المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

الحرية الجسدية للقائد عبدالله أوجلان هي مفتاح السلام داخل تركيا وبوصلته

15

لا سلام دون الحرية الجسدية للقائد عبدالله أوجلان، هذا ما يؤكده مراقبون لعملية السلام، لما لا وهو محورها، كما أن إطالة أمد عزلته تهدم جسور الثقة اللازمة لإنجاح هذا المسار.

مع إطلاقه نداء السلام والمجتمع الديمقراطي – تلك المبادرة الشجاعة – جدد القائد عبدالله أوجلان التأكيد على حضوره كصوت للعقلانية في أحلك مراحل المنطقة. ورغم العزلة المفروضة عليه، فإنه في أكثر من مناسبة يطرح نداءات واضحة وصريحة للسلام، ويدعو إلى تغليب لغة الحوار على السلاح، وإلى البحث عن حلول ديمقراطية مستدامة تضمن حقوق الشعوب وتضع حداً لدوامة العنف.

ولم تكن دعوات ومبادرات آبو مجرد أحاديث استعراضية، بل كان لها صداها العملي على أرض الواقع، ومن هنا رأينا الإعلان عن حلّ الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني، وفعالية السليمانية الرمزية بإحراق عشرات المقاتلين سلاحهم. ولهذا تعود قضية الحرية الجسدية للقائد إلى صدارة النقاش السياسي، ليس من منظور حقوقي وإنساني فحسب، بل باعتبارها شرطاً أساسياً لإنجاح أي مسار للسلام داخل تركيا.

أوجلان محور عملية السلام

إن المفاوضات لا يمكن أن تكون مكتملة أو ذات مصداقية بينما الشخصية المركزية في هذا الملف محرومة من حقها في الحرية الجسدية والتواصل المباشر مع شعبها وممثليها ومع الأطراف الداخلة في هذا المسار. كما أن تجربة السنوات الماضية تؤكد أن أي عملية تهدئة أو انفتاح سياسي كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بمدى انفتاح النظام التركي على القائد وإتاحة المجال له للتواصل.

تقول الدكتورة هداية البصري الباحثة السودانية في مجال العلوم الإنسانية، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن عزلة أوجلان تطرح لنا مفارقة غريبة للغاية؛ لأنه رجل انتقل من الكفاح المسلح إلى مشروع سلام والتنظير له، سلام قائم على مفهوم الأمة الديمقراطية، مبدية استغرابها أنه بعد كل ذلك يجد نفسه في شبه عزلة مطلقة بسجن إمرالي.

وأضافت أنه بالضرورة سيكون لهذه العزلة أثراً بالغاً على مسار السلام؛ لأن بسببها ستغيب القناة المباشرة للسلام أي عبدالله أوجلان، فهو من كان في كل مراحل التفاوض مع الدولة التركية، وهو المحور المركزي لكل هذه العمليات؛ مشددة على أن عزلته تعني قطع الخيط الأكثر ثقة لدى القواعد الكردية، التي لا يمتلك أحد شرعية لإقناعها بالمسار مثل آبو.

كما نوهت إلى أن هذه العزلة من شأنها إضعاف الثقة؛ فعملية السلام السابقة انهارت بعد تشديد العزلة على أوجلان، مشددة على أنها ترسخ كذلك انطباعاً في أن الدولة ليست جادة في الإصغاء للمبادرة التي طرحها، واستمرارها يعني أن أي خطاب سلام صادر عن أي قيادات أخرى سيكون غير مؤثر، كما أن غيابه عن المشهد يؤدي إلى غياب القدرة على تفسير المفاهيم التي طرحها مثل الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية وغيرها، كونه طرح رؤية طويلة المدى لها.

من هنا، تصبح الحرية الجسدية للقائد أوجلان أكثر من مجرد قضية شخصية أو مطلب إنساني، فهي تمثل البوابة الضرورية لإعادة بناء الثقة المفقودة بين الدولة والمجتمع الكردي. كما إن تمكينه من المشاركة المباشرة في العملية السياسية، وفتح المجال أمامه للتواصل مع القوى الديمقراطية، يشكلان الضمانة الوحيدة لنجاح أي مبادرة سلام حقيقية.

موقف النظام التركي 

الواقع يقول إن على النظام التركي أن يدرك أن استمرار السياسات الأمنية والمماطلة والمراوغة أمر لن يجلب الاستقرار، وأن معالجة القضية الكردية من منظور أمني فقط ثبت فشلها مراراً. المطلوب هو خطوات جادة وشجاعة، تبدأ بالاعتراف بمكانة أوجلان وبالدور الذي يمكن أن يلعبه في توجيه مسار السلام؛ وعزلته تعني استمرار فقدان البوصلة، بينما حضوره الفاعل يساعد على إنجاح فرص فتح صفحة جديدة عنوانها الشراكة والعيش المشترك.

بدوره، يقول الدكتور علي ثابت صبري وهو أكاديمي وباحث مصري متخصص في علم التاريخ إن كل يوم لم يتم فيه الإفراج عن أوجلان إنما يعبر عن عدم تغيير الذهنية التركية تجاه الكرد، وأن الإجراءات غير السريعة من قبيل تشكيل لجان والعرض على البرلمان، ومن ثم إعادة صياغة الدستور التركي بما يتضمن كافة المكونات ستحتاج مزيد من الوقت.

وشدد على أنه بوجود أوجلان على طاولة المفاوضات الأمور سوف تتخذ نهجاً ديمقراطياً سلميا سريعاً لحل القضية، بل وحل مشاكل متعددة فى الشرق الأوسط، واصفاً القائد بأنه “فليسوف السلام فى الشرق الأوسط بامتياز”، مؤكداً أن على الإدارة التركية أن تلتقط الفرصة؛ فهى تحتاج إلى الاستقرار من أجل البقاء، وتحسين صورتها الخارجية.

ضرورة وطنية وإقليمية

وبالفعل فإن قضية إنهاء عزلة أوجلان وتمكينه من حقه في الأمل تحولت اليوم إلى قضية إقليمية ودولية، ومرتبطة بصورة النظام التركي الخارجية؛ حيث تتابع منظمات حقوق الإنسان والعديد من القوى السياسية في العالم ظروف عزله ومعاملته. وهذا يضع أنقرة أمام اختبار مصداقية كبير، بين أن تستمر في سياسة الإنكار والإقصاء، أو أن تختار مساراً جديداً يعزز موقعها كدولة ديمقراطية تحترم حقوق مواطنيها جميعاً دون تمييز.

إن أي مشروع سلام لا يمكن أن ينجح دون مشاركة فاعلة من القائد أوجلان. كما أن حريته الجسدية لم تعد مطلباً كردياً فقط، بل ضرورة وطنية تركية وإقليمية، لأن فشل المسار الحالي سيكون بديله استمرار نزيف الدم والصراع الذي يرهق الدولة والمجتمع على حد سواء. ومن ثم فإن النظام التركي أمام لحظة تفرض عليه أن يتحلى بالمسؤولية التاريخية، وأن يفتح الباب أمام حل حقيقي وشامل، يبدأ بخطوة أساسية هي الحرية الجسدية للقائد.