بين الجمهورية الأفلاطونية ومشروع القائدعبدالله أوجلان
- البحث عن العدالة كجوهر للحرية
كل من أفلاطون والقائد انطلقا من سؤال العدالة، وإن اختلف السياق.
أفلاطون أراد عدالة توازن بين طبقات المجتمع وتخضع للعقل، بينما القائد يرى العدالة في تحرير الشعوب من التبعية القومية والسلطوية والذكورية.
في مشروع الأمة الديمقراطية، تتحول العدالة إلى ممارسة يومية تقوم على المساواة بين المكونات، لا على تراتبية طبقية أو قومية.
فما كان عند أفلاطون “انسجاماً للطبقات” يصبح عند القائد “تناغماً بين الشعوب والثقافات”. - دور القائد الفيلسوف
أفلاطون حلم بـ”الفيلسوف الملك”، القائد الذي يجمع بين الحكمة والمعرفة والفضيلة.
أما القائد، فحوّل هذا المفهوم من سلطة فردية إلى وعي جمعي قيادي، حيث يكون القائد محفزاً للوعي لا حاكماً بالمعنى السلطوي.
فالقائد عنده ليس “الملك الفيلسوف”، بل “المحرّك الفيلسوف”، الذي يزرع في المجتمع روح النقد والمشاركة والبحث عن الأمل والمعنى.
من هنا، يمكن القول إن القائد عبدالله أوجلان أعاد تفسير مفهوم القيادة الفلسفية بلغة العصر والديمقراطية. - من المدينة الفاضلة إلى الأمة الديمقراطية
تتمثل نقطة الالتقاء الجوهرية بين المشروعين في أنهما لا يكتفيان بالنقد، بل يقدمان نموذجاً بديلاً للمجتمع.
فأفلاطون رسم مجتمعاً منسجماً على أساس الفضيلة والعقل، والقائد أعاد بناء مفهوم الأمة على أساس الإرادة الحرة والتعددية الثقافية والبيئية.
“الأمة الديمقراطية” هي الشكل الواقعي العصري للجمهورية الفاضلة، لكنها ترفض فكرة المركزية والتراتبية التي ميّزت نموذج أفلاطون، لتقيم بدلاً عنها شبكة تشاركية من المجتمعات الحرة المتعاونة.
أن أهمية دور القيادة في الإصرار لتحقيق المشروع
القائد عبدالله أوجلان جسّد بفكره ومواقفه فلسفة الالتزام والإصرار على التحول التكتيكي والتغيير.
لم يكن مشروع الأمة الديمقراطية مجرد أطروحة فكرية، بل مساراً عملياً نضالياً لإعادة بناء الذات الإنسانية والمجتمع على أسس الحرية والمساواة والبيئة.
في إصراره الفكري والسياسي، تتجلى روح الفيلسوف الذي لا يرضى بالواقع المرير، بل يسعى لصياغة بديل أخلاقي وإنساني له، تماماً كما فعل أفلاطون في حواره مع عصره.
القائد عبدالله أوجلان آمن بأن الحرية لا تُمنح بل تُبنى بالوعي والتنظيم، وأن القائد الحقيقي هو الذي يوقظ الفكر لا الذي يفرض الطاعة. هذا الإصرار جعل من مشروعه حركة فكرية عابرة للقارات، تُلهم شعوب الشرق الأوسط في سعيها نحو العدالة والكرامة.
مشروع أخوة الشعوب ونداء السلام
في جوهر الجمهورية الأفلاطونية حلمٌ بالانسجام الاجتماعي، وفي قلب مشروع القائد دعوة إلى الأخوّة والعيش المشترك بين الشعوب.
كلا المشروعين يسعيان لتجاوز الانقسامات، لكن القائد يذهب أبعد من الخيال الفلسفي إلى التطبيق الواقعي عبر مفاهيم:
الكونفدرالية الديمقراطية،
تحرير المرأة كركيزة للتحرر الاجتماعي،
البيئة كقيمة أخلاقية وسياسية.
هذه الركائز تعطي لنداء السلام بعداً فلسفياً جديداً: السلام لا كاتفاق سياسي فقط، بل كحالة وعي مجتمعي يعيش التعددية والاحترام المتبادل.
خاتمة…
إذا كانت الجمهورية الأفلاطونية هي حلم الفيلسوف بعالم تحكمه العدالة والعقل، فإن مشروع الأمة الديمقراطية هو تجسيد حديث لذلك الحلم في واقع مليء بالتحديات.
القائد عبدالله أوجلان أعاد تعريف الفلسفة كقوة تحررية تربط الفكر بالممارسة، وحوّل الخيال الفلسفي إلى مشروع اجتماعي يهدف إلى السلام، وأخوة الشعوب، والمجتمع الديمقراطي الحر.
وهكذا، فإن المسافة بين أثينا القديمة وجزيرة إيمرالي ليست سوى رحلة الفكر الإنساني في بحثه الدائم عن العدالة، حيث يلتقي الحلم بالواقع، والفيلسوف بالمحرر، ليواصلا معاً بناء جمهورية الروح والأخلاق والحرية.