المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

عبد الحسين شعبان: مبادرة أوجلان تاريخية … والكرة الآن في الملعب التركي

5

“مبادرة جريئة تاريخية ولحظة مفصلية”، بتلك العبارة وصف المفكر الكبير عبد الحسين شعبان نداء السلام للقائد أوجلان، مشدداً على أنها تعبّر عن عقلانية وليس تراجع.

جدّد المفكر الكبير عبد الحسين شعبان إشادته بدعوة القائد عبد الله أوجلان “السلام والمجتمع الديمقراطي” بـ”التاريخية”، وذلك في أحدث حوار صحفي، والذي حمّل العديد من الرسائل المهمة، لا سيما فيما يخص القضية الكردية، والعلاقات العربية الكردية، مؤكداً أن نجاح هذه المبادرة يتطلب إجراءات وتحرّكات من قبل الدولة التركية في المقابل.

وأكد شعبان أن حق تقرير المصير يمثّل جوهر حقوق الشعب الكردي، كما شدد على أن الحوار والحل السلمي هما البديل عن الحلول العسكرية والعنفية، داعياً إلى تعظيم الجوامع العربية – الكردية وتقليص الفوارق واحترامها، في اتساق واضح مع قناعاته كحامل لراية التآخي العربي – الكردي، والباحث عما يقرب بين العرب والكرد وتجاوز ما يُبعد بينهما، مع تمسّكه بعروبته الحضارية ذات البُعد الثقافي الإنساني.

مبادرة تاريخية

وقد تطرق الحوار إلى العديد من القضايا، في مقدمتها القضية الكردية، وفي هذا السياق أكّد أن مبادرة القائد أوجلان لإحلال السلام بين الكرد والأتراك مبادرة تاريخية، تُرتّب مسؤوليات على الطرف التركي، منوهاً إلى أن هذه المبادرة ينبغي أن تُؤخذ بجدية ويتم التعامل معها بموضوعية بعيداً عن منطق “الغالب والمغلوب”، لا باعتبارها دليل ضعف أو تراجع، وإنما دليل عقلانية وتطوّر ومراجعة للتجربة بما لها وما عليها، لأنها تمثّل استراتيجية “سلمية هجومية” جديدة للصراع التركي – الكردي.

وقال شعبان إن مبادرة القائد أوجلان جريئة وتستحق التقدير والاحترام وهي دعوة للسلام والتفاهم، وهي وإن كانت مبادرة من طرف واحد، إلا أنها ترتب مسؤوليات على الطرف الحكومي التركي، فالكرة الآن في ملعبه، وعليه التعاطي معها بما يخدم مصالح الترك والكرد ومستقبل تركيا، منوّهاً إلى أن مبادرته لقيت تأييداً كردياً شاملاً، فضلاً عن تأييد إقليمي ودولي، لأنها تتضمن أسساً صالحة لحل سلمي للقضية الكردية، كما أن أهميتها تكمن في أن أوجلان وضع أسس الحل في إطار الدولة التركية، وسبق له أن أسماها “الأمة الديمقراطية”.

لحظة مفصلية

وأكد أن الدعوة لحظة مفصلية تمتاز بالثقة بالنفس وبُعدْ النظر والشعور العالي بالمسؤولية، فضلاً عن مرونة وشجاعة أخذت بنظر الاعتبار المتغيرات الجيوسياسية في دول الإقليم، ويشير إلى أنه كان يتساءل مع نفسه عند سماعه بالمبادرة، هل سيوافق حزب العمّال الكردستاني (PKK) على هذه الدعوة ويستجيب لقائده التاريخي أوجلان…؟، ثم يقول إنه بعد أيام أدرك من المتابعة القيمة الحقيقية لدعوة أوجلان، خصوصاً الاستجابة الواسعة للمقاتلين، بمن فيهم من كانوا في جبل قنديل.

ويضيف المفكر عبد الحسين شعبان أن أوجلان أدرك أن طريق الكفاح المسلح لوحده لن يحل القضية الكردية، ولن يحقق مطامح الشعب الكردي، فالعنف سيأتي بالعنف، وعنف السلطة أكبر وأشد وأقسى من عنف المعارضات، ناهيك عمّا سيتركه من تأثيرات نفسية واجتماعية على الطرفين، سواء من يستخدمه أو من يتعرض له ولذلك فإن أوجلان بهذه الدعوة يراهن على التراكم الكبير الذي أحرزه الشعب الكردي في تركيا، فضلاً عن نجاح الفيدرالية العراقية.

دور الدولة التركية

وعلى صعيد الحلول ورؤيته لما بعد طرح الدعوة، أعرب عبد الحسين شعبان عن تقديره أن الحل يحتاج إلى إعلان من جانب الدولة التركية بقبولها الدعوة والشروع بعدد من الإجراءات والتدابير التي تساعد عليها، وذلك بإصدار عفو عام ووقف جميع التعقيبات القانونية لإنهاء النزاع المسلح، والعمل على إعادة المنفيين والمهاجرين، وفتح باب الحوار لوضع صيغة حل تتناسب مع الأوضاع التركية، كما يحتاج الأمر إلى إجراء تعديل دستوري ضروري بإقرار القومية الكردية وحقوقها قانوناً.

وعن خطوة حلّ حزب العمال الكردستاني رسمياً، قال إنه إعلان أولي مرهون بمدى الاستجابة له، ويحتاج إلى آليات عملية قد تكون طويل الأمد لاستيعابه وتنفيذه سياسيّاً وفكريّاً وثقافيّاً، إضافةً إلى أجواء إيجابية مناسبة، منوهاً إلى أن الأمر لا يتوقف على النخب الكردية فحسب، بل يتطلب جهداً أكبر من جانب النخب التركية المؤمنة بحقوق الكرد وإمكانية تحقيقها عبر الحوار والتسوية السلمية.

حق الكرد في تقرير مصيرهم

وأضاف أن موقفه المؤيّد للحقّ الكردي على طول الخط ليس هبةً أو مكرمةً، بل إقرار بواقع أليم، عانى منه هذا الشعب طيلة عقود من الزمن، مشيراً إلى أن الكرد من الأمم الكبرى في المنطقة، على مر التاريخ، ولكنهم الأمّة الوحيدة المحرومة من التمتع بحقها في إقامة دولة مستقلة.

وشدد عبد الحسين شعبان على أن قضية الشعب الكردي وحقّه في تقرير مصيره ليست محل مساومة أو صفقة؛ فهو حق ثابت وغير قابل للتنازل أو التصرف، ولكن يمكن أن يتم التعبير عنه بصيغ وأشكال مناسبة وملموسة في الظرف الملموس، استجابةً لمصالحه ومصالح الأمة الكردية من جهة، وكذلك لمصالح شركائه في دول الإقليم من جهة أخرى.

العلاقات العربية – الكردية

وتطرق اللقاء مع عبد الحسين شعبان إلى ملف العلاقات العربية – الكردية، ومن المعروف أنه على مدار 5 عقود كان صاحب مبادرات عديدة فيما يخص تعزيز العلاقات بين الشعبين الكردي والعربي، حيث أوضح أنه من خلال مسيرته تلمّس معاناة الشعب الكردي، ولذلك أصبح الدفاع عن حقوق الإنسان جزءًا لا يتجزأ من نضاله الحقوقي والفكري، فيؤكد أنه مثلما كرّس جزءًا من كفاحه للدفاع عن حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وضد نهج إسرائيل العنصري الإقصائي الإجلائي، فقد وقف مع شعب كردستان في أقطاره المختلفة دفاعاً عن قيم سامية يؤمن بها.

ودعا المفكر الكبير إلى تعزيز الثقة المتبادلة على أساس حسن الجوار والسلام والتسامح والمصالح المشتركة، محذراً من مخاطر الاعتماد على القوى الخارجية، وما تضمره من شرور للشعب الكردي ولشعوب المنطقة كافة؛ إذ قال إن ما تؤكده التجربة التاريخية المريرة، فهذه القوى لها مصالحها الخاصة ورؤيتها المختلفة عن طبيعة الصراع في المنطقة، مشيراً إلى أنه إذا كانت الأمم العربية والفارسية والتركية لها دول وتحظى باعتراف دولي، فالكرد هم من الأمم الكبرى في المنطقة (ما يزيد عن 40 مليون نسمة) الوحيدة المحرومة من التمتع بحقها في إقامة دولة.

وحول الموقف العربي من مبادرة القائد أوجلان، قال عبد الحسين شعبان إن الغالبية الساحقة من النخب العربية والكردية أيّدتها، وهي بالأساس كانت تتمنى حلاً سلمياً للقضية الكردية التي استنزفت دول المنطقة، وبدّدت الكثير من مواردها على الحروب والنزاعات المسلحة، لافتاً إلى أن هذه النخب أدركت مثل العديد من النخب الكردية، سواء داخل السلطة أم خارجها، أن الحل العسكري والعنفي لا يؤدي إلى تسوية سياسية عادلة للقضية الكردية، وهو ما بيّنته التجربة التاريخية.

وأعرب كذلك عن اعتقاده أن العرب والكرد وجيرانهم بحاجة إلى إعادة ترميم العلاقة بينهما وتنقية الذاكرة مما علق بها من آلام وأحزان؛ بوضع حد للاستعلاء القومي ومحاولات التسيُّد وفرض الهيمنة من جانب الحكومات والقوى المتسبّدة، ومن ضيق الأفق القومي والانعزالية والرهان على الخارج من جانب بعض القيادات الكردية، مشيراً إلى أن تلك كانت خلاصة تجربة الزعيم الكردي الكبير الملا مصطفى البارزاني بعد تجربته المريرة بخذلانه من قبل واشنطن وطهران.

———–

نقلاً عن مجلة كردستان (القاهرة)، العدد 23، آب/ أغسطس 2025.