المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

عبد الله أوجلان: الفيلسوف الأسير وحلم الإنسانية الحرة

20

للمبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان، بقلم الباحث في الشؤون الكوردية عبد عيسى

في زمن يضج بالخراب والحروب والهيمنة الاقتصادية، برز عبد الله أوجلان باعتباره أكثر من قائد سياسي، بل كصوت فلسفي عالمي حمل رؤية تتخطى حدود القضية الكردية لتطرح أسئلة جوهرية حول معنى الحرية والعدالة والمجتمع. لم يكن اختطافه عام 1999 نهاية لمسيرته، بل بداية لمرحلة جديدة جعلت من سجنه منارة للفكر وإعادة النظر في مصير الإنسان والطبيعة.

الحرية كمسؤولية أخلاقية

لا يرى المفكر أوجلان الحرية مجرد حق فردي ينتزع، بل مسؤولية تبنى على أسس أخلاقية. بالنسبة له، الإنسان لا يتحرر إلا بقدر ما يتحرر مجتمعه من الاستبداد والتمييز والاستغلال. الحرية في فكره ليست غياب القيود فقط، بل هي حالة من التوازن بين الفرد والجماعة، بين المرأة والرجل، وبين الإنسان والطبيعة.

المكانة المركزية للمرأة

يضع أوجلان المرأة في قلب مشروعه التحرري. فهو يعتبر أن كل حضارة قامت على تهميش المرأة تحولت بالضرورة إلى حضارة عنف واستبداد. لذلك يرى أن نهضة المجتمع تبدأ من استعادة المرأة لدورها الطبيعي في القيادة والحياة. من هنا نشأت رؤيته بأن تحرر المرأة ليس قضية ثانوية، بل جوهر كل ثورة إنسانية حقيقية.

السياسة من القاعدة إلى الهرم

في مواجهة الدولة القومية التي تراكم السلطة وتحتكر القرار، طرح الباحث أوجلان بديلاً يقوم على ما سماه الديمقراطية القاعدية، حيث تنشأ السياسة من الكومونات والمجالس الشعبية، لا من الأبراج السلطوية. بهذا التصور، تتحول السلطة من أداة هيمنة إلى فضاء تشاركي يتيح لكل فرد أن يكون فاعلاً في تقرير مصيره ومصير محيطه.

العلاقة مع الطبيعة

في فكر الفيلسوف أوجلان، الطبيعة ليست مجرد مورد اقتصادي بل كيان حي يستحق الاحترام. التدمير البيئي بالنسبة له انعكاس لطغيان الرأسمالية على كل ما هو حي، ومقاومته جزء من النضال من أجل العدالة. لذلك فإن أي مشروع تحرري يجب أن يتبنى بعداً بيئياً يحفظ التوازن بين الإنسان والأرض.

السجن ونتاج المختبر الفكري

على الرغم من العزلة القاسية التي يعيشها، استطاع العالم أوجلان تحويل السجن إلى مختبر لإنتاج فلسفة متكاملة. من هناك كتب أعماله الكبرى التي أعادت صياغة معنى المقاومة، ونقلت قضيته من حدود السياسة الضيقة إلى فضاء الفكر الإنساني العالمي. لقد حول سجنه إلى رمزاً لقدرة الفكرة على تخطي الجدران والأسلاك.

إرث إنساني مفتوح

لا يقتصر إرث المفكر والفيلسوف عبد الله أوجلان على القضية الكوردية وحدها، بل يمتد إلى كل الشعوب الباحثة عن بدائل للظلم والاستبداد. مشروعه يقوم على المساواة، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية المباشرة، والانسجام مع الطبيعة. إنها رؤية تسعى إلى إعادة الاعتبار للإنسان، وتمنحه أفقا جديداً لبناء عالم أقل عنفاً وأكثر إنصافاً.

وأنا أحلم بلقاء القائد والمفكر الإنساني عبد الله أوجلان، ذلك الصوت الذي لم تخمده الجدران ولا العزلة. وأتمنى أن يتحول سجن إمرالي يوماً ما إلى متحف للتاريخ، يحمل ذاكرة النضال بدلاً من قيود الحديد، وأن تزين أبوابه بالزهور الملونة كما تتزين قلوب شعوب المنطقة بأمل الأخوة والسلام. يومها، لن يكون هناك مكان للحروب، بل لعناق إنساني يجمعنا تحت راية العدالة والحرية.