عبدالله أوجلان كبير المفاوضين: الرمز الذي لا يمكن تجاوزه

✍ بقلم: المهندس إبراهيم زراري
الفيلسوف والمفكر الباحث المختص في تاريخ والعلوم الزرادشتية
ممثل الحوزة الدينية الزرادشتية في العراق وسوريا، عضو رابطة خبراء النفط العراقيين
■ مقدمة
في صراعات الشعوب من أجل تقرير المصير، تبرز أحيانًا شخصيات تتحول من مجرد قادة تنظيمات إلى رموز أخلاقية وتاريخية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية. في الحالة الكردية داخل تركيا، يبرز اسم عبدالله أوجلان بوصفه أكبر من مجرد زعيم لحزب العمال الكوردستاني (PKK)، بل بصفته ممثلًا لوعي جماعي، وصوتًا فكريًا لنضال طويل ومعقد.
حين يختار الحزب أوجلان، رغم أسره، كبيرًا لمفاوضيه مع الدولة التركية، فإنه لا يختار رجلًا فحسب، بل يختار ما يُمثّله من شرعية تاريخية وفكرية، ويبعث برسالة سياسية مفادها أن أي حل واقعي ومستدام لا بد أن يمر عبر هذا الرمز.
■ أوجلان: من ثائر و زعيم تنظيمي إلى رمز تاريخي
اختطف عبدالله أوجلان عام 1999 بعملية دولية معقّدة، وزُج به في سجن جزيرة إيمرالي المعزول. لكن رغم العزلة الجغرافية، فإن تأثيره السياسي والفكري لم ينقطع. فحتى داخل السجن، أطلق ما عُرف بـ”أطروحات إيمرالي” التي شكّلت الأساس النظري لتحول حزب العمال من الخطاب القومي الصلب إلى نموذج “الأمة الديمقراطية” والكونفدرالية الديمقراطية، الذي يتبناه الكرد اليوم في روجآفا وشمال كوردستان وديار بكر وسنجار.
في هذا السياق، لا يُمكن النظر إلى أوجلان كسجين فقط، بل كرجل دولة من نوع خاص، يمتلك شرعية معنوية لا تملكها حتى بعض المؤسسات الرسمية.
■ المقارنة مع مانديلا وآدامز: رموز التفاوض لا تُعزل
تُعيد هذه الحالة إلى الأذهان تجارب عالمية معروفة، أبرزها:
• نلسون مانديلا، الذي قاد جنوب إفريقيا من الزنزانة نحو الديمقراطية، بعد أن اعترفت الدولة بقيمته الرمزية كممثل حقيقي للأغلبية السوداء.
• جيري آدامز، الزعيم السياسي للـ”شين فين”، الذي قاد مفاوضات السلام مع بريطانيا ممثلًا عن الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، رغم الخلفية العنيفة للحركة.
في كلتا الحالتين، لم تتمكن الدول المعنية من الوصول إلى سلام حقيقي إلا بعد أن قبلت التفاوض مع الرمز التاريخي ذاته، لا مع بدائل مصطنعة أو وسطاء بلا وزن.
■ مغزى اختيار أوجلان
حين يُصرّ حزب العمال الكردستاني على أن يكون أوجلان هو كبير المفاوضين، فإنه لا يُدير تفاوضًا تقليديًا، بل يطرح معادلة سياسية – أخلاقية، مفادها:
• أن الحل لا يمكن أن يكون تقنيًا أو أمنيًا فقط، بل يجب أن يُبنى على اعتراف شامل بجذور القضية.
• أن أوجلان، رغم السجن، لا يزال صاحب التأثير الأعمق في الأوساط الكوردية ، سواء داخل تركيا أو في الشتات.
• أن تجاهله ليس تجاهلًا لشخص، بل رفض للحل أصلًا.
■ تجربة 2013–2015: الفرصة الضائعة
تجربة وقف إطلاق النار بين 2013 و2015، حين فُتحت قنوات تفاوض مباشرة وغير مباشرة مع أوجلان، أدّت إلى مرحلة من الهدوء غير المسبوق في مناطق الصراع. كانت تركيا على أعتاب مرحلة جديدة. لكن ما إن تم قطع تلك القنوات، وشيطنة الحركة من جديد، حتى انفجرت المواجهات، وعاد العنف إلى المدن والجبال.
هذه التجربة وحدها تُظهر أن أوجلان لم يكن عبئًا على السلام، بل ركيزته.
■ خاتمة: هل تصنع تركيا مانديلاها؟
السؤال الآن ليس إن كان عبدالله أوجلان أهلًا للتفاوض، فقد أثبت الواقع أنه المفاوض الحقيقي. بل السؤال الأهم هو: هل لدى الدولة التركية الشجاعة السياسية لتكرار ما فعلته بريطانيا مع آدامز، أو جنوب إفريقيا مع مانديلا؟
التاريخ لا يُرحم من يُضيّع الفرص الكبرى. وإذا كانت هناك لحظة يمكن فيها للدولة التركية أن تفتح صفحة جديدة مع المكون الكوردي، فإن مدخلها الوحيد هو التفاوض مع الرمز، لا الالتفاف حوله، لتحقيق اهداف نداء أوجلان من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي، الذي سيصب في دمقرطة تركيا وكل المناطق الكوردستانية والشرق الأوسط عامة.