“إذا امتلكنا قوات العالم كلها فلن نهاجم أحداً، وإذا اجتمعت قوات العالم كلها علينا فلن نستسلم”

مقالة بقلم السيدة: آمنة خضرو المتحدثة باسم المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان _ حلب.
حزب العمال الكوردستاني أيقونة السلام والمجتمع الديمقراطي…
“إذا وُلدتُ من جديد، فسوف أجعل القائد آبو أساساً لي مرةً أخرى.” بهذه الكلمات عبّر الرفيق جميل بايك عن ارتباطه الوجداني والفكري العميق بفلسفة القائد آبو. فبيد القائد وحده كان مفتاح الحل السياسي، الأول والأخير. ويتجلّى ذلك في قوله: “لقد حان وقت السلام، حان وقت الحرية.”
حزب العمال الكوردستاني (PKK)، بداية جديدة في مسار تاريخي شاق، وارتقاء نحو مكتسبات مشرفة: لقد تمّ إنجاز مرحلة الكفاح المسلح، والتوجّه الآن نحو التوافق السياسي الديمقراطي لحل القضية الكوردية بوعي استراتيجي ومسؤول. فحزب العمال الكوردستاني ليس مجرد جيش مسلح، وليس رقمًا محصورًا في نصف قرن من النضال، إنه ليس حزبًا كلاسيكيًا عاديًا، بل هو الرقم الصعب، هو منظومة الضمير الحي في قلب الوطن، والشهداء، والشعوب. إنه مفتاح السلام، وثيقة العقل الحر، وطموح العدالة من أجل نهضة كوردستانية تواجه سياسة الإنكار الممنهج.
من التمرد والانعتاق من قيود العبودية، إلى إشعال شرارة ثورة فكرية وثقافية منظّمة ومبدعة، ثورة وقفت بوجه عصور الجمود العقلي والسلوكي، في مواجهة ذهنية الإمبراطورية العثمانية، مرورًا بجمهورية أتاتورك، وصولًا إلى سلطة أردوغان القمعية. نداء القائد لعقد مؤتمر حزب العمال الكوردستاني ليس مجرّد لحظة تنظيمية، بل مفترقٌ استراتيجي لرسم ملامح شرق أوسط جديد، وخروجٌ تاريخي من مرحلة السلاح نحو أفق التوافق السياسي والديمقراطي.
لذا يمكننا القول: “إن بوصلةَ الحرية اليوم تشير مجدداً إلى صوت القائد… إلى السلام الحقيقي.”
رغم ظروف الأسر التي لا تزال مفروضة على القائد عبد الله أوجلان، فقد شهد الشرق الأوسط تطورات عميقة نتيجة تراكمات الصراع الإقليمي والدولي. وعلى خلاف سياق النمطية السابقة، جاء نداء القائد للسلام والمجتمع الديمقراطي كأحد المفاتيح الأساسية لفكفكة التعقيد الجيوسياسي، وبداية منعطف تاريخي جديد، يُحرّك تحالفات سياسية جديدة، تصيغها قوى كبرى بموازين إقليمية لإعادة رسم الخرائط تحت راية التسوية السياسية.
مؤتمر حزب العمال الكوردستاني المنعقد في (٥ – ٧ أيار) من العام الجاري، تزامن مع إعلان وقف إطلاق النار كخطوة ثانية لنداء القائد، هذا الإعلان فاجأ الكثير من المراقبين، لكن الأهم هو التبني الكامل لنداء القائد من قبل رفاقه، والشرط الأساسي بأن يُعقد المؤتمر بقيادته. هذه الخطوة أحدثت زخمًا واسعًا، وتصدرت أخبارها كل الصحف العالمية ومواقع التواصل، لأن هذه المرحلة لحظة فارقة في تاريخ كوردستان والعالم، بعد أربعة عقود من النضال، ومخاض ثورة فكرية – مجتمعية – سياسية – أخلاقية.
إن الذهنية التركية القائمة على النفي والإنكار أثبتت فشلها في الوصول إلى اشتراكية فكرية أو تعزيز ديمقراطية حقيقية بين الشعبين بشكل خاص وشعوب المنطقة عامةً. فالنضال المسلح فتح أبواباً للنضال السياسي كجزء لا يتجزأ من حركة التحرر، ولكن كل محاولات السلام تم صدها من قبل النظام التركي، بل زادت الزنزانات، وتوسعت وسائل القمع، وأصبحت السجون دليلًا على عصر الهيمنة، وتحدياً كبيراً لأصحاب الرأي.
حزب العمال الكوردستاني، بنى أرضية ثورية مسلحة نموذجاً لكل حركات التحرر الوطني، ولكن تعنّت السلطة التركية أطال أمد الأزمة، ولذلك جاء القرار التاريخي بحل الحزب، كما وصفه القائد، لإنهاء التكرار والانطلاق نحو أفق سياسي جديد، لكل المناطق الكوردستانية. وليست المرة الأولى، ففي (١٩٧٣م) وحتى (٢٠٠٠م)، أطلق الحزب العديد من المبادرات، وتطوّر في هيكليته نحو أحزاب كوردستانية متعددة، ومنظومة المجتمع الكوردستاني. فقد ميّز جوهر (PKK) في حسم القرار في اللحظة الديالكتيكية المناسبة. ففي المؤتمر الثاني عشر، الذي انعقد في مناطق الدفاع المشروع، تم الإعلان عن قرار الفسخ وترك السلاح، استجابةً لاقتراح القائد، انطلاقًا من نداء السلام، وتحويل الاتهامات الملفقة إلى فضيحة علنية لتاريخ تركيا الممتد من لوزان حتى اليوم. إنها رحلة دأب قدّمها القائد ورفاقه للمرحلة الجيوسياسية المقبلة. القائد، والنجوم الستة، أوقدوا ضمائرنا، وأناروا بصيرتنا. فكانوا الشرارة لثورة بروليتارية أنطولوجية، إيكولوجية الأبعاد، من أجل الكرامة والديمقراطية. ثورة حطّمت أوثان الرأسمالية بعقلها الجمعي، وانتفضت على الذهنيات الشوفينية، صحّحت مسار الميتافيزيقيا، حرّرت المرأة، كسرت القيود، نادت بأخوّة الشعوب، وقادتها نحو الأمة الديمقراطية. هم نُدرة العقل البشري، نجومنا المضيئة، كما عهدناهم. نصف قرن من النضال الفكري والسياسي والعسكري، يتوج اليوم بنداء السلام، واستعادة الحقوق المسلوبة، برمزية حزب العمال الكوردستاني، الرقم الصعب.
كل الشعوب اليوم بانتظار تحولات المرحلة القادمة، نعود ونستذكر من أقوال روّاد فضاء الفلسفة الأوجلانية… رفيق مراد كالكان: أدى حزب العمال الكوردستاني واجبه الإنساني التاريخي، ودخل القلوب، وسيسلّم الراية للنضال السياسي القادم من أجل القضية الكوردية. كوادره ستناضل من الآن فصاعداً لبناء مجتمع ديمقراطي، واشتراكية ديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم.
هفال جميل بايك: “إذا وُلدتُ من جديد، فسوف أجعل القائد آبو أساساً لي مرةً أخرى.” كلّنا نتضامن معك يا رفيق جميل، ولو وُلدنا ألف مرة، لكان القائد عبد الله أوجلان أساساً لنا كل مرة.
شكراً لكم… أنتم ضمير متقد في قلوب آلاف البشر. تحوّلاتكم أغنت القضية الكوردية والإنسانية جمعاء، علماً عملياً، وفلسفةً لحياة حرّة، ومعنى حقيقياً للوجود.
إذا امتلكنا قوات العالم كلها فلن نهاجم أحداً، وإذا اجتمعت قوات العالم كلها علينا فلن نستسلم… قائدي.
كل الحب والتقدير والاحترام.
الحرية لقائدنا العظيم.
الرحمة لشهدائنا الخالدين (علي حيدر قيتان، رضا آلتون)، وكل شهداء الحرية.