رموز السلام: مقارنة بين غاندي، كينغ، مانديلا والقائد آبو في مسار النضال والتحول الفكري
-بقلم: فرزندا منذر
ما يجمع رموز السلام الأربعة: غاندي، مارتن لوثر كينغ، مانديلا، والقائد عبد الله أوجلان:
1- مهاتما غاندي: نضال من أجل الحرية بلا عنف:
-السياق: غاندي قاد النضال التحرري ضد الاستعمار البريطاني في الهند، وابتكر فلسفة اللاعنف (أهيمسا) والعصيان المدني كأساس لتحرير الشعوب. لم يكن يرى اللاعنف مجرد تكتيك سياسي، بل قوة أخلاقية قادرة على تحقيق التغيير السياسي.
-التحديات: اتُّهم بالخيانة من قبل القوميين الهنود والحكومة البريطانية، واغتيل في النهاية على يد قومي هندوسي رأى فيه شخصاً “متسامحاً أكثر من اللازم”.
-الميزة الجوهرية: لمهاتما غاندي جعل اللاعنف أداةً لتمكين الشعوب، واعتبره وسيلة لتحويل الضعف إلى قوة.
2.-مارتن لوثر كينغ: الحلم الأمريكي في مواجهة العنصرية.
-السياق: كينغ قاد حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وطبق فلسفة غاندي في مقاومة العنصرية عبر “المقاومة السلمية”.
-التحديات: اتُّهم من قبل الراديكاليين السود بأنه “مهادن” واعتبرته الحكومة “محرّضاً”. في النهاية، اغتيل لأنه أصبح رمزاً للعدالة الاجتماعية التي تهدد بنية العنصرية المؤسسية.
-الميزة الجوهرية: تحويل “الحلم الأخلاقي” إلى حركة سياسية، دمج فيها حقوق الإنسان مع رؤية شاملة للعدالة الاجتماعية.
3. نيلسون مانديلا: من السجن إلى المصالحة.
-السياق: بدأ مانديلا نضاله ضد نظام الفصل العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا باستخدام السلاح، لكنه تحول إلى رمز للمصالحة بعد 27 سنة من السجن.
-التحديات: تعرض لاتهامات بالخيانة من بعض أبناء الشعب الأفريقي لأنه قبل التفاوض مع النظام، ومن البيض لاعتباره “مخرّباً”. ومع ذلك، أصبح رمزاً للسلام.
-الميزة الجوهرية: نجاحه في تحقيق انتقال سياسي سلمي من نظام الفصل العنصري إلى نظام ديمقراطي متعدد الأعراق، مما جعله رمزاً للمصالحة والتسامح.
4. عبد الله أوجلان: تحوّل فكري في السجن.
-السياق: القائد أوجلان، الذي قاد نضال الشعب الكردي، بدأ نضاله المسلح ضد الدولة التركية، لكن تحوّل فكره بشكل جوهري داخل السجن. نقد بشدة فكرة الدولة القومية وطرح بدائل سياسية.
-التحديات: مثل غاندي وكينغ ومانديلا، اتُّهم بالاستسلام والتسوية في سياق بحثه عن السلام. ومن طرف تركيا برأس الإرهاب، والانفصالي.
-الميزة الجوهرية: القائد عبد الله أوجلان قدّم مشروعاً فكرياً وسياسياً يتجاوز القومية إلى فلسفة “الحداثة الديمقراطية”، التي تضم مفاهيم الديمقراطية، تحرر المرأة، والمجتمع البيئي الكومينالية.
ما يميز القائد عبد الله أوجلان:
1. البعد الفلسفي المنهجي:
-نقد الدولة القومية: القائد آبو ليس مجرد قائد سياسي، بل هو مُنظّر فكري. قدم فكرة “الكونفدرالية الديمقراطية” كبديل للدولة القومية.
-مشروع تحرر المرأة: كان لديه فلسفة خاصة حول تحرر المرأة ضمن “جيل الحرية” الذي يسعى إلى تجاوز الهياكل الاجتماعية التقليدية.
-إيكولوجيا سياسية: طرح أفكارًا بيئية تراعي التوازن بين الإنسان والطبيعة.
2. التحول الفكري أثناء السجن:
-القائد أوجلان في السجن: على عكس معظم القادة الذين يرسّخون أفكارهم قبل الاعتقال، كان تحول أوجلان الفكري داخل السجن هو الأبرز، مما أضاف طابعاً تأملياً عميقاً لكتاباته.
3. التحول من القومية إلى الإنسانية:
-التجاوز القومي: انتقل المفكر عبد الله أوجلان من حركة كردية ثورية إلى مشروع إنساني ديمقراطي يشمل جميع الشعوب والثقافات. قدّم رؤية “شرق أوسط ديمقراطي” تتجاوز حدود القومية، مما يميّزه عن باقي الرموز التي كانت مشاريعها محلية أو قومية في المقام الأول.
-لماذا تتكرر الاتهامات بالاستسلام ضد رموز السلام؟
التاريخ يثبت أن كل قائد يطرح مشروع سلام جذري يواجه ثلاث فئات معارضة:
١-السلطة القائمة: التي ترى في السلام تهديدًا لهيمنتها.
٢-الراديكاليون: الذين يعتبرون السلام ضعفًا وخيانة.
٣-الشارع الغاضب: الذي يظن أن الحلول العسكرية أكثر سرعة وواقعية من الحلول السياسية.
–خاتمة:
-غاندي: قدم للعالم فلسفة اللاعنف.
-كينغ: قدم رؤية للعدالة الاجتماعية.
-مانديلا: قدم نموذجًا للمصالحة والتسامح بعد صراع طويل.
أما القائد عبد الله أوجلان، فيقدّم مشروعًا فلسفيًا سياسيًا متكاملاً يطرح البدائل للأنظمة القائمة، ليس فقط في الشرق الأوسط بل على مستوى عالمي. يقدّم أيضًا رؤية إنسانية تتجاوز القومية نحو السلام والمساواة.