المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

الكاتب السياسي السوري.المهندس محمد عيسى

202

لا شك في أنّ الإمعان في قضية تقييد حرية القائد أوجلان ، وإبقائه رهين سجنه ، هو واحدة من الموبقات الكبيرة التي تُرتكب اليوم بحق الحضارة الإنسانية ، فهي تطال واحداً من أهم رموزها ، ونظراً لحجم المساهمات التي قدّمها ، ومايزال يقدّمها في سبيل إغناء وتصحيح مساراتها ، وذلك من خلال المجهود الإبداعي الفكري والذي تجسّد في أكثر من ثلاثمئة مؤلّف ، وبما يفوق الأربعين ألف صفحة من صفحات البحث والتنظير ، ناهيك عن وضع الضوابط والقواعد اللازمة لبناءحضارة ديمقراطية عادلة ، وليس هذا وحسب ، بل تتسلل اهتماماته و همومه إلى أعماق مستقبل الإنسان على هذه المعمورة ، فهو بفلسفته العميقة والشاملة ، يضيف احتساباً أيكولوجيّاّ ، لم يسبقه إليه أحد في أيّ بحث ، أو نشاط اقتصادي أو صناعي ، أو بحث علمي ، وعلى نفس الوتيرة من الأهمية يأتي تعمّقه الفلسفي في تناوله قضية استلاب حريّة المرأة ، و طرق البحث عن السبل والطرق الكفيلة لعودتها إلى موقعها الطبيعي ، كطرف أساسي في إحياء الحياة واستمراريتها ، و الحرص الشديد على ديمومة السلم والاستقرار في دورة الحياة ، و بقاء الحضارة الإنسانيّة حيّة على وجه الكرة الأرضيّة ، فالفيلسوف أوجلان ، و بكلّ أبحاثه ، وجهوده التي لا تُخفى عن أحد ، هو النصير الأوّل للمرأة ، فهو الذي أظهر للعيان بأنّ الحضارة الذكورية الهرمية الدولتية قد بدأت بسلعنة المراة ، وبتصييرها إلى ممتلكات الرجل الذكر الماكر ، ابتداءً من الحلقة الصغرى و المتمثّلة بالأسرة ، وانتهاءً بالدولة الهرميّة الأبويّة .
وبناءً على ذلك ، تُعتبر الأوجلانيّة هي الفلسفة الأكثر انحيازاً إلى صف المرأة ، و لا سيما عندما يوضّح المفكر أوجلان قناعته حول الحرية ، بمقولته الشهيرة : ( الوطن الحر ، يعني امرأة حرة ، المرأة أول مستعمرة في التاريخ ، وسنعمل لجعلها آخر مستعمرة ) ، وهذا ما يدفعنا إلى تشكيل مهماز لحركات المرأة في كلّ أصقاع الأرض ، وإلى الانتفاضة والاحتجاج سعياً لتحقيق حرية ملهم حركة المرأة ، ودليل مسيرتها نحو حياة تشاركية متكافئة وحرة .
وعلى ضوء ما سبق ، نجد أنّ حريّة المفكر والقائد أوجلان ، هي مسألة تعني طيفاً واسعاّ من البشر ، وتعني جميع المعنيين بإنتاج فكرة الحضارة، وفكرة الحرية والكرامة الإنسانية ، والمعتدون بالأمس و اليوم على هذه الحرية ، هم في موقع من يعتدي على الحضارة والذوق والأخلاق وروح الإبداع ، إنّها جريمة تشبه الخيال عند تقدير خطورتها لمن يستوعب النشاط الأوجلاني في خدمة قضايا الشعوب والإنسان ، وللوقوف على حجم هذه الخطيئة اللعنة ، نجد أنّ الدول المتآمرة ، والمتعاونة في تنفيذخيوط مؤامرة العصر ، وفي اعتقالها لشخص أوجلان ، قد أقدمت على اعتقال شخصية تجاري شخصيّة شكسبير ، أو فولتير ، أو هيغل ، أو ماركس ، وربما تضاهيها ، وهذه المقارنة هي جد منطقية ، و يجب أن يضعها كلّ مراقب أو متابع في الحسبان .
وانطلاقاً من كل تلك المعطيات والمعاني ، فقد وُجب على كلّ المعنيين بقضايا العقل والعلم والمعرفة والفن والأخلاق ، التوقيع على عريضة تُقدّم إلى حكومات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ، لتبنيها كقضية دولية تهمّ البشريّة جمعاء .
وعليه ، نستطيع الجزم ، بأنّ الجريمة التركية المستمرة منذ ربع قرن من الزمن ، لايمكن النظر إليها على أنّها جريمة سياسية أو أخلاقيّة تقليديّة ، و من النوع الذي يحصل في حياة الدول و النظم السياسيّة ، بل هي جريمة العصر بكل ما تحمله الكلمة من معان ، وجريمة بحق الحضارة ، وباستمرارها حتى الآن تصبح من الجرائم التي تعني كلّ الدول وكل المجتمعات في العالم ، ويتوجب على الإعلاميين الشرفاء والعاملين بحقل البحث والثقافة والمنظمات النسائية ، والحركات المعنيّة بالبيئة ، تحويل الواقعة إلى قضية وطنية أولى في الدول الديمقراطية ، والحداثوية التي يحظى فيها المجتمع المدني بنفوذ واضح ، وكمسالة إنسانيّة وحقوقيّة أخلاقيّة مطروحة على جدول أعمال برلمانات هذه الدول ، و أنا من جهتي – كأحد المهتمين بعظمة هذا المفكر المناضل – أقترح أن نبدأ بأنفسنا وبمنظماتنا وحركاتنا النقابية والمجتمعية ، و بإدراج تحيّة ((الحرية .للقائد)) ، بدلاً من التحية الصباحيّة أو المسائيّة ، وفي أثناء تحية العلم ، وإدراحها كشعار وطني وأسلوب المخاطبة الأوحد ، إلى أن يتم الإفراج عنه ، وتتحقق حريّته الجسديّة .