القائد يعزز مسار السلام ويضع النظام التركي أمام مسؤولية تاريخية
حتى لو ظل النظام التركي يسير ببطء في استجابته، لا يزال القائد عبدالله أوجلان يؤمن بالسلام، ويفعل كل ما يمكن لتعزيز هذا المسار.

أطلق القائد عبدالله أوجلان من سجن إمرالي، أمس الأربعاء، دعوة يبرز فيها تحول نوعي في الخطاب السياسي الكردي، حيث دعا آبو بشكل واضح إلى إنهاء الكفاح المسلح والانتقال إلى مسار ديمقراطي وقانوني، يكون فيه تسليم السلاح طوعاً، بإشراف لجنة برلمانية شرعية، وتحت مظلة القانون.
هذه الرسالة لا تمثل فقط مراجعة نقدية للتجربة النضالية التي قادها أوجلان لعقود، بل تفتح أيضاً نافذة جديدة نحو السلام الداخلي في تركيا، بعد سنوات من الصراع والنزيف المجتمعي. الرسالة أكدت أن أهداف المرحلة السابقة قد تحققت، وفي مقدمتها اعتراف الدولة التركية بالهوية الكردية، وهو ما كان يمثل أحد المطالب التاريخية للحركة الكردية.
الحاجة إلى تحول جذري
وبناءً عليه، شدد أوجلان على أن المرحلة الجديدة تتطلب تحوّلاً جذرياً من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي المدني، انطلاقاً من مبدأ أن “الحرب وصلت إلى نهايتها”، وأن الوقت قد حان لـ”فتح صفحة جديدة”، عنوانها الديمقراطية والمشاركة المجتمعية، ومن ثم فنحن أمام رسالة تتجاوز أهميتها مضمونها المباشر، إذ إنها تعيد تموضع القضية الكردية ضمن إطار سياسي سلمي، وتطرح نموذجاً للحل قائماً على الاعتراف المتبادل، والانخراط في الحياة السياسية دون شروط مسبقة أو وصم.
كذلك فإن دعوة القائد لتشكيل لجنة برلمانية تشرف على نزع السلاح، تمثل دعوة ذكية لتحويل الملف الأمني إلى مسار مؤسسي شفاف يخضع للرقابة والمساءلة، ما يسحب الذرائع من أيدي المتشددين في الطرفين، ويفتح الطريق أمام تطبيع شامل للحياة السياسية في المناطق ذات الأغلبية الكردية، كما أن الرسالة لها أيضاً أبعاداً إقليمية مهمة، لا سيما أن استمرار الصراع الكردي-التركي ينعكس سلباً على استقرار المنطقة برمتها، خاصة في ظل التداخل بين الملف الكردي في تركيا وسوريا والعراق.
تعليقاً على الرسالة يقول الدكتور نهاد القاضي الباحث السياسي والناشط الحقوقي، في تصريح هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن رسالة القائد تحمل في طياتها تأكيداً على أن الحروب لم تعد تجد نفعاً في لأي دولة أو شعب، وأن السلام هو الخطوة المهمة نحو إنعاش الشعوب وآمالهم، مشدداً على أن رسالة القائد تأتي في هذا السياق.
وأضاف القاضي أن ثورة حزب العمال الكردستاني بقيادة القائد أوجلان كان هدفها إنعاش الحياة للشعب الكردي وإعادته إليها بعد أن كانت غائبة، مؤكداً أن هذه الخطوة تحققت، والسلام كان أهم النقاط الاستراتيجية لهذه الثورة، مشيراً إلى أن آبو تحدث من منطلق بعيد تماماً عن الأفكار القومية التي تنزوي وتتراجع في العالم، والتي لن تحقق أبداً السلام.
النظام أمام مسؤولية تاريخية
إن رسالة القائد تضع النظام أمام مسؤولية تاريخية، وعليه فإن استجابة تركيا الإيجابية لهذه المبادرة من شأنها أن تخلق ديناميكية سلمية، وتدعم توجهاً إقليمياً نحو إنهاء النزاعات المزمنة، وتعزيز الحكم المحلي وحقوق المكونات ضمن إطار الدولة الوطنية. وفي المقابل، فإن تجاهل هذه المبادرة التاريخية أو قمعها قد يؤدي إلى عودة التصعيد العسكري، ويقوّض فرص الاستقرار السياسي والاجتماعي.

بدوره يقول المحلل السياسي الدكتور حكيم عبدالكريم، في تصريح هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن رسالة القائد أوجلان لها أهمية كبيرة، خاصة أنها تجاوزت الخطاب السياسي المحض نحو خطاب يعالج قضايا مجتمعية ليس في تركيا وحدها، بل في الشرق الأوسط ككل، كما أنه حملت تأكيداً جديداً وإثباتاً على حسن النوايا من قبل الطرف الكردي.
ويرى الدكتور حكيم عبدالكريم أن النظام التركي عليه أن يتحلى بالمسؤولية التاريخية، ويثبت هو الآخر حسن نواياه، ويتخذ إجراءات لبناء الثقة، والتي يأتي في مقدمتها تفعيل اللجنة البرلمانية للقيام بدورها في اتخاذ كل ما يلزم من خطوات دستورية وقانونية بشأن تسوية القضية الكردية، وأن يكون هناك دستور وقانون يعترف بحقوق جميع المكونات على الأراضي التركية.
وتأتي مساعي السلام من قبل القائد أوجلان في لحظة تُواجه فيها تركيا تحديات داخلية وخارجية معقّدة، تتطلب إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع التركي، على أسس من العدالة والمساواة. كما أن هذه الرسالة تجعل النظام التركي أمام اختبار بالغ الأهمية، فإما أن يتعامل مع النداء بروح تصالحية تسعى لإغلاق صفحة الصراع، أو أن يواصل إدارة الملف بمنطق أمني يُبقي جذوة العنف مشتعلة. كما أن المسار الذي ستسلكه أنقرة في هذا الظرف الحاسم، سيحدد شكل تركيا في السنوات القادمة: إما دولة تسع الجميع، أو نظام يواصل الدوران في حلقة مفرغة من القمع والتهميش.