المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

“هفرين خلف: هيباتيا الشَّرق وراية السَّلام في احقاب الذُّهنيّة المظلمة”

126

《مقالة》بقلم السيدة: آمنة خضرو المتحدثة باسم المبادرة السورية لحرية القائد عبد الله أوجلان_حلب.

المقدمة.

المحتوى:نبذةٌ عن حياة الشَّهيدة هفرين خلف.

دعوةٌ لوحدة صفّ المرأة السُّورية.

دعوةٌ لتبنّي فلسفة “المرأة، الحياة، الحرّية”.

دعوةٌ لتشكيل جسمٍ سياسيٍّ لمنظومة المرأة السُّورية.

الخاتمة:إضاءةٌ من تقييم القائد عن واقع الشَّرق الأوسط.

المقدمة…
قبل نحو ثلاثة قرونٍ ونصفٍ من الميلاد، تنبّأ أفلاطون بأنّ الشَّعب سيدرك مدى الكارثة الَّتي جلبها لنفسه يوم ساند الطَّاغية وارتضى حكمه، حيث قال: «إنّ الشَّعب سيدرك حقًّا مدى الحماقة الَّتي ارتكبها حين أنجب مثل هذا المخلوق ورعاه وربّاه، حتّى أصبح هذا المخلوق أقوى من أن يستطيع الشَّعب طرده».
في هذا الكوكب الأرضيّ المليء بالمؤامرات، أصبح التَّحكّم بالذِّهن والوعي الجمعيّ أهمّ أداةٍ في العصر الحاليّ بيد السّلطة لتخدير العقول والتَّحكّم بالبشر. فهي تتّبع أساليب وطرقًا متعدّدةً لتحويل المجتمعات إلى قطعانٍ من خلال الجهل والتَّطرّف والإرهاب والأمراض العقليّة الَّتي تغذّيها الذِّهنيّات الرَّجعيّة.
والملفت للانتباه هو تحوّل السّياسات العالميّة بعد الحربين العالميتين الأولى والثَّانية، نحو اتّباع تكتيكاتٍ تعتمد على الغزو الفكريّ بأوهام العولمة المقدّمة من الحداثة الرَّأسماليّة، لأدلجة عقول ملايين البشر والتَّحكّم بكلّ خيوط الحياة ودفعها إلى اللاتفكير في بيئة الثَّقافة المزيّفة. ومن هذه السّياسة نستنتج أنّنا في ذروة “عصر التَّفاهة”؛ زمنٌ يغلب عليه ضجيج المتسلّقين التَّافهين. وأزمات الهيمنة والتَّفرّد بالشَّرق الأوسط تفضح عمق الانحدار الأخلاقيّ والسّياسيّ. وفي هذا التَّوقيت الحرج والمنعطف المتأجّج بالصّراع القائم بين فئاتٍ سوريّةٍ تمثّل قطب الجهل والتَّخلّف من جهةٍ، والقطب الأخلاقيّ الدّيمقراطيّ من جهةٍ أخرى، كيف يتمّ تعيين حاتم أبو شقرا – أحد أبرز المشاركين في جريمة اغتيال الشَّهيدة هفرين خلف – قائدًا لما تسمّى بـ”الفرقة 86” في مناطق الحسكة وريف دير الزُّور؟!
فالقاتل السَّفّاح المجرم حاتم، أحد عناصر ما يعرف بـ”أحرار الشَّرقيّة”، ظهر في مشاهد موثّقةٍ لحظة تنفيذ جريمته الشَّنعاء، وهو يتباهى ويبارك القتل ويدوس على كلّ القيم الإنسانيّة، ويفتخر بالوحشيّة الهمجيّة الَّتي ارتكبها بحقّ جسد امرأةٍ مدنيّةٍ بعد قتلها والتَّنكيل بجثّتها. فهفرين لم تحمل يومًا سلاحًا ولا شعارًا يثير الفرقة، لم تحمل سوى نداء السَّلام ومشروع الحياة المشتركة والعدالة لكلّ الشُّعوب.
ومن نافذة الحقد العثمانيّ، يكافأ القاتل بمنصبٍ على السُّوريّين! بتوصياتٍ من أدوات الأجهزة الرَّئيسيّة للذِّهنيّة القذرة، يكرّم المجرم بينما يوارى دم الضَّحيّة تحت غطاء أجندات الظَّلام الرَّماديّ الدّيكتاتوريّ والتَّواطؤ الدَّوليّ! إنّها مهزلةٌ تستخفّ بعقول الإنسانيّة: يمنح القاتل سلطةً، ويترقّى المجرمون الَّذين دنّسوا معالم الحياة الكريمة وقطفوا أرواح الأبرياء. ينصّب القاتل المجرم، المتجرّد من الأخلاق المجتمعيّة والإنسانيّة، وغد المرحلة بكلّ ما لهذه الكلمة من معنًى، وقد تلطّخت يداه بدماء الأبرياء الَّتي أريقت على تراب الوطن. هل ننسى؟! لن ننسى، ولن ينسى التَّاريخ بشاعة وفظاعة الانتهاكات والجرائم بحقّ السُّوريّين. يقول كونفوشيوس: «يمكنك أن تتعلّم الحكمة بثلاث طرقٍ: الأولى بالتَّفكّر، وهي الأكثر نبلًا؛ والثَّانية بالتَّقليد، وهي الأسهل؛ أمّا الثَّالثة فبالتَّجربة، وهي الأكثر مرارةً»
التَّفكّر، الحكمة، التَّجربة… نحن الشَّعب السُّوريّ خضنا هذه المراحل بكلّ تجاربها. فهل يعقل أن ينصّب هؤلاء على أمور الشَّعب، وقد ذقنا منهم مرارة التَّجربة؟! إنّ استهداف الشَّعب بشكلٍ وحشيٍّ، وتأجيج النَّزعة القوميّة والتَّمييز على أساس الجنس والدّين بسياسةٍ مسعورةٍ مشحونةٍ بغلّ الكره الطَّائفيّ والعرقيّ والمذهبيّ، هل سينقذ البلاد من التَّشرذم والانحلال والدُّخول في أتون حروب الفتنة الَّتي لا نهاية لها؟ المدعوّ حاتم أبو شقرا هو أحد المسعورين البارزين في ترويج هذه المنهجيّة. إنّ استهداف واغتيال الشَّهيدة هفرين يحمل في طيّاته حقدًا دفينًا وسياسةً إقصائيّةً ضدّ الشَّعب السُّوريّ وضدّ حرّيّة المرأة بشكلٍ خاصٍّ؛ لأنّ المرأة المتحرّرة تقف عائقًا أمام تنفيذ هذه المخطّطات الاحتلاليّة. لذلك، لم يكن الهدف قتل جسدها فحسب، بل كان الأساس هو إسكات صوتها واقتطاف فكرها، سعيًا لكسر إرادة المرأة بهذه الممارسات الوحشيّة الَّتي يخجل منها كلّ إنسانٍ، بل كلّ كائنٍ حيٍّ.
نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين، مع تطوّر وسائل الإعلام، وتوثيق لحظة الحدث، ووجود منظّماتٍ يفترض أن يقع على عاتقها منع وقوع اعتداءاتٍ وانتهاكاتٍ بهذه الوحشيّة الَّتي تتّسع رقعتها وتتكاثر، خاصّةً في بعض المناطق في سوريا الَّتي أصبحت ساحةً لحرب العصابات وملجأً وحاضنةً للجهل والتَّطرّف والإرهاب. نتساءل نحن السُّوريّين: أين دور الهيئات والمؤسّسات والاتّحادات والتَّحالفات والمعاهدات الدَّوليّة لحقوق الإنسان؟! وأين الحقوق والاستحقاقات الَّتي تطالب بها المنظّمات النّسويّة حول العالم، وقد تشكّلت أسس حركة حقوق المرأة منذ القرن التَّاسع عشر، والحركة النّسويّة العالميّة خلال القرن العشرين؟ في بعض البلدان، لهذه الحقوق طابعٌ مؤسّساتيٌّ أو مدعومٌ من القانون والأعراف المحليّة. وماذا عن اتّفاقيّة “سيداو” الَّتي تناهض جميع أشكال التَّمييز ضدّ المرأة والَّتي تبنّتها الأمم المتّحدة؟ هل هذه الاتّفاقيّات والممارسات مقصورةٌ فقط على الدُّول الأوروبيّة، بينما في بلادٍ أخرى يتمّ تجاهلها وقمع هذه الحقوق وفقًا لمصالح السّلطات؟ هل نستنتج أنّ كلّ بقعةٍ جغرافيّةٍ خارج النّطاق الأوروبيّ ستواجه العفن الذِّهنيّ ولن يرفّ جفنٌ لأيّ منظّمةٍ حقوقيّةٍ إنسانيّةٍ؟! هل تبنّي هذه الاتّفاقيّات أو عدم تبنّيها، وقبول تطبيقها أو رفضه، متروكٌ للأنظمة الحاكمة في كلّ دولةٍ؟ هل أصبحت حقوق البشر تقاس بمعايير مناطقيّةٍ؟!
على كلّ الدُّول أن تتقرّب من شعوبها باحترامٍ، وأن تأخذ بمبدأ المواطنة وحقوق الإنسان، وأن تزرع مفهوم التَّعدّديّة من خلال تقاسم الحقوق الثَّقافيّة والسّياسيّة والمجتمعيّة، وأداء الواجبات الوطنيّة الجامعة. أمّا المجرمون الَّذين ينتهجون “الإسلام السّياسيّ”، فإنّ هذا المسار يؤدّي إلى تحطيم إرادة المكوّنات، ويعتبر دقًّا لناقوس الخطر في جسد الوطن، وإعطاءً للضَّوء الأخضر لتعزيز التَّدمير الفكريّ والسّياسيّ والمجتمعيّ والثَّقافيّ والتَّاريخيّ. دم الشَّهيدة هفرين خلف أهدر برعايةٍ تركيّةٍ، تلك الدَّولة الَّتي تصدّرت هذه الظَّاهرة منذ بدء تاريخها الأسود الحافل بالعدوان وارتكاب المجازر بحقّ الشُّعوب. دم هفريننا لن يذهب سدًى، ولن نقبل بهذه الظَّاهرة المتمثّلة في قتل النّساء الرَّائدات. يهابون وجود المرأة وقوّتها وصوتها ونضالها. ليست هذه الذِّهنيّة جديدةً، بل تمتدّ من جذور السّلطة الذُّكوريّة الَّتي تتّبع أساليب صناعة الحروب والنّزاعات، وتُنكب المجتمعات والشُّعوب بأكملها لتحقيق غايات التَّخلّف المزعوم.
كلّ امرأةٍ تسعى للتَّحرّر تحمل في ذاتها جزءًا من هويّة هفرين الحقيقيّة؛ فهي داعيةٌ للحرّيّة وثقافة السَّلام، تسير على خطى هفرين خلف، أيقونة النُّور وشعلة السَّلام. النّساء اللَّواتي وضعن حجر الأساس في هذا التَّحدّي الكبير، لن تنتهي مسيرتهنّ ضدّ مفاهيم الرَّجعيّة. آلاف النّساء سطت عليهنّ يد الذِّهنيّة المسعورة عبر التَّاريخ، فهل انتهت المرأة؟! إنّ لهذه الذِّهنيّة الرَّجعيّة بصماتٍ سوداء عبر التَّاريخ. هيباتيا، العالمة الجليلة، لم تمت، فما زالت تتغنّى بها صفحات العلم لقد رحلت هفرين جسدًا، لكن بقيت روحها تتجوّل في ضمير كلّ امرأة حرّة، وكلّ إنسان شريف. إنّها “هيباتيا الشّرق”، إذ أعادت في القرن الواحد والعشرين سيرة الفيلسوفة الإغريقيّة الّتي اغتيلت كذلك على يد متعصّبين لأنّها فكّرت، وتكلّمت، وحملت راية العلم والعقلانية. وكما لم تمت هيباتيا في كتب الفلسفة، لن تموت هفرين في ضمائر من يسيرون على درب الحرّية . هفرين وغيرها من الخالدات اللَّواتي امتدّت إليهنّ يد الجهل والتَّخلّف،

نبذةٌ عن حياة الشَّهيدة هفرين خلف…
قالتها وفعلتها الشَّهيدة هفرين خلف. «أستطيع أن أفعل!» كان شعارها.، سيّدة الجمال، شعلة الفكر الحرّ، الخالدة بحضورها الأبديّ. الشَّهيدة هفرين خلف، أيقونة السَّلام… شابّةٌ رقيقةٌ حرّةٌ، كانت ضوءًا ساطعًا في مجال التَّنمية الاجتماعيّة والسّياسة. “هفرين” الَّتي نبتت في حديقة الياسمين الثَّقافيّة والفكريّة، وترعرعت ضمن عائلةٍ وطنيّةٍ، ممّا عزّز لديها الارتباط بمبادئ الحرّيّة وروح المسؤوليّة تجاه قضيّتها. وزاد من رونق جمالها جمال عمقها الفكريّ الممتدّ من فلسفة القائد وخطّ الشُّهداء. لذلك، كانت عصيّةً على الذِّهنيّة التَّبعيّة في كلّ منعطفات حياتها. ابنة ديريك شقّت طريقها بكلّ نجاحٍ، خطوةً تلو الخطوة. لم تكن أهدافها بسيطةً؛ كانت تحلم أن ترى يومًا ما وطنًا منسوجًا بالأمل، يضخّ الحياة للجميع. لم تكن شخصيّةً بسيطةً أو امرأةً كلاسيكيّةً عاديّةً، بل تميّزت بالإرادة والحبّ والعشق للوطن، وهو ما كان يشعّ من عينيها. كرّست علمها ووقتها وثقافتها من أجل رسم خارطة طريقٍ جديدةٍ لوطنٍ حرٍّ.
ورغم صعوبة أن يكون الإنسان مناضلًا ثوريًّا في سوريا، ممّا عرّضها لكثيرٍ من المضايقات والمساءلة من قبل الفروع الأمنيّة البعثيّة في مدينتها ديريك بشكلٍ شبه يوميٍّ، ووضع اسمها على لائحة الأسماء الَّتي تشكّل خطورةً، ضمن قائمة المطلوبين من قبل أمن الدَّولة، إلّا أنّها لم تتنحَّ يومًا عن مبادئها الوطنيّة والإنسانيّة. تابعت هفرين طريقها بإصرارٍ، وشهدت مخاض ثورة 19 تمّوز من عام 2012، وساهمت فيها بفعاليّةٍ ونشاطٍ، حيث حملت على عاتقها تنظيم الفئة الشَّابّة وتوعيتها، من خلال انضمامها إلى مؤسّسة نوري ديرسمي للفكر، ومن ثمّ انخرطت في تنظيم مؤسّسات المجتمع المدنيّ. وبعد إعلان الإدارة الذَّاتيّة عام 2014 وتشكيل الهيئات في إقليم الجزيرة، تولّت الشَّهيدة هفرين منصب نائبةٍ لهيئة الطَّاقة. وبعد عامٍ من العمل، تمّ دمج بعض الهيئات، ثمّ انتخبت رئيسةً مشتركةً لهيئة الاقتصاد في إقليم الجزيرة، إلى جانب مجالاتٍ أخرى.
عملت بجدّيّةٍ تقتضيها المرحلة ووضعت بصمتها في الرَّكائز الأساسيّة لتنظيم مجال الاقتصاد. وإيمانًا منها آنذاك بأنّ القضيّة السُّوريّة لن يكون لها أفقٌ للخلاص إلّا ضمن استراتيجيّةٍ سياسيّةٍ ونظامٍ كونفدراليٍّ ديمقراطيٍّ أيديولوجيٍّ متكاملٍ، كبديلٍ للسّلطة المركزيّة، توجّهت إلى العمل السّياسيّ. ناضلت مع نخبةٍ من الوطنيّين السُّوريّين من كافّة المكوّنات من أجل تشكيل جسمٍ سياسيٍّ جامعٍ لكلّ السُّوريّين، واختيرت “هفرينة السَّلام” أمينًا عامًّا لحزب “سوريا المستقبل” الَّذي كانت أحد مؤسّسيه عام 2018. ناضلت ضمن المناطق العربيّة في الرَّقّة والطَّبقة وعين عيسى وغيرها، ونظّمت نساءً عربيّاتٍ انخرطن ضمن التَّنظيم، وكان لها بصمةٌ في تنظيم المرأة العربيّة في تلك المناطق. تألّقها وقوّة الإرادة الَّتي اتّسمت بها في خدمة القضيّة، وكونها “بتول الحرّيّة”، كلّ ذلك جعلها تؤثّر في النّساء والمجتمع لتوحيد الصَّفّ السُّوريّ وتحقيق أهداف حزب “سوريا المستقبل”. لذلك، لم تكن شخصيّة الشَّهيدة هفرين خلف شخصيّةً عابرةً أو أنثى خانعةً، بل برزت كبروز القمر في ليلٍ كاحلٍ. كانت شعبيّتها تحيط بها وتتوسّع ضمن الفئات السُّوريّة، ولاقت احترامًا وقبولًا لدى العشائر العربيّة والكتل السّياسيّة والمكوّنات الأرمنيّة والمسيحيّة والسُّريانيّة. هذه الأيقونة البتول حقّقت مكتسباتٍ نوعيّةً في السّياسة الدّيمقراطيّة وتطوير دور المرأة، وكان الانجذاب المجتمعيّ والسّياسيّ لها يتطوّر يومًا بعد يومٍ. لذلك، برزت كإحدى ركائز مشروع الأمّة الدّيمقراطيّة وإحدى ممثّلات أيديولوجيّة تحرير المرأة.
واغتيلت في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، على يد فصائل مدعومة من تركيا أثناء العدوان على شمال سوريا.
في كمينٍ نصبه عناصر تابعةٌ لفصيل “أحرار الشَّرقيّة” المدعوم من تركيا، أثناء مرورها على الطَّريق الدَّوليّ قرب قرية الارتوازيّة جنوب تلّ أبيض، خلال المعارك العنيفة الدَّائرة بين قوّات سوريا الدّيمقراطيّة وفصائل المرتزقة الموالية لتركيا، في إطار العمليّة العسكريّة الَّتي عرفت بـ”نبع السَّلام”. هفرين خلف، الَّتي أدركت أنّ مفتاح السَّلام الدَّائم وطويل الأمد هو بناء مجتمعٍ ديمقراطيٍّ تعدّديٍّ، حيث يمكن للعرب والسُّريان والآشوريّين والكورد وجميع الطَّوائف الدّينيّة والعرقيّة العيش والعمل معًا جنبًا إلى جنبٍ. لذلك، دعت إلى سوريا متعدّدة الهويّة، كما أنّها نبذت العنف بكلّ أشكاله، هفرين لم تكن فقط امرأة. كانت مشروع حياة. كانت صدى لأمل شعوب، وصوتًا يعلو فوق السّلاح والحرب. على كلّ نساء سوريا، وكلّ رجالها الشرفاء، أن يحفظوا وصيّتها: “أستطيع أن أفعل”. فافعلوا. ليكن وفاؤنا لها، أن نبني معًا سوريا تعدديّة حرّة ديمقراطيّة، تليق بتضحياتها.

دعوةٌ لوحدة صفّ المرأة السُّوريّة…
إلى النّساء السُّوريّات العظيمات، إلى الأديبات والطَّبيبات والحقوقيّات، إلى الشَّاعرات والمهندسات والممثّلات والصَّحفيّات، إلى المدافعات عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان والإعلاميّات، إلى النَّاشطات والسّياسيّات والرَّائدات والقياديّات والتَّشكيليّات، إلى المعلّمات وربّات البيوت، وحاملات القضايا السُّوريّة على عاتقهنّ، إلى الطَّالبات الجامعيّات، إلى الأمّهات السُّوريّات، إلى صانعات السَّلام: نرفض رفضًا قاطعًا تعيين هذا المجرم السَّفّاح، ممثّل أبشع صور الجهل، حاتم أبو شقرا، ولا نرضى أن تسند إليه أيّ مهمّةٍ من المهامّ الإداريّة أو السّياسيّة أو العسكريّة الَّتي تخصّ الشَّعب السُّوريّ. فهو لا يمثّل بأيّ شكلٍ من الأشكال إرادة وتطلّعات الشَّعب السُّوريّ الحرّ بشكلٍ عامٍّ، وإرادة المرأة الحرّة بشكلٍ خاصٍّ. أنتنّ صاحبات إرثٍ تاريخيٍّ، فانهضن وانفضن عنكنّ غبار العبوديّة. كلّنا هفرين، كلّنا متضامناتٌ. اليوم هفرين وغدًا غيرها، وبعد غدٍ أيضًا لن تقف سلاسل الانتهاكات، فلن تكلّ الذِّهنيّة العفنة عن تسخير أجنداتها لمحاربة المرأة الحرّة. حقوقنا في المواطنة وإبداء الرَّأي والمشاركة السّياسيّة هي حقٌّ لنا، وليست صدقةً يمنّ علينا بها. ما نستطيع فعله هو تكوين “منظومة المرأة السُّوريّة” الَّتي يجب أن تكون سدًّا منيعًا أمام أيّ مفارقاتٍ مستقبليّةٍ، وأن تتّخذ تدابيرها لقطع دابر هذه الجراثيم السَّرطانيّة من هيكليّة مؤسّساتنا.

دعوةٌ لتنبّي فلسفة “المرأة، الحياة، الحرّيّة…
لسنا صفقةً، بل نحن طرفٌ أصيلٌ في القضيّة.
لسنا ناقصات عقلٍ؛ فلدينا عقولٌ بشريّةٌ تضاهي أيّ عقلٍ آخر.
لسنا سبايا لميراث الجهل والتَّخلّف والقطب اللَّاأخلاقيّ المنحرف.
لسنا أمّةً تذلّ وتخضع وتخنع.
نحن نعلم، ونعلم أنّنا نعلم، والعلم هو سلاحنا. والحرّيّة والدّيمقراطيّة والسَّلام والحبّ والعشق والمساواة والرّفاقيّة والمحبّة والعدالة والإرادة والشَّجاعة والجرأة والاستقلاليّة والقوّة والحنان والثَّوريّة والثّقة والرّقّة والجمال، كلّها تتجسّد في كينونتنا.
وكلّ فعلٍ يجب أن يكون له ردّ فعلٍ.
كوني امرأةً حرّةً! فالحياة لن تعطينا فرصةً أخرى لنثبت ذاتنا ونستعيد مكانتنا الطَّبيعيّة.
هفريني وهفرين كلّ أنثى تبحث عن حقيقتها: أنتِ لستِ هفرين ما لم تجدي في نفسك جانبًا منها، ولن تكوني حرّةً ما لم تطلبي الحرّيّة وتحاربي سياسة الإنكار الممنهجة، وتتّخذي من مبدأ “الدّفاع الذَّاتيّ” مرجعيّةً أساسيّةً. إنّ محور الحرب الشَّعبيّة الثَّوريّة، وفلسفة “المرأة، الحياة، الحرّيّة”، هما الأساس للوجود الكونيّ للمرأة الحرّة.

من خلال هذه المقالة…
أدعو كلّ النّساء السُّوريّات العظيمات إلى تشكيل منظومةٍ للمرأة السُّوريّة وتبنّي ثقافة السَّلام.

إضاءةٌ من تقييمات القائد عن واقع الشَّرق الأوسط…
«من المحال الوصول إلى أيّ منزلةٍ بالمواقف الدّينيّة والقومويّة الكلاسيكيّة، اليساريّة منها واليمينيّة، في السّياق المكانيّ والزَّمانيّ الحاليّين لمنطقة الشَّرق الأوسط. بل ومن الصَّعب النَّجاة من “الكفر” عبرها، على حدّ قول الأنبياء. هذا ومن العسير بلوغ أيّ مرتبةٍ عبر اليسار الجديد، أو المجتمع المدنيّ الهوائيّ غير المتجذّر، أو حركة المرأة الجاهلة بالتَّاريخ والغريبة عن الكدح.
أمّا السَّير عبر البرجوازيّة الصَّغيرة المدينيّة المفلسة والمنحصرة في خندقٍ ضيّقٍ، وعبر مثل تلك المسيرات المفتقرة إلى الذِّهنيّة والإيمان؛ فيمكن الوصول به إلى مكانٍ للتَّنزّه والاستجمام، لا غير.
أمّا بالأعجوبات الغارقة في السّمسرة، والمنجرّة وراء هيام المنصب؛ فلا يمكن الدّفاع عن أيّ فكرةٍ أو عقيدةٍ. على هذا النَّحو، من المحال تلبية احتياجات وآمال الإنسان؛ فالشَّرق الأوسط وشعوبه لطالما ما رأوا الشَّمس والأيّام المشرقة، ولطالما تلقّوا بعدها ضرباتٍ مبرّحةً في العديد من الأماكن والمواقف.
ستؤول بنا تعبئة أنفسنا بذهنيّةٍ يمكن تعريفها بهذا النَّحو، والسَّير بموجبها لدى الشُّروع بالتَّحرّك فوق الواقع الاجتماعيّ للشَّرق الأوسط؛ إلى التَّاريخ المخفيّ في الأغوار، وإلى فؤاده المتحوّل إلى رمادٍ. وستبلغ بنا إلى حقيقته الَّتي طالما بحثت عن النُّور. حينها فقط سنكون قد بدأنا بالصّراع النَّبيل اللَّائق بتاريخه الحقيقيّ وبالها طالما تاقت إليها واستحقّتها على مرّ آلاف السّنين.