المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

سوريا المستقبل من نموذج الاستعمار إلى أمة التحرر: المرأة أساس

108
الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: صورة-واتساب-بتاريخ-1446-09-18-في-14.29.51_755fea77.jpg

ان الأزمة في الشرق الأوسط جوهرها لا ينفصل عن أزمة نموذج الدولة-الأمة ذي الطابع المركزي الأحادي الذي يقمع التعددية وينفي الحقوق الأساسية للشعوب والمجتمعات المتعايشة وهو نموذج منتج دائم لكافة أشكال العنف والاستبداد وهذا النموذج حقيقة هو من صنع الحقبة الاستعمارية وهو إرث مباشر للأستعمار والذي صنعه لأجل تبرير التدخل في شؤون المنطقة فحقيقة ان الصراع العربي الإسرائيلي الذي تجذر في وعد بلفور والسياسات الاستعمارية البريطانية يعتبر من اعقد الصراعات في العالم وأكثرها دموية وايضا الصراعات بين الدول العربية كما في حالة غزو العراق للكويت والصراعات على الحدود بين العديد من الدول والتي تعكس إشكاليات الحدود المصطنعة والصراع على الهوية والسلطة والصراعات الطائفية والعرقية…… هذه النماذج السياسية المفروضة حقيقة أنتجت دولا هشة ذات هويات مصطنعة مما عزز دائرة العنف وأعاق بناء أنظمة سياسية مستقرة قائمة على المواطنة الحقيقية والتعددية ومن هذه الدول سوريا فحقيقة ان ما تواجهه سوريا مابعد المرحلة التي تلت إسقاط نظام الاسد الاجرامي ليست مشكلة أفراد أو جماعات بل هي مشكلة طريقة التفكير ذاتها فالنظام السابق بنى الدولة على فكرة المركز الواحد الذي يسيطر على كل شيء السياسة، الاقتصاد، الثقافة، وحتى الحق في الرأي. هذه الفكرة حقيقة لم تختف بإسقاط النظام بل بقيت عالقة في أذهان الناس وفي طريقة عمل المؤسسات فما يحصل الآن هو أن الجماعة التي حصلت على القوة و السلطة تحولت إلى مركز جديد يحاول السيطرة وفرض رأيه على الآخرين تماما كما كان يفعل النظام السابق وهذا يؤدي إلى المكابرة والاستعلاء أي أن كل طرف يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن الآخرين على خطأ وأيضا يؤدي إلى الشحن العاطفي وبذلك يتم استغلاف مشاعر الناس بالخوف والكراهية للطرف الآخر بدلا من مخاطبة عقولهم وأيضا غياب المساواة والكرامة فحقيقة كل طرف ينظر إلى الآخر المختلف ليس كشريك في الوطن بل كمنافس أو عدو يجب إخضاعه الحل يتطلب تغيير عقلية الدولة بعقلية الأمة الديمقراطية فالحل لا يكمن في استبدال نظام استبدادي بنظام ديمقراطي مركزي جديد لأن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تأتي من مركز واحد فالحل حقيقة هو تغيير طريقة تنظيم المجتمع نفسها وهذا يقوم على الديمقراطية المباشرة من القاعدة بدلا من الانتظار لسنوات لاختيار حاكم واحد بل يجب أن يبدأ الناس بإدارة شؤونهم اليومية بأنفسهم في أحيائهم وقراهم من خلال مجالس محلية وبلدية ففي هذه المجالس يكون لكل شخص صوت ويتم حل المشكلات عبر الحوار والتوافق بين جميع المكونات (العربية، الكردية،السريانية، الإسلامية( السنية،الدرزية،العلوية) ، المسيحية… إلخ) فحقيقة هنا تتحول الديمقراطية من مجرد انتخابات إلى أسلوب حياة يومي ، وايضا التركيز على دور المرأة فدورها ليس مجرد قضية بل هو شرط التحرر الأساسي للمجتمع بأسره فالمجتمع الذي يستعبد المرأة ويستغلها هو مجتمع مريض قائم على علاقات هيمنة واستغلال ستنتقل حتما إلى جميع مجالات الحياة الأخرى (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية). لذلك فإن محاربة استغلال المرأة والانحلال الأخلاقي ليس مجرد قانون عقابي بل هو ثورة ثقافية وأخلاقية شاملة تقوم على تفكيك عقلية التملك والهيمنة التي تعتبر المرأة ملكية أو جسدا يمكن استهلاكه وتجارته هذه العقلية هي نفسها التي تنتج الدكتاتور السياسي والاستغلال الاقتصادي ولذلك يجب بناء وعي مجتمعي جديد يرى في المرأة كيانا حرا مستقلا وأقدم مستعمرة يجب أن يتم تحريرها لأن تحريرها هو معيار تحرر المجتمع وأن يتم العمل على تمكينها اقتصاديا واجتماعيا فالمرأة المعيلة لذاتها اقتصاديا والمشاركة فعليا في إدارة المجتمع هي المرأة الأقدر على رفض الاستغلال والوقوف ضد أي شكل من أشكال الانحلال القسري وايضا ضرورة العمل على إنشاء تعاونيات ومشاريع اقتصادية تديرها النساء وتوفير التعليم والعمل لهن لضمان أنهن لسن مضطرات لبيع جسدهن أو كرامتهن من أجل البقاء وأن يكون للقيم الأخلاقية المجتمعية وزن أكبر من القوانين المفروضة من أعلى في سوريا المستقبل وأن تتبنى الحكومة السورية عقدا اجتماعيا أخلاقيا يرفض بشكل قاطع كل أشكال استغلال المرأة والاتجار بها ويعتبره خيانة للمجتمع والدين وقيمه والعمل على التمييز بوضوح بين التحرر الحقيقي للمرأة الذي يعني سيطرتها على جسدها ومصيرها وبين الانحلال المدبر الذي هو أداة للنظام المهيمن لإلهاء المجتمع وتفكيك روابطه وتحويل المرأة إلى سلعة فحقيقة العقلية التي تسمح باستغلال جسد المرأة وتسليعه هي نفس العقلية التي تسمح باستغلال عمال في مصنع أو قمع رأي مختلف أو احتلال أرض شعب آخر كلها تنبع من منطق واحد وهو منطق الهيمنة والتسلط والامتلاك فالمرأة هي أساس المجتمع الكياني والأخلاقي والثقافي هي التي تلد وتربي الأجيال وهي التي تنقل القيم واللغة والتاريخ لذلك أي ضرر يلحق بها هو ضرر يضرب المجتمع في الصميم وأي إصلاح لها هو إصلاح لجميع بنى المجتمع لأنه الشرط الأساسي لبناء مجتمع ديمقراطي حقيقي قائم على القيم الأخلاقية السليمة. حقيقة إن المشروع الديمقراطي الحقيقي لا يمكن أن يتم تطبيقه جزئيا لأنه إما أن يكون جذريا وشاملا وإما أن يتحول إلى ديكور يخفي استمرار الهياكل السلطوية القديمة بأسماء جديدة لذلك إنني أرى ان ما يجري في سوريا هو صراع بين ذهنيتين: ذهنية الدولة القديمة القائمة على الاحتكار والعنف الرمزي والمادي وذهنية تسعى للمشاركة والتضامن وتقاسم السلطة والثروة فعقلية النظام المركزي يرى أن يكون هناك مركز واحد يسيطر على الجميع والعقلية الجديدة ترى أن الوطن بيت كبير يتسع للجميع وترى بالتنوع قوة وبالاتفاق حماية حقيقة لا أحد يملك الحقيقة المطلقة وما نشهده من فوضى وصدامات هو أعراض ولادة جديدة صعبة، إنه صراع بين هاتين العقليتين والطريق نحو الاستقرار ليس باختيار مركز جديد أقوى بل يتطلب هدم النظام القديم ببناه الفكرية والسياسية والأمنية وبناء عقد اجتماعي جديد يعترف بالتعددية كأساس للدولة ويحول الاختلاف من سبب للصراع إلى مصدر لقوة المجتمع ويحقيق العيش المشترك الذي يحفظ كرامة الجميع وأمنهم ويحول دون إعادة إنتاج أزمات الماضي وهذا ليس مجرد تغيير سياسي بل هو ثورة على إرث الاستعمار وأنماط الحكم الاستبدادية التي كرست العنف والاستبداد فحقيقة هذه الرؤية تستدعي إعادة نظر جذرية في نموذج الحكم القائم والبحث عن أشكال جديدة تتجاوز الإرث الاستعماري وتستند إلى إرادة الشعوب وتاريخها وخصوصياتها الثقافية.
الأستاذ: أنس قاسم المرفوع