المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

مقتطفات من تقييمات القائد عبد الله أوجلان عن دور تركيا في تأسيس إسرائيل

165

مع بدء الحرب بين حماس وإسرائيل، بدأ المسؤولون في الدولة التركية الفاشية بالتباكي على مآسي سكان غزة، لكن الدولة التركية الفاشية ساهمت بشكل رئيس في تأسيس إسرائيل كما يوضح القائد عبد الله أوجلان في تقييماته عن نشوء الدولة الإسرئيلية.

مقتطفات من تقييمات القائد عبد الله أوجلان عن دور تركيا في تأسيس إسرائيل

في الـ 7 من تشرين الأول الجاري، شنت حماس هجوماً على إسرائيل وتسببت بمقتل المئات من الجنود والمدنيين الإسرائيليين.

بالمقابل ردّت إسرائيل على هجوم حماس بهجوم واسع النطاق تسبب حتى الآن بمقتل وإصابة ما يزيد عن 12 ألف فلسطيني.

من جهتهم بدأ المسؤولون في الدولة التركية الفاشية بالتباكي على مآسي شعب غزة متناسين مجازرهم المتكررة بحق الكرد وتاريخ دولتهم التي مهّدت الأرضية لإنشاء إسرائيل.

فيما يلي مقتطفات من تقييمات القائد عبد الله أوجلان عن دور الدولة التركية الفاشية في تأسيس إسرائيل في الفصل السابع من مؤلّفه المعنون باسم “الـقـضـيـــة الـكـرديـــة وحل الأمة الديمقراطية دفاعاً عن الكرد المحصورين بين فكَّي الإبادة الثقافية”

“كانت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ آخِرَ ممثلٍ كبيرٍ للهيمنةِ الإسلامية. وانهارت بعد ستةِ قرونٍ حافلةٍ بالحروبِ ضد الهيمنةِ البيزنطيةِ ثم ضد الهيمنةِ الأوروبيةِ الصليبية، التي تزعَّمَتها أسرةُ هابسبورغ النمساوية؛ إضافةً إلى محاربتِها توسُّعَ روسيا القيصريةِ من الشمالِ نحو الجنوب، وتصدّيها أخيراً للهيمنةِ الإنكليزية. لقد قمنا مِراراً بتحليلِ الجمهوريةِ المُستَخرَجةِ من أنقاضِ الإمبراطورية. إذ يَخدَعون أنفسَهم أولئك الذين يُرجِعون دمارَ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ إلى تحالفِها مع ألمانيا. حيث كانت ستتبعثرُ حتى في حالِ انتصرَت ألمانيا. بالمستطاعِ عَزوُ تأسيسِ الجمهوريةِ التركيةِ أيضاً إلى تحالفِ القومويةِ الصهيونيةِ–اليهوديةِ مع البورجوازيةِ البيروقراطيةِ التركية، وإلى القضاءِ على الشعوبِ المسيحيةِ ثم على حلفائِها الشيوعيين، وكذلك القضاءِ على الإسلاميين القوميين والشركسِ والكرد. كانت قد وُضِعَت لبناتٌ أساسيةٌ على الدربِ المؤديةِ إلى نشوءِ إسرائيل في الشرقِ الأوسط، حصيلةَ هذا التحالفِ المُبرَمِ في كنفِ هيمنةِ إنكلترا. فكلُّ المؤشراتِ تربطُ صِغَرَ حجمِ الجمهوريةِ التركيةِ بإسرائيل البدئية. كما إنّ تصفيةَ الوجودِ الكرديِّ في شمالِ كردستان من جهة، والتوجُّهَ صوبَ إنشاءِ كيانٍ كرديٍّ سياسيٍّ صغيرٍ في جنوبِ كردستان من جهةٍ ثانية، هو على صِلَةٍ كثيبةٍ مع الدورِ المُناطِ بالجمهوريةِ كإسرائيل بدئية. فالظروفُ السائدةُ آنذاك قد فَرَضَت ذلك. إضافةً إلى أنّ انقسامَ العربِ إلى عددٍ كبيرٍ من الدويلاتِ القوميةِ أيضاً، متعلقٌ بنشوءِ إسرائيل. فضلاً عن دخولِ الدوَيلتَين القوميتَين الفلسطينيةِ والكرديةِ المُشادتَين حديثاً في راهننا ضمن إطارِ البرنامجِ عينِه.

إنّ الموقفَ الذي سلكَه الأتراكُ والكردُ بأداءِ دورِهم كعنصرَين رئيسيَّين في حربِ التحريرِ الوطنيةِ (1919–1922)، كان يتناسَبُ وتقاليدَهم التاريخية. فمثلما لوحِظَ في السلالاتِ السلجوقيةِ والأيوبيةِ والعثمانية، فقد اتَّبَعوا موقفاً مشتركاً في جميعِ كياناتِ الدولةِ–السلطةِ المُشادة. ورغمَ محاولاتِ إفشالِ هذه الشراكةِ بتأثيرٍ من الهيمنةِ الإنكليزية، التي تلاعبَت بالطرفَين خلال القرنِ التاسع عشر، إلا إنها لَم تَلقَ نجاحاً، فدامَت الشراكة. كما إنّ تقاليدَ الشراكةِ التاريخيةِ تلك لَم تُفسِدْها مؤامراتُ واستفزازاتُ الجون تورك، الذين تُمسِكُ القومويةُ اليهوديةُ والماسونيةُ بزمامِهم، والذين عُرِفوا لاحقاً باسمِ “جمعيةِ الاتحاد والترقي”. هذه الشراكةُ التاريخيةُ هي التي كلَّلَت حربَ التحريرِ الوطنيةِ بالنصرِ في نهايةِ المطاف.

السؤالُ الأساسيُّ الذي يجبُ طرحُه هنا هو: لماذا يُفَنَّدُ وجودُ الكرد، الذين يُعَدّون الحليفَ الاستراتيجيَّ والعنصرَ المُؤَسِّسَ الأصليَّ في الجمهوريةِ على مدى تسعِمائةِ سنة؟ يتعينُ وضعُ نفوذِ القومويةِ اليهوديةِ وقوةِ رأسِ مالِها في الثورتَين الفرنسيةِ والروسيةِ بعينِ الاعتبارِ بكلِّ تأكيد، لدى تحليلِ منطقِ هيكلة الجمهوريةِ التركية. فكما هو معلوم، فالملوكُ الفرنسيون كانوا كاثوليكيين متشددين مناوئين لليهود. وأدّوا دوراً مهماً في حبسِ اليهودِ في الغيتوهاتِ وفي تصعيدِ النعراتِ المناوِئةِ للسامِيّةِ منذ العصورِ الوسطى. كما كان القياصرةُ الروسُ أرثوذوكسيين متزمتين، ولعبوا دوراً أكبر من الكاثوليكيين في إبادةِ اليهودِ الممنهجة. وكان المفكرون اليهود (أو لنَقُلْ كُتّابُهم، الذين حظَوا بلقبِ الأنبياء قبلَ ذلك) والمستثمِرون اليهود (المُراكِمون المرموقون لرأسِ المالِ الهامشيِّ على مدى التاريخ) يَعرفون هذه السلالاتِ المَلَكِيّةَ بأحسنِ صورة، ويتمردون عليها. وكانوا يشحذون هِمَّتَهم، ويتربصون للانتقامِ منها في الفرصة المواتية. وقد مَدَّتهم الثورتان الفرنسيةُ والروسيةُ بهذه الفرصةِ كفايةً. وعليه، لَم يَكُن عبثاً تسميةُ كِلتا الثورتَين بالثورةِ البورجوازية. حيث كانوا نافذين في رصفِ أرضيتِهما الأيديولوجيةِ والعملية. وكان دورُهم مُعَيِّناً على مستوى التحفيز، سواء في إعدامِ كِلا المَلِكَين، أم في تطورِ الثورتَين في كنفِ هيمنةِ البورجوازية.

ما من ريبٍ في أنّ نفوذَهم ينبعُ من نوعيتِهم، لا من كميتِهم. علماً أنهم كانوا أصحابَ رأسِ مالٍ كبيرٍ يُخَوِّلُهم لريادةِ البورجوازية. أما تحالُفُهم مع الأنكلوسكسونيين البروتستانت، الذين شهدوا صعوداً مهيمناً على خطِّ لندن–أمستردام، وتأثيرُ ذلك في كِلتا الثورتَين؛ فكان بليغاً جداً. إذ كانوا يُشَكِّلون قوةَ الدفعِ الأوليةَ للثوراتِ المتصاعدةِ على النهجِ الليبراليِّ أو على خطِّ الاشتراكيةِ المشيدة. وعندما قامت الدولتيةُ القوميةُ البورجوازيةُ البروتستانتيةُ الأنكلوسكسونيةُ بتدميرِ وتمزيقِ أوصالِ الإمبراطورياتِ الكاثوليكيةِ والأرثوذكسيةِ في أوروبا لأغراضٍ مهيمنة، فإنّ المفكرين اليهود وقوى رأسِ المالِ اليهوديّ كانوا مُرشِديها وحلفاءَها الرئيسيين في ذلك. من هنا، سيبقى تحليلُ الثوراتِ البورجوازيةِ الأوروبيةِ بالغَ النقصانِ ومشحوناً بالدوغمائية، ما لَم يُؤخَذْ بالحسبانِ تأثيرُ المفكرين اليهود وقوى رأسِ المالِ اليهوديّ.

ما يكمنُ خلف المواقفِ التي بلغَت حدَّ ارتكابِ التطهيرِ القوميِّ بحقِّ اليهود، والتي سلكَتها البورجوازيةُ البروسيةُ الألمانية (يجبُ إضافةُ الإمبراطوريتَين الإسبانيةِ والنمساويةِ الكاثوليكيتَين، اللتَين تُديرُهما سلالةُ هابسبورغ الألمانيةُ إليها) والقيصريةُ الروسيةُ وبورجوازيتُها، والتي ناهضَت هيمنةَ الدولةِ القوميةِ الأنكلوسكسونية؛ هو إيمانُها بالدورِ المُعَيِّنِ الذي لعبَه اليهودُ في الهزيمةِ التي مُنِيَت بها في حروبِ الهيمنة. وذلك نتيجةً لكِلا التأثيرَين المذكورَين آنفاً. أي حصيلةَ دعمِهم لمشروعِ الدولةِ القوميةِ الأنكلوسكسونيةِ وللحداثةِ الرأسمالية. تَسري الأمورُ عينُها وبدرجةٍ أكبر على انهيارِ الإمبراطوريةِ العثمانيةِ أيضاً. ذلك أنّ الإمبراطوريةَ كانت بمثابةِ عائقٍ تتعثرُ به مقرراتُ المؤتمرِ الصهيونيِّ المعقودِ في عام 1896م، والذي يَعترفُ بفلسطين وطناً لليهود. وقد طلبَ المناضلون والمستثمِرون اليهودُ من السلطانِ عبد الحميد بوِدٍّ بدايةَ الأمرِ أنْ يفتحَ طريقَ الهجرةِ اليهوديةِ إلى فلسطين. وعندما لَم يستجِبْ لهم عبد الحميد (مع ذلك كان حميماً مع اليهود)، قامَ أعضاءُ “تركيا الفتاة” ومؤسِّسو “جمعية الاتحاد والترقي” باعتلاءِ عرشِ السلطة (يَعتَبِرُ السفيرُ الإنكليزيُّ آنذاك تربعَ أعضاءِ “تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي” على دفةِ الحكمِ بأنه استيلاءٌ لليهودِ على الإمبراطورية). وهكذا، نجحوا في شلِّ تأثيرِ عبد الحميد عبر الحكمِ الدستوريِّ الثاني (1908) وانقلابِ 31 آذار 1909؛ تماماً مثلما فعلوا مع المَلِكِ الفرنسيِّ والقيصرِ الروسيّ. ومع تشييدِ الجمهورية، بلغوا أَوجَ نفوذِهم في بلادِ الأناضول وميزوبوتاميا.

ثمة وجهُ شَبَهٍ آخر أكثر إثارة. إذ نلاحظُ أنّ التطورَ الحاصلَ في الثورتَين الفرنسيةِ والروسيةِ من حيث القضاءِ على القوميين الديمقراطيين، أي على الكوموناليين والسوفييتيين والراديكاليين من جهة، ومن حيث تأسيسِ ديكتاتورياتِ الدولةِ القوميةِ من جهةٍ ثانية؛ يتكررُ في الجمهوريةِ التركيةِ أيضاً. لقد كانت الثورةُ الفرنسيةُ أساساً ثورةً شعبيةً ديمقراطيةً وطنية. والزعيمان بابوف وروبسبيير برهانٌ على هذه الحقيقة. فقطعُ رأسَيهما أيضاً بالمقصلة، على غرارِ ما حلَّ بالمَلِك لويس السادس عشر، كان خطوةً رئيسيةً في تَوَجُّهِ الدولتيةِ القوميةِ صوب الديكتاتورية. وكيفما تنامَت الدولةُ القوميةُ على الطرازِ الأنكلوسكسونيّ، فقد كانت ممهورةً أيضاً بآثارِ سيطرتِهما الفعلية. والرأيُ الذي أَجمَعَ عليه المؤرّخون، هو أنّ انتهاءَ الثورةِ الفرنسيةِ إلى الدولتيةِ القومية، كان من أعظمِ الخطواتِ على طريقِ تحوُّلِ الرأسماليةِ الأنكلوسكسونيةِ الإنكليزيةِ إلى قوةٍ مهيمنة.

يُمكِنُ طرحُ الرأيِ عينِه (تقريباً) بشأنِ الدولةِ القوميةِ الروسيةِ المُشادةِ إبان انهيارِ الإمبراطوريةِ الروسيةِ أيضاً. حيث لَم يُقضَ فقط على القيصريةِ في مطلعِ الثورة، بل وقُضِيَ أيضاً على الروحِ الوطنيةِ الروسيةِ الديمقراطيةِ متجسدةً في الاتحادِ السوفييتيّ. كان كروبوتكين الذي يُعَدُّ وطنياً روسياً ديمقراطياً، أي سوفييتياً بامتياز، قد اقترحَ بذاتِ نفسِه ونَبَّهَ لينين كي لا تنزلقَ السوفييتاتُ نحو ديكتاتوريةِ الدولةِ القومية. وقد أَثبَتَت الأحداثُ اللاحقةُ ضمن الدولةِ القوميةِ الروسية أحقيةَ مقترحاتِ كروبوتكين وإنذاراتِه.

تُعَبِّرُ جمعيةُ الاتحاد والترقي، التي أَمسَكَت بزمامِ الأمورِ ثم استفردَت بالسلطةِ في الإمبراطوريةِ العثمانية على التوالي، عن الريادةِ الأيديولوجيةِ والعمليةِ للمناضلين اليهودِ ولقوى رأسِ المالِ اليهوديّ. في حين إنّ دورَ المؤسِّسين والمُشرفين من القومياتِ الأخرى غيرُ مُحَدِّدٍ داخل الجمعية، بما في ذلك المنظِّمون للمجازر من أتراكٍ وكُرد. ذلك أنه غالباً ما أدى الأعضاءُ الأتراكُ والكردُ دورَ المُمَوِّهِ للنفوذِ اليهوديِّ فيها. كما كان للجمهوريةِ جانبُها التحرريُّ الديمقراطيُّ أثناء تشييدِها، بقدرِ جانبِها التحرريِّ الوطنيّ. وقد أُنجِزَت في البدايةِ كثورةٍ تحققت بتحالفِ القوى الوطنيةِ الديمقراطية. ما كان قائماً هو تحالفُ الشيوعيين والإسلاميين القوميين والشركس والكردِ والأتراك. وكما حصلَ في الثورتَين الفرنسيةِ والروسية، ففي ثورةِ الأناضولِ أيضاً اتُّبِعَت الأساليبُ التآمريةُ لتحويل البنيةِ الوطنيةِ الديمقراطيّةِ إلى دولةٍ قوميةٍ ديكتاتورية. وكان الدورُ الرئيسيُّ –هنا أيضاً– من نصيبِ الهيمنةِ الإنكليزية. ولكن، لَم يُقضَ على العناصرِ الوطنيةِ الديمقراطيةِ فحسب في كنفِ الدولتيةِ القوميةِ للجمهورية. كما لَم يَقتَصَر الأمرُ فقط على تصفيةِ أربعةٍ من الباشواتِ الخمسة، الذين قاموا بالدورِ الرياديّ، فيما خلا مصطفى كمال. بل وأُنشِئَت الجمهوريةُ التركيةُ بمنوالٍ مغايرٍ كلياً لِما جرى تصوُّرُه، وكأنه أُعيدَ رسمُ ملامحِها في حربِ التحريرِ الوطنية. حيث باتت واحدةً من الأحجارِ الرُّكنِ لنظامِ الدولِ القوميةِ الصغرى (الدول القومية التي ستبقى ضمن حجمٍ يُمَكِّنُ من بسطِ الهيمنةِ الإنكليزيةِ عليها)، والذي رامَت إنكلترا إلى ترتيبِه والتسويقِ له في الشرقِ الأوسط. وهكذا، تمَّ هيكلتُها كدولةٍ إسرائيليةٍ بِدئية تمهيداً لتأسيسِ إسرائيل”.