المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

المواجهة الصادقة: من الخضوع إلى الفعل التاريخي في فكر أوجلان

3٬016
الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: صورة-واتساب-بتاريخ-1446-09-18-في-14.29.51_755fea77.jpg

يقول المفكر أوجلان : من يريد ان يصبح إنسانا مخلصا عليه أولاً معرفة ذاته والاكثر من ذلك عليه معرفة صديقه من عدوه. هذا أيضاً لا يكفي. ماذا بمقدوره العمل امام عدوه؟ كيف بمقدوره كسب الايجابيات؟ ان لم يكن باستطاعته كسب هذه الجوانب، حينها عليه ان يأخذ عدوه بعين الاعتبار. وإن لم يكن بمقدوره عمل شيء امام عدوه، فإنه يعتبر فرداً لا يساوي خمسة قروش.
وبذلك فهو يؤكد أن الانسان لا يولد انسانا بل يصبح انسانا وان الطريق الى الانسانية الحقيقية لا يبدأ من خلال الشعارات ولا من الانتماءات الشكلية بل من المواجهة الصادقة مع الذات ومن ثم مع الواقع المحيط لأن من لا يعرف نفسه لا يمكنه ان يعرف صديقه ولا عدوه ومن لا يعرف صديقه من عدوه فهو اعمى في معركة الوجود والحياة وهذه المعركة حقيقة هي ليست معركة من يملك القوة فقط بل من يملك الوعي والقدرة على التحول من الكائن الخاضع الى الفاعل التاريخي، والانسان المخلص كما يسميه المفكر اوجلان ليس ذلك الذي يردد المبادئ بل ذلك الذي يصنع من مبادئه سلاحا لمواجهة الظلم واعادة بناء العالم على اسس العدالة والحرية والمساواة ولهذا يشدد المفكر اوجلان على ان المعرفة وحدها لا تكفي بل يجب ان تصاحبها القوة والقدرة على الفعل فالمعرفة بلا قدرة تصبح عجزا والقدرة بلا معرفة تصبح طغيانا والانسان الذي لا يستطيع ان يفعل شيئا امام عدوه لا يساوي خمسة قروش ليس لانه بلا قيمة بل لانه لم يرق بعد الى مستوى المسؤولية التاريخية التي تفرضها عليه انسانيته فحقيقة انسانيته تفرض عليه ان يعرف من يقف معه ومن يقف ضده لا من خلال الابتسامات والكلمات بل من خلال المواقف الحاسمة في لحظات الامتحان الحقيقي ففي لحظة الخطر ينكشف الوجه الحقيقي للصديق والعدو، والصديق عند المفكر اوجلان ليس من يشاركك الخبز فقط بل من يشاركك المبدأ ويقف معك حين يخذلك الجميع والعدو ليس فقط من يحمل السلاح ضدك بل من يزرع فيك الخوف والخنوع والانقياد ولهذا فان مهمة الانسان الواعي لا تقتصر على كشف العدو بل أيضا على بناء القوة التي تمكنه من مواجهته وتحويل موازين القوى لصالح الحياة والحرية والكرامة وحقيقة نحن نرى هذا المبدأ تجسد في تجربة الأخوة الأكراد الذين لم يكتفوا بمعرفة عدوهم بل حول وعيهم الى قوة مقاومة منظمة ففي كوباني لم يكن الامر مجرد معركة عسكرية بل كان اعلانا عن ولادة انسان جديد قادر على مواجهة اكبر آلة قمع وإرهاب في المنطقة بوعي وشجاعة وتنظيم وفي شمال وشرق سوريا لم يكن الامر مجرد اعلان عن انشاء قوة عسكرية أو إدارة ديمقراطية بل كان تطبيقا عمليا لمفاهيم الديمقراطية التشاركية والمرأة الحرة والمجتمع الايكولوجي كل ذلك لم يات من فراغ بل من رحم المعاناة ومن وعي عميق بضرورة تحويل المعرفة الى قوة فعل وفي تجربة المرأة في شمال وشرق سوريا وخاصة المرأة الكردية نرى اوضح مثال على كيف ان المعرفة بالعدو الذكوري لم تبق حبرا على ورق بل تحولت الى ثورة نسائية غيرت بنية المجتمع من الداخل واعادت تعريف العلاقة بين الجنسين على اساس المساواة والاحترام المتبادل فحقيقة المرأة لم تعد مجرد رمز للنضال بل اصبحت تقود النضال وأصبحت قلب المجتمع النابض بالحياة وكل هذا ينبع من خلال فهم المفكر اوجلان العميق فهو يؤكد أن الانسان لا يتحرر بالفردية بل بالجماعة الواعية المنظمة القادرة على صنع التاريخ وليس مجرد التأثر به ولهذا يدعو دائما الى بناء الروح الرفاقية كقيمة اساسية في النضال لان الرفيق هو من يمدك بالامل حين تضعف ومن يذكرك بمبادئك حين تضيع ومن يشاركك المسؤولية حين تثقل فحقيقة المفكر أوجلان يؤكد أن الرفيق الحقيقي لا يخون المبدأ من اجل المصلحة ولا يبيع الحلم من اجل الراحة لانه يعلم ان الحقيقة تستحق ان تقال مهما كلف الثمن مثلما استشهدت الرفيقة بيرتان هيڤي التي لم تكن مجرد شهيدة بل كانت تجسيدا حيا لفكرة ان الانسان الحر لا يركع وان الحقيقة لا تموت بل تولد من جديد في كل قلب يؤمن بها ولهذا فان الانسان المخلص عند المفكر اوجلان هو ذلك الذي يجمع بين المعرفة والقدرة والوفاء للمبدأ والقدرة على التمييز بين الصديق والعدو والى تحويل هذا التمييز الى فعل مقاوم منظم يعيد بناء العالم من جديد على اسس ديمقراطية تشاركية انسانية حقيقية لا على اوهام القوة والسيطرة والتسلط فحقيقة المفكر اوجلان يؤكد أن الانسان الذي لا يفعل شيئا امام عدوه ليس فقط لا يساوي خمسة قروش بل هو خطر على نفسه وعلى جماعته لان سكوته يصبح تواطؤا وخوفه يصبح سلاحا في يد عدوه ولذلك فان مهمة كل انسان واعي اليوم هي ان يخرج من دائرة السلبية الى دائرة الفعل وان يتحول من متفرج على التاريخ الى صانع له وان يبني من وعيه قوة تحمي الحلم وتدافع عن الكرامة وتعيد للانسانية بريقها المفقود لان الحرية كما يقول المفكر اوجلان ليست هبة من السماء بل هي نتاج نضال دؤوب لا يعرف الكلل ولا يستسلم للخوف.

من خلال فكر وفلسفة المفكر اوجلان
أعداد الأستاذ : أنس قاسم المرفوع