من قفزة 15 آب إلى نداء السلام .. استمرار مسار النضال الكردي
في مسار التاريخ الكردي، تتقاطع لحظات الشجاعة مع رؤى السلام، لتشكل قفزة 15 آب ونداء السلام للقائد عبدالله أوجلان لوحة نضال نحو الحرية واستعادة الكرامة للشعب الكردي.

في ذاكرة النضال الكردي بل ونضال شعوب المنطقة، تمثل قفزة 15 آب لحظة تحول استراتيجية، إذ لم تكن مجرد عملية عسكرية أطلقها القائد عبدالله أوجلان عام 1984، بل إعلاناً عن دخول الشعب الكردي مرحلة جديدة من الوعي والتنظيم والمقاومة. فقد كسرت تلك اللحظة جدار الصمت المفروض على القضية الكردية، وأكدت أن إرادة الشعوب لا يمكن إخضاعها بالقوة أو التهميش.
ومنذ ذلك اليوم، تبلور خط نضالي واضح، يوازن بين الدفاع المشروع عن الحقوق والسعي نحو حلول سياسية عادلة. هو مسار وجد امتداده الفكري والسياسي والسلمي في نداء السلام الذي أطلقه القائد الأسير في 27 فبراير/شباط، الداعي إلى بناء مجتمع ديمقراطي يضمن التعايش والحرية لكافة مكونات الشرق الأوسط، بعيداً عن القمع القومي أو الهيمنة العسكرية.
ثورة انبعاث
إن قفزة 15 آب كانت بمثابة الجسر الذي عبرت من خلاله الحركة الكردية من مرحلة المقاومة الوجودية إلى مشروع شامل يطرح بدائل واقعية للسلام. لقد ربط القائد آبو بين شجاعة ذلك اليوم التاريخي وحكمة الحوار السياسي، مؤكداً أن النضال العسكري ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخلق مجتمع ديمقراطي يشارك فيه الجميع على قدم المساواة.
“جاءت كرصاصة في صدر الظلام الكردي”، بتلك العبارة استهل صالح مسلم عضو الهيئة الرئاسية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري حديثه لوكالة فرات للأنباء (ANF) عن قفزة 15 آب ومعانيها ودلالاتها، مشيراً إلى ما وصفه بالظلام الذي كان يحيط بالمجتمع الكردي، الرسالة التي أطلقها عبدالله أوجلان على الظلام الكردي جعلهم يفكرون ويتمعنون في واقعهم المذر، الذي عاشوه عبر التاريخ.
وأضاف أن القفزة كانت بمثابة رسالة للأعداء أن هناك شعباً يريد أن ينطلق نحو حريته، ولا يقبل الواقع المفروض عليه، كما أنها كانت انطلاقة لتأسيس أول جيش أو حركة تدافع عن الشعب الكردي، من هؤلاء الشباب الذين لجأوا إلى الجبال هرباً من بطش الدولة التركية، إذ كان يمنع عليهم لغتهم وآدابهم، أي أي نشاط متعلق بالمجتمع الكردي، فقد هربوا إلى الجبال وانطلقوا لأول مرة نحو قواعد الأعداء في حركة الدفاع المشروع عن النفس في كردستان، وليدمروا تلك المواقع التي تحكمت في رقاب الشعب الكردي.
ويؤكد السياسي الكردي السوري البارز أن “انطلاقة 15 آب كانت ثورة الانبعاث بالنسبة للشعب الكردي، وكذلك للعالم ليلتفت إلى هذا الشعب الذي جرى إهماله على مدى التاريخ، ولأعداء الكرد يقول لهم إنكم تماديتم في ظلمكم على هذا الشعب”، مشدداً على أنها ثورة ألقت بتأثيرها على جميع المنطقة، والشعوب التي تعيش فيها تدرك مدى أهميتها، وأن الشعب الكردي جزء من معادلة الشرق الأوسط، ودونه يصبح أي حل مستحيلاً.
خط النضال متصل
وبين البندقية التي حملت رسالة الكرامة في 15 آب، والكلمات التي أطلقها القائد عبدالله أوجلان للسلام، يتجسد خط نضالي متصل، يؤمن بأن تحقيق الحرية الحقيقية يمر عبر مزيج من الصمود الميداني والرؤية السياسية التي تحتضن كل الشعوب، ومرة أخرى يثبت القائد أن العمل العسكري لم يكن استراتيجية مرغوبة في حد ذاتها بقدر ما أن الهدف هو إتاحة الفرصة أمام مسارات سياسية سلمية تسترد بها الشعوب المقهورة حقوقها، وتجد لها مكاناً على طاولة التفاوض.
يقول الكاتب الصحفي إلهامي المليجي منسق المبادرة العربية لحرية القائد عبدالله أوجلان إن الذكرى السنوية لقفزة 15 آب، التي أطلقها القائد عام 1984، نستذكر معها اللحظة التي تحوّل فيها الكفاح الكردي من صرخة مكبوتة إلى ثورة مسلحة دفاعاً عن الوجود والحقوق، مؤكداً أن تلك الخطوة لم تكن مجرد رد فعل على القمع، بل كانت بداية مسار طويل من النضال المتعدد الأشكال، الذي تطوّر من المقاومة العسكرية إلى النضال السياسي والثقافي والدبلوماسي.

وأضاف، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن “اليوم، بينما نواجه تحديات جديدة، يتحوّل النضال الكردي من ساحات المعارك إلى ساحات الفكر والحوار، حيث يصبح نداء السلام هو العنوان الأبرز. فكما كانت المقاومة المسلحة ضرورة في زمنها، أصبح السلام اليوم خياراً استراتيجياً لضمان مستقبل الأجيال القادمة”، مشدداً على أن القضية الكردية، بكل تعقيداتها، تثبت أن النضال ليس مساراً واحداً، بل نهر متدفق يجمع بين المقاومة والتفاوض، وبين الصمود والإبداع.
واختتم منسق المبادرة العربية لحرية القائد أوجلان بقوله: “من جبال كردستان إلى منابر السياسة الدولية، يبقى الهدف واحداً: الحرية والعدالة. فالنضال الكردي، بكل أشكاله، هو درس في التكيّف والاستمرارية، وإثبات أن كل مرحلة تُكمّل ما قبلها، وأن السلام هو الوجه الآخر للمقاومة”.
في الواقع إن قفزة 15 آب بما حملته من إرادة وتضحيات، ونداء القائد عبدالله أوجلان للسلام بما يتضمنه من رؤية للتعايش الديمقراطي، يشكلان فرصة تاريخية لتجاوز الصراعات. وعلى النظام التركي أن يتعاطى إيجابياً مع هذا النداء، وأن يستلهم من دروس القفزة معاني الشجاعة والبحث عن حلول عادلة، فالمستقبل الآمن والمستقر لا يُبنى إلا على أسس الاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق ال