المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

ندوة بالقاهرة .. حزب العمال الكردستاني أدى دوره وأوجلان أدرك الحاجة إلى أدوات نضال جديدة

63

أشاد مثقفون، في ندوةٍ عُقدت في العاصمة المصرية القاهرة، بمبادرة القائد عبدالله أوجلان نحو السلام والمجتمع الديمقراطي، وبإدراكه أننا أمام مرحلة جديدة من النضال تتطلّب أدوات مختلفة.

نظّمت دار نفرتيتي للنشر والدراسات والترجمة في العاصمة المصرية القاهرة، مساء الخميس 4 أيلول، ندوة فكرية خُصصت لمناقشة التطورات الأخيرة في عملية السلام بتركيا. وتناولت الندوة بالتفصيل عدداً من المحاور، في مقدمتها مبادرة القائد عبدالله أوجلان من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي، إلى جانب نقاش حول جدوى استمرار النضال المسلح كخيار في المرحلة الراهنة، أو البحث عن بدائل أخرى لتحقيق السلام.

وقدّم الندوة المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكي المصري، فيما ضمّت المنصّة الرئيسية السفير شريف شاهين، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، إلى يمينه، والكاتب الصحفي الكبير إلهامي المليجي، منسّق المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان، إلى يساره.

عدالة القضية الكردية

وفي كلمته خلال تقديم الندوة، أكّد المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أنّ نضال القائد عبدالله أوجلان، سواء السياسي أو المسلّح، كان له تأثير واسع على كثير من الشعوب، الأمر الذي دفع إلى محاولات عديدة للارتباط بالقضية الكردية باعتبارها قضية عادلة، شأنها شأن القضية الفلسطينية.

وانتقد أمين عام الحزب الاشتراكي المصري الوضع القائم للقائد عبدالله أوجلان، واستمرار احتجازه في سجن إمرالي في ظل عزلة مشدّدة منذ أكثر من 25 عاماً، ومنعه من لقاء أسرته ورفاقه. منوّهاً إلى أن عملية اختطافه كانت معقّدة شاركت فيها أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والتركية والقبرصية والكينية والروسية، وذلك في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي.

ولفت إلى أن الندوة تركز على شقين، أولهما الوضع الحالي الذي تمر به القضية الكردية، وموضوع السلام والمجتمع الديمقراطي أو المبادرة التي أطلقها القائد عبدالله أوجلان، أما الشق الثاني فهو التساؤل حول خيار العمل المسلح في الوقت الحالي وما إذا كان لا يزال خياراً مناسباً. 

حتمية الحل السلمي

انتقلت الكلمة الأولى إلى السفير/ شريف شاهين مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي أعرب عن اعتزازه بقربه من القضية الكردية وانتمائه إليها، مشيراً إلى أنه من خلال عمله بوزارة الخارجية المصرية كان مطلعاً على الواقع الكردي، واستطاع تكوين رؤية تقوم على أن هذا المكوّن جزء رئيسي في المجتمعات التي يعيش فيها.

وأضاف أن حرمان تلك المجتمعات من المكون الكردي، يعني حرمانها من قدرات هائلة تساعدها على أن تتطور مستقبلاً. وانتقل إلى الحديث عن التطورات المرتبطة بمبادرة القائد أوجلان “دعوة السلام والمجتمع الديمقراطي”، التي أطلقها في 27 شباط، مقدماً نبذة تاريخية حول تأسيس حزب العمال الكردستاني بقيادة القائد آبو باعتباره من أبرز حركات التحرر الوطني في المنطقة، والذي كان يرفع شعارات النضال المسلح ضد الدولة التركية.

ولفت إلى أن اعتقال القائد عبدالله أوجلان واحتجازه في السجن لأكثر من 25 عاماً كان نافذة نحو إبداعات فكرية كبيرة مثل “مانفيستو الحضارة الديمقراطية”، ككتاب ضخم لخص فيه العديد من قضايا المنطقة وطرح حلولاً لبعضها، معتبراً أن هذه الرؤى ربما كانت دافعاً لدى بعض أحزاب المعارضة التركية للتعاطي الإيجابي مع القائد عبدالله أوجلان وبروح جديدة، لا سيما في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الدولة التركية في الفترة الأخيرة.

واعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن عملية التفاوض التي جرت في سجن إمرالي مع القائد آبو جاءت إدراكاً بأن الصراع المسلّح لا بد أن ينتهي في النهاية، إذ إن هذا الصراع كان يشكل عبئاً كبيراً على الدولة التركية. وأشار بذلك إلى اللقاءات التي أجراها وفد إمرالي مع القائد عبدالله أوجلان، وإلى قناعة بعض الأحزاب الرئيسية، مثل الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي، بالعمل على إنهاء مرحلة الصدام المسلّح مع المكوّن الكردي، والاتجاه نحو مسار السلام.

جدوى النضال المسلح في زمن الأمة الديمقراطية

وتحت عنوان “ما بعد الرصاص .. جدوى النضال المسلح في زمن الأمة الديمقراطية” كانت كلمة الكاتب الصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان، وقد استهلها بالحديث عن سؤال وصفه بـ”القديم الجديد” وهو: “هل ما زال النضال المسلح وسيلة مناسبة لانتزاع الحقوق، خاصة بالنسبة للأعراق والإثنيات المضطهدة في منطقتنا؟”، منوهاً إلى أنه سؤال يتردد منذ عقود، لكنه يكتسب راهنية مضاعفة مع مبادرة القائد آبو وفلسفة الأمة الديمقراطية.

وقال المليجي إن النضال المسلح ارتبط تاريخياً بصفحات مشرقة من كفاح الشعوب ضد الاستعمار والاستبداد، من الجزائر إلى فيتنام، ومن جنوب أفريقيا إلى نيكاراغوا. وأشار إلى أن التجربة الكردية نفسها شهدت حمل السلاح كردّ طبيعي على محاولات الإنكار والإبادة، لكن، رغم التضحيات الجسيمة، لم يقدّم السلاح وحده الحل الجذري، بل غالباً ما تحوّل إلى دائرة استنزاف طويلة الأمد.

وأضاف أنه هنا يبرز صوت القائد عبدالله أوجلان، وهو يراجع التجربة ويقترح بديلاً آخر. ففي سجنه الانفرادي، قدّم رؤية تقوم على أن المواجهة المسلحة، رغم مشروعيتها الأخلاقية في وجه الظلم، ليست كافية لتحقيق التغيير المنشود؛ فالسلاح قد يوقف تقدم العدو لحظة، لكنه لا يبني سلاماً دائماً ولا يعيد تشكيل المجتمع على أسس عادلة. ولهذا دعا القائد عبدالله أوجلان إلى مفهوم الأمة الديمقراطية: مشروع تعايش يفتح المجال أمام المكونات كافة لتكون شريكة في الحكم، من خلال الإدارة الذاتية، والمجالس المحلية، والسياسة القاعدية.

ولفت منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان إلى أن النموذج الأوضح على الأرض هو ما نشهده في شمال وشرق سوريا. هناك، لم يختفِ السلاح، لكنه تراجع ليصبح وسيلة دفاعية فقط، بينما انتقلت القيادة إلى مؤسسات مدنية: مجالس محلية تضم الكرد والعرب والسريان، نظام رئاسة مشتركة يضمن حضور المرأة، وإدارة ذاتية تسعى لترسيخ التعددية بدل الصهر القسري. وبهذا المعنى، السلاح صار أداة حماية، لا غاية بذاتها، حسب تأكيده.

ثم يوضح المليجي أن ما يطرحه القائد عبدالله أوجلان لا يُلغي مشروعية المقاومة المسلحة حين تفرضها الظروف، لكنه يحذّر من تحويلها إلى استراتيجية وحيدة؛ فالدولة القومية في منطقتنا، بطابعها الإقصائي، تستطيع أن تبرّر بطشها كلما استُخدم السلاح ضدها. أما البديل، فهو فتح مساحات للنضال الديمقراطي، أي بناء التحالفات المجتمعية، وصياغة عقد اجتماعي جديد، وتحويل فكرة الدولة من مركز قمع إلى فضاء تشاركي.

ويقول أيضاً في هذا السياق: “لسنا هنا لنحاكم الماضي، بل لنستشرف المستقبل. التاريخ قد أثبت أن البنادق وحدها لا تصنع العدالة. العدالة تحتاج إلى مشروع جامع، يحمي التنوع بدلاً أن يلغيه. لذلك فإن جدوى النضال اليوم تكمن في المزاوجة بين المقاومة والديمقراطية: مقاومة تدافع عن الحقوق، وديمقراطية تؤسس لسلام مستدام”.

وفي ختام حديثه، قال إلهامي المليجي إن السؤال الذي يجب أن نطرحه ليس فقط: هل ما زال السلاح مجدياً؟ بل: كيف نجعل النضال أكثر حكمة وإنسانية؟، كيف نحول التضحيات العظيمة إلى عقد اجتماعي جديد، يضمن الحرية والمساواة لكل الشعوب؟، مشدداً على أن “ذلك هو جوهر مبادرة أوجلان، وذلك هو التحدي الذي ينتظرنا جميعاً”.

مرحلة جديدة بأدوات جديدة

عقب ذلك، جرى الاستماع إلى مداخلات من بعض الحضور، الذين أكدوا أن النضال المسلح لحزب العمال الكردستاني أثبت وجود الشعب الكردي، وأن هذا المكوّن قادر على المشاركة في العملية السياسية. وأشاروا إلى أن الحزب قد أدّى دوره في مرحلة معيّنة وانتهى دوره، منوهين إلى أن إصرار الكرد على استخدام نفس الأدوات قد يهدّد المكتسبات التي حققوها، وبالتالي، كان لا بدّ من تكون هناك أدوات جديدة، وهو ما أدركه القائد عبدالله أوجلان.

وأكدوا أيضاً أن القائد عبدالله أوجلان قدّم العديد من المقترحات التي تجعل المكوّن الكردي قائداً لعملية التحول الديمقراطي، مشيرين إلى أنه في هذا السياق طرح مصطلح “الاندماج الديمقراطي”، أي الاندماج في الدولة التي يعيش فيها مع الحفاظ على هويته وخصوصيته الثقافية وحقّه في إدارة مناطقه، إلى جانب حقه في الحماية الذاتية أو الدفاع الذاتي.

وأوضحوا أن التخلي عن إقامة دولة قومية للكرد عبر العمل المسلّح، كان أمراً صائباً، لكن هذ لا يعني حرمان المجتمع من حقه في حماية ذاته، بل يجب أن يكفل الدستور هذا الحق من خلال النقاش والحوار. ومن هذا المنطلق، جاء تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح كنوع من إثبات صدق النية وإبداء الاستعداد للمضي قدماً نحو مراحل أكثر تقدّماً.