المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

فلسفة الحياة الحرة ستنتصر من داخل الزنزانة التي تحوّلت إلى منارة للعلم والمعرفة…

324

هدفْ العقوبات الانضباطية التي تُفرض من قبل السلطات التركية هي نفسها التي حَكمت بها المحكمة اليونانية على سقراط بتجرّع كأس السّم، الكأس هو نفسه يُقدم اليوم لمبتكر الفلسفة المعاصرة “عبد الله أوجلان ” على شكل فرض العزلة عليه.

 من المؤامرة الدولية إلى جزيرة الرّعب، من الزنزانة الموحشة إلى القضبان الصّلبة، من الأسوار الشائكة إلى الحراسة المشدّدة، من الفكر النيّر إلى تسييس صناعة العجز البائسة، من المقاومة النوعية إلى فوبيا انتشار براديغما العصر، من قعر القلعة المسيّجة إلى كيان الامبراطورية العثمانية، من فحوى الحرية الثائرة إلى مركز تاريخ النفاق، من نضج روح الحياة الحرّة إلى سراديب الظلام.

قلب القائد آبو يضخّ علماً وحكمةً وأناقةً في التعبير، يتجدّد كلما فاض سيل الحقد ببتره، فهو يحيى الحقيقة ولا بدّ للحقيقة من يحميها ويطلق عنانها نحو التخلّص من العبودية وإشعال شرارة النهضة.

في عصرٍ يُطلق عليه “عصر الحريات”، العصر الذي يشهد عليه التاريخ ويسجّل كل الأحداث التي تتسلسل عبر حقبة القرن الواحد والعشرين يوثّق الاستبداد السائد بخضّمٍ هائل من الشعارات المزيّفة التي يلقيها سلاطين وملوك ورؤساء هذا العصر الذي خابت فيه كل الطموحات الإنسانية من “حلف الناتو” إضافة إلى منظمات حقوقية عالمية؛ لجنة مناهضة التعذيب الأوربية، مفوضيات من أعلى المستويات والمنظمات المختصّة بشؤون الأسرى ومراكز معالجة نفسية عالمية لحماية تدهور الوضع الإنساني العام ولجان متابعة مختصة بمراقبة هذه التجمّعات المنظّمة وحماية القوانين والقرارات المنصوص عليها.

إذاً إلى أين نتّجه؟ ما هذه الدوّامة؟ مادام كل هذا التسلسل المؤسساتي الدولي موجودٌ، لماذا نجدها هباءً منثوراً في تمكين النصوص المتفق عليها، وهل على هذا الأساس يتم اختراق القوانين بطرق غير إنسانية وغير قانونية حسب ما يناسب المصالح الغير أخلاقية للمجتمع الدولي؟ وبذلك ورغم كل الأساليب لإخفاء الحقائق، نحن نعي ما يدور في السراديب المظلمة التي تدبّر وتحاك لخدمة أجهزة الحداثة الرأسمالية وعلى وجه الخصوص قضية العصر المندرجة تحت ظل الهيمنة لغض النظر عن القضايا المفصلية وإطالة الأزمات ودفع المنطقة إلى حروب طاحنة يستدرج فيها تكرار النزاعات وكأنّنا في عصر الجاهلية المظلم ليكتمل السيناريو بخلق نتائج كارثية مما أسفرت عنه الحقبة التي جرت في الحربين العالميتين الأولى والثانية التي رسمت طريقاً جديداً للحداثة الرأسمالية في تحقيق مآرب الاستبداد العالمي تحت مسمى الديمقراطية وحماية الحدود والدفاع عن السيادة.

قضية “القائد عبد الله أوجلان” رسمت على نفس الخارطة؛ الطريق المسدود الذي صمّم لإمرالي واللعب على أوتار الشراكة السياسية المتّبعة في فرض الهيمنة، مفادها إجهاض كل الطموحات وهدم كل الجسور التي بناها القائد الأممي “عبد الله أوجلان” بين كل الشعوب التي ترفض سياسة القمع والإقصاء عن طريق ممارسة فرض العقوبات الانضباطية، والأصل فيه إنهاك قدرات القائد وتفكيك تكاتف الشعوب التي التفت حوله وإبعادهم عن مسار ‘الأوجلانية” إلى الطريق المسدود، الطريق المسدود جزيرة الرّعب “إمرالي”.

ومن خلال العملية الاستخباراتية التى أدّت إلى اختطاف القائد الأممي “عبد الله أوجلان” واحتجازه قسرياً ووضعه تحت إشراف مخالب السلطات التركية منذ تاريخ 15/2/1999 والذي أعلن عنه “اليوم الأسود” في تاريخ حركة التحرر الكردستانية، وأصبح محطّ اهتمام كل من يؤمن بفكر وفلسفة القائد الذي تحوّل إلى أيقونة الإنسان الحر بأفكار سامية تواكب عصر النهضة الذي دوّنه القائد في مجلداته لإكمال مسار المقاومة بوضع أسس لمسار الثورة الأوجلانية بطرق إيديولوجية بحتة بكل المجالات.

 خطر القائد على مخادع السلطة يشكل حجر عثرة في طريق الهيمنة الرأسمالية، حيث يتم تشييد مفهوم السلطة الديكتاتورية ضمن الأنظمة العالمية على أسس تخدم مصالحها أولاً وتنفيذ مآرب الدول الحاكمة بعدم فتح الطريق أمام كل ما يخالف مفاهيم الأنظمة والفائدة والربح هو الرّب الأعلى بعيدة كل البعد عن احتياجات الفرد والمجتمع، وطبعا سيكون لها وشاح وردي تخفي به مآربها وتتغنى بتأمين حرية الشعوب والسعي من أجل مطامحها وتحقيق الديمقراطية، لذلك ومنذ مئات السنين تم خداع الشعوب على هذا الأساس باستعمال كل الوسائل من أجل تخدير الشعوب بطرق أو بأخرى عبر سلب الإرادة وإبعاد الشعوب عن الهيكلية التي تصب في صنع القرار لخدمة الدولة وتمكين القبضة الأمنية، والتاريخ شاهد على هذه الأساليب التي استباحت السلطة من خلال نفوذها في دفة الحكم للإطاحة بالعقول التي حاولت أنْ تخلق مناخاً نوعياً للتوسع الفكري والذهني.

يذكر التاريخ في عام 399 قبل الميلاد كيف صبّت محكمة أثينا غضبها على المفكر والفيلسوف “سقراط” حين أراد أنْ ينشئ جيلاً نهضوياً بفكرٍ متحضّر مخالف للمنهجية التبعية. وعلى هذا الأساس اتّهموه بالخيانة والإلحاد والهرطقة وإفساد عقول الشباب وعدم الالتزام بقوانين الدولة. من هذا المنطلق تم تشكيل محكمة تحت إشراف أكثر من 500 قاضي وحكموا عليه أنْ يتجرّع السّم أثناء غروب الشمس، ولم يعطوه الحق في الدفاع عن نفسه ولم يأخذوا اقتراحه بعين الاعتبار في دفع مبلغ اعتبروه زهيداً مقابل حريته، وكان هذا المبلغ كلّ ما يملك، على العكس من ذلك تمّ الاستهزاء به وبما أدلى به. وبالرغم من شدة الموقف، حسم سقراط أمره على ما تسمى “محكمة أثينا الديمقراطية” وتجرّع السم قبل أنْ تغرب الشمس قبل انتهاء المدّة المحدّدة، وبذلك جسّد سقراط فلسفة البقاء حيّاً لأنّه أعطى للموت المعنى الحقيقي بتشييد فلسفة الخلود الأبدي.

لذلك يُبدي اليوم قائدنا طرازاً بتجرّع الحكمة بطرح فلسفة البقاء الأبدية بمقاومته ضد ميراث السلطة بكل تفاصيلها، بل وتزيد تلك السلطة عليها من مناهج طوّرتها بأساليب الفاشية في صنع النفاق ودخول تاريخ غير مشرف لا يليق بالشعوب التي بذلت الكثير من الجهد والتضحية في بناء جسورٍ للسلام والحرية..

هل هكذا تكون مسيرة العظماء؟

إنسان تمسّك بقيمه ومبادئه أسقط أقنعة الأنظمة التي دام عهدها منذ بزوغ فجر الحرية الذي وُلد ونشأ نشأة جدلية في التفكير بشأن أمته، أيقظ الأمة من ثباتها ووضع أسس النهضة المعاصرة وطرح الخطوط العريضة للكونفدرالية الديمقراطية والأيديولوجية التي تخطّت كل الأطر الضيقة. ومن بعض أطروحاته: مرافعة أورفا، من دولة الكهنة السومريين نحو الحضارة الديمقراطية، هوية الكردي الحرّ (مرافعة أثينا)، الدفاع عن الشعب، خارطة الطريق، الشمس المنبثقة من إمرالي، ومجموعة مانفيستو بأجزائه الخمسة.. وغيرها من الكتب القيّمة..

المؤرّخ والمفكّر العالمي “عبد الله أوجلان” صنع أعجوبة القرن الواحد والعشرين، لأنّ تدفق أفكاره النيّرة كانت تنتفض وتتدفق بمعانٍ سامية على غير الأشخاص العاديين، وما يثير الانتباه أنه يتجاوز كل الضغوطات والصعوبات بالصبر والمقاومة مقابل الوحشية والمعاملة المتبعة من قبل السلطات التركية.

 لو استبدلت السلطات التركية الأفكار السوداء بالأفكار الإيجابية في محاربة الشرّ لأصبح العالم اليوم خالٍ من الشرور، ولكن تاريخها المليء بالدماء لا يتيح لها أنْ تلعب دوراً إيجابيا تجاه الشعوب داخل تركيا وخارجها، فهي من أسوأ الأنظمة التي وقعت في فخّ التاريخ الذي يتم تصنيفها بأنّها الأكثر وحشية وإجراما لشعبها وبحق كل الشعوب المجاورة، بعدم التزامها بضوابط الأخلاق الإنسانية والحفاظ على أهمية العلاقات الاستراتيجية التي يجب أن تقرّب الشعوب من بعضها البعض، عكس ما تطبقها من سياسة مغولية متناهية وأشدّها عنفاً من فرض سياسة القمع والإقصاء وابتكارات في استعمال وسائل غير إنسانية للعب على عدم ثبات العامل النفسي المدروس لكسر إرادة القائد  نفسياً وجسدياً بخنقه بكل السبل التي لا تتيح له التواصل مع العالم الخارجي وكل من له شأن في طلب رؤيته من العائلة والأصدقاء والحقوقيين والمنظمات المختصة بشؤون الأسرى، والنيل من مبادئه.

لأنّ القضية بحدّ ذاتها قضية سياسية ولا يجب معالجتها بهذا الشكل، لذلك تتعمد فرض نفوذها  بكل الوسائل لإيصال القائد إلى حدّ فقدان الأمل مثلما حرُم من الحق القانوني بالأمل والمحاولات لدفعه نحو العجز للتخلي بشكل كامل عن قيمه ومبادئه ومشروع أخوة الشعوب الذي يُعتبر نواة الحلول الاستراتيجية لكل القضايا العالقة التي كرّسها من أجل حماية الشعب والدفاع عنه، وإجباره على الاستغناء عن الفكر والفلسفة الأوجلانية التي تحوّلت إلى آلية في تحويل مرحلة من مراحل التاريخ وترسيخ أسس النهضة العصرانية وإنقاذ البشرية من الانحلال الإنساني مثل سفينة النجاة التي نادى بها النّبي نوح.

 فلسفة الحياة الحرّة ستنتصر من خلال تحدّي الزنزانة السوداء التي تحولت إلى منارة للعلم والمعرفة يقتدي بها كلّ من ذاق طعم الحرية في تطبيق مشروع الأمة الديمقراطية، والشعوب الحرّة ضمان للإطاحة بأسوار إمرالي وإجبار العدالة الغارقة في سُباتٍ عميق على أنْ تستيقظ وتعي أنّ مرحلة السُبات قد ولّى، وأنّ لكل زمانٍ سلطانٌ، وسلطان هذا الزمان هو القائد “عبد الله أوجلان” الذي دافع وضحى من أجل شعبه، والشعب أدرك أنّ القوة والإرادة تنبع من إمرالي.

وقد وصف القائد نظام الحداثة الرأسمالية بأنّ: “السلطة والدولة هما المكان الذي ينتهي فيه الكلام السياسي، وبالتالي تغيب فيه الحرية”. وقد حان وقت الحرية.

بقلم: آمنة خضرو..