المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

القائد عبد الله أوجلان: الدولة القومية لا تحل القضايا بل تنتجها

117

يؤكد القائد عبد الله أوجلان أن الدولة القومية لا تحل القضايا بل تنتجها، وأوضح: “الإصرار على الدولة القومية يعني مزيداً من القضايا والتناحر والنزاع”.

القائد عبد الله أوجلان: الدولة القومية لا تحل القضايا بل تنتجها

على هدى الحروب وإثارة النزاعات واتباع سياسات القتل والتدمير والتهجير، حوّلت الصراعات المتفاقمة منطقة الشرق الأوسط إلى بركة للدماء يدفع ثمنها شعوبه، وفي ظل انسداد أفق للحل للحد من المقتلة المتفاقمة على أرض أصحاب الحضارات العريقة، قدم القائد عبد الله أوجلان أطروحات في المجلد الخامس “مانيفستو الحضارة الديمقراطية”، ومجلد “الدفاع عن الشعب” حل لهذا الصراع العصي، المستمر منذ 75 سنة. 

في المجلد الخامس تطرق القائد عبد الله أوجلان إلى أن الدولتين القوميتين الكردية والفلسطينية لن تجلبا الحل: “الإصرار على الدولة القومية يعني مزيداً من القضايا والتناحر والنزاع. وحتى لو أريد بناء دول قومية أخرى (كالدويلتين القوميتين الكردية والفلسطينية) فإنها لن تجلب الحل. بل ولن تؤدي سوى إلى إضافة قضايا جديدة. أما المزيد من الرأسمالية والصناعوية والذي سيطرح على أنه سبيل الحل؛ فلا يعني سوى مزيداً من الأزمات والبطالة والصراع ودمار البيئة واختلال المناخ.

إن منهجية الدولة القومية في الشرق الأوسط ليست منبع حل للقضايا الوطنية والاجتماعية الأساسية حسبما يزعم، بل إنها منبع تصعيد وتجذير وتفاقم وعقم هذه القضايا، ذلك أن الدولة القومية لا تحل القضايا بل تنتجها. بل وأبعد من ذلك فالنظام نفسه لا يقتصر على تأليب دول الشرق الأوسط على بعضها بعضاً بل أنه وسيلة لتأجيج النزاعات بين مجتمعاتها أيضاً إلى أن تخور قواها.

لن يستطيع أي مشروع إنقاذ الشرق الأوسط من أزماته الغائرة وقضاياه العالقة، أو تجنيبه الحروب والاشتباكات الدموية؛ ما لم يتخط منطق الدولة القومية، وعجزها عن أداء دور يتخطى تجذير القضايا الوطنية والاجتماعية داخل منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين الأخيرين إنما يؤيد هذه الحقيقة. وعليه، فهي تشكل العوائق الأيديولوجية والسياسية الأساسية أمام الكومونالية والوطنية الديمقراطية.

وفي المجلد الدفاع عن الشعب سلط القائد عبد الله أوجلان الضوء على تطور إسرائيل في أحضان العرب والذي أسفر عن تعزيز النعرات القوموية والدينية. وقال: “على الرغم من أن تطور إسرائيل في أحضان العرب قد أسفر حتى الآن عن تعزيز النعرات القوموية والدينية، إلا أنه شارف على عتبة إفراز تأثيرات مناقضة لذلك من الآن فصاعداً. لقد أدرك العالم أيضاً، وبكل يقين، استحالة حل الصراع العربي – الإسرائيلي المزمن عبر النعرات القوموية والدينية. لا يمكن اختراق هذا الانغلاق إلا بتخطي القيادة القوموية والدينية، وبروز مجموعة القواد الديمقراطيين. فالشروط الداخلية والخارجية على السواء تمنح الفرص الواسعة للميول المتجهة صوب الحل الديمقراطي، مثلما شوهد في مثال قبرص.

من أجل ذلك، سيدخل مشروع الشرق الأوسط الكبير حيز التنفيذ بمخططات ملموسة وموضَّحة أكثر. نخص بالذكر هنا الأهمية المُبداة لدمقرطة كل من المملكة العربية السعودية ومصر. في حين أن الدول العربية الأخرى الصغيرة بقيت مرغمة على الاهتمام بالديمقراطية، وكأنها تلقنت دروسها اللازمة من العراق. أما الرأي العام العالمي في الخارجي، وأشواق الموقف والسلوك الديمقراطي والمجتمع المشاعي – التي طالما تعرضت للقمع والتحريف على مر آلاف السنين – في الداخل؛ فهي على وشك الاستيقاظ والنهوض. لذا، من غير الوارد أن تقاوم الدول العربية الاستبدادية تجاه كلتا هاتين الظاهرتين مدة طويلة، أو ألا تعترف بإفساح الساحة اللازمة للديمقراطية. أما عَنْوَنَتُها بالمَلَكية أو الجمهورية، فلا أهمية زائدة لها بالنسبة للدمقرطة. فكلا الشكلين يجنحان إلى الاستبدادية. المهم هنا هو حساسيتها تجاه الديمقراطية، وانفتاحها أمام تحجيم الدولة.

وأكد القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس حول حل العصرانية الديمقراطية في أزمة الشرق الأوسط وأن الدولة القومية قطعت أوصال المجتمع البشري العالمي: “نظرية الأمة الديمقراطية هي عنصر الحل الرئيس في العصرانية الديمقراطية. ففيما عدا نظرية الأمة الديمقراطية، ما من نظرية اجتماعية قادرة على إعادة توحيد صفوف المجتمع البشري العالمي وإحيائه ضمن أجواء مفعمة بالحرية، بعدما قطعت نظرية الدولة القومية للحداثة الرأسمالية أوصاله كالقصاب.

إن النظريات الاجتماعية الأخرى لا تستطيع من حيث معناها أن تذهب أبعد من أداء دور هامشي إزاء القضايا الراهنة العالقة، أما النظريات الليبرالية الرأسمالية فغير قادرة على فعل شيء، عدا ما يشبه مداواة المريض بالسرطان البيولوجي بإعطائه أدوية لإطالة عمره؛ بدلاً من تأمين الشفاء العاجل للمجتمع من خلال حل الأمراض المزمنة والسرطانية التي سلطتها الرأسمالية على البشرية.

بمعنى آخر، فجميع الحلول التي تقترحها تلك النظريات، إنما تفاقم من القضايا وتطيل من عمر الحداثة الرأسمالية. والمتغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط خلال القرن الأخير، تؤكد صحة حكمنا هذا بأحسن صورة.

فمجتمع الشرق الأوسط الذي أنشأ حياة مؤطرة بتكامل ثقافي يمتد على مدى التاريخ، بل يعود إلى ما قبل عشرات آلاف السنين، قد قطعت أوصاله في غمار لهيب الحرب العالمية الأولى على يد قوى الحداثة الرأسمالية الأشبه بالقصاب؛ ليترك بعدها لإنصاف الوحوش المسماة بالدول القومية.

طريق الحل.. “اتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط”

الطريقُ الثاني أمام إسرائيل والشعبِ اليهوديّ، هو الخروجُ من الطوقِ المُحاصَرِ بالأعداءِ المتربصين، والانضمامُ إلى مشروعِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطيةِ في الشرقِ الأوسط”، واستلامُ زمامِ المبادرةِ الإيجابيةِ لتحقيقِ الانطلاقةِ بالتأسيسِ على ذلك. فبمقدورِ رأسِ المالِ الفكريِّ والماديّ، الذي تستندُ إليه إسرائيل، أنْ يؤديَ دوراً بالغَ الأهميةِ من أجلِ مشروعِ “اتحادِ الأممِ الديمقراطية”. إذ بوسعِها تعزيزُ شأنِها أكثر كأمةٍ ديمقراطية، وتعميمُ ذلك على نطاقٍ أرقى لاتحادِ الأممِ الديمقراطيةِ على صعيدِ الشرقِ الأوسط، مُحَقِّقةً بذلك الأمنَ واستتبابَ السلامِ المستدامِ الذي هي في مسيسِ الحاجةِ إليه.

القوموية تجذير الفوضى ـ الفصل الثالث الدفاع عن الشعب

لا يتحلى مصطلح الأمة والقومية بأية قيمة للحل الاجتماعي في راهننا. بل، وخلافاً لذلك، فهو يُصَعِّب الحلول ويعقدها بمواراته إياها تحت غطاء الأمة والقوموية. من المهم تعريف هذه الظاهرة والمصطلحات – التي لا يمتد ماضيها حتى قرن واحد فقط – ضمن واقعها هي. قد تفضي السلوكيات والمواقف السياسية والأيديولوجية المستندة إلى القومية أو الأمة بشكل بحت، إلى العديد من الأخطاء.

فالأدوار التي لعبتها القوميات البالغة إلى المرتبة الشوفينية، واضحة للعيان في الحروب المندلعة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. هذا ومنشور أمام العيان النتائج التي تقود إليها كافة القومويات عموماً في الشرق الأوسط، والقوموية العربية – الإسرائيلية على وجه التخصيص؛ وما تتسبب فيه من عقم وعمليات دموية وآلام جسيمة، بسبب استثمارها في مآرب سياسية. من المهم بمكان عدم اللجوء إطلاقاً إلى القوموية في السياسة والأنشطة الأيديولوجية، واستخدام ظاهرة “الأمة” كمادة أو عنصر أولي في حال مساهمتها في الحلول الاجتماعية، لا غير. وإلا، ففي حالة العكس، لن ينمّ الأمر عن نتائج، سوى تجذير الفوضى بسبب الاشتراطات الأيديولوجية (مثلما هي الحال في أوروبا) التي تتميز أصلاً بأرضية متينة في منطقة الشرق الأوسط.

كما تطرق القائد عبد الله أوجلان في الفصل الثالث لمجلد الدفاع عن الشعب إلى حل المشكلة العربية ـ الإسرائيلية: “حل المشكلة العربية ـ الإسرائيلية بنسبة كبيرة بتعزيز واستتباب الأمن والسلام والدمقرطة في المنطقة. والقول بحل القضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية أولاً، يحمل بين طياته ـ وعلى عكس ما يُظَن ـ مخاطر تأجيلها خمسين عاماً أخَرى، حيث تتوارى الدول العربية ومجتمعاتها التي لم تتدمقرط بعد في أرضية المشكلة. ستسرِّع دمقرطتها من إعداد شروط السلام للقضية الفلسطينية ـ الإسرائيلية.

في حالة العكس، فسيُزيد الصراعُ الفلسطيني ـ الإسرائيلي من تعزيز الذهنيةَ والبنى المتزمتة ـ البعيدة عن التطور الديمقراطي والحر والمتساوي ـ في كل من المجتمع العربي والدول العربية؛ تماماً مثلما عزَّزها حتى يومنا الراهن”.