أكاديمي مصري: نداء عبدالله أوجلان ينمّ عن قراءة واقعية للتطورات الإقليمية والدولية
أكد الدكتور في الدراسات السياسية مدحت حماد، أن نداء القائد عبد الله أوجلان هو مبادرة فذة تأتي نتيجة مراجعة سياسية وفكرية تراعي التغيرات في المنطقة والعالم بشكل دقيق، وتنمّ عن قراءة واقعية للتطورات، وأشار أنها ستؤدي لتحقيق مصالح الكرد عبر استراتيجية جديدة.

تستمر التفاعلات الإيجابية من قبل الدول والقوى والشخصيات على مستوى العالم، مع نداء القائد عبد الله أوجلان من أجل “عملية التحول الديمقراطي”.
مراجعة سياسية وفكرية
وفي السياق، أكد الدكتور مدحت حماد، أستاذ الدراسات الإيرانية والآسيوية في جامعة طنطا المصرية ورئيس مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية: “إن إعلان عبد الله أوجلان في منتهى الأهمية، لأنه يكشف عن مراجعة سياسية فكرية أيديولوجية بل ومراجعة قومية جديدة ذاتية قام بها بعد إعادة قراءة المشهد العالمي والإقليمي بأسره وبدقة كبيرة”.
مدحت حماد أشار إلى أن القائد عبد الله أوجلان تحدث عن ظروف نشأة حزب العمال الكردستاني، وتكوينه وتشكّل أهدافه ولجوء الحزب لحمل السلاح، وربط ذلك بعاملين كبيرين، العامل الأول هي الظروف السياسية التي كانت قائمة طوال النصف الأول من القرن العشرين، والتي قامت وارتكزت على أيديولوجيتين سياسيتين هما؛ الأيديولوجية الشعبية السوفيتية والأيديولوجية الرأسمالية الغربية، والثاني الصراع الكوني والعالمي الذي جسدته حربان عالميتان الأولى والثانية، وإنه في ظل هذين العاملين كانت ولادة وتشكّل حزب العمال الكردستاني.
وأوضح حماد أن في هذه الـ 100 سنة، شهد العالم ما شهده، من قيام العولمة وظهور نظرية العولمة التي كادت أن تقضي تماماً وتذيب مشروع القوميات والدول القومية، وأضاف متحدثاً عن فحوى نداء القائد عبد الله أوجلان: “انتقل البيان الاستراتيجي لعبد الله أوجلان إلى محطة جديدة وهي تتمثل في الاحتماء…. فقال إن احترام الهويات القومية أمر ممكن إذا ما كان هناك مجتمع ديمقراطي، وبالتالي فإن الديمقراطية من شأنها أن توحّد القوميات، وبالتالي كانت هذه الجملة في بيانه مقدمة لمطالبته برفع ونزع السلاح”.
وأشار حماد أنهم يستنبطون من نداء القائد عبد الله أوجلان، بأن هناك “حواراً طويلاً وممتد بين أوجلان والحكومة التركية، مفاده أن وحدة الكرد والأتراك في القرن الجديد من عصر الجمهورية بات أمراً ضرورياً لحماية القوميتين معاً، وهو ما يكشف أيضاً أن هناك مراجعة حقيقية قد جرت في العقل السياسي التركي الذي يدير شؤون الدولة التركية من جهة، ويدير الصراع مع الكرد بصفة عامة وأوجلان بصفة خاصة، وبالتالي ما كان يمكن لعبد الله أوجلان في ظني أن يصدر هذا البيان لولا أن لديه تطمينات ووعود والتزامات تركية بفتح المجال والحياة الديمقراطية السليمة أمام الكرد ليحققوا ما لم يتمكنوا من تحقيقه بالسلاح، وهذا أمر مهم وتجسده كلمات وسطور بيان ورسالة أوجلان”.
وأضاف: “لقد ذكر أوجلان من الشواهد التي تؤكد ذلك، حيث أشار إلى دعوة السيد دولت بهجلي وأيضاً تحدث عن إرادة رئيس الجمهورية ومقاربات الأطراف الأخرى، وذكره لهذه العوامل هي التي تؤكد أن هناك حوار طويل كان يجري بشكل غير رسمي بين أوجلان وبين الحكومة التركية، وبالتالي كل ذلك جعله يدعو بقوة وبشيء من الثقة ويقين كبير إلى نزع السلاح من جانب حزب العمال الكردستاني”.
استراتيجية جديدة
مدحت حماد أكد أن هذا الأمر يكشف استراتيجية جديدة لدى القائد عبدالله أوجلان، فهو “يدعو إلى قرن جديد من العلاقات والوحدة بين الكرد والأتراك وهذا أمر مهم جداً، ودعا لعقد مؤتمر من جانب حزب العمال الكردستاني وأن يتخذ الحزب قرارات طوعية، ونركز على كلمة طواعية ثم دعا بعد ذلك إلى إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني، ودعا إلى خطة استراتيجية من ٣ نقاط ومراحل، المرحلة الأولى هي اتخاذ قرارات خاصة بالعيش السلمي داخل تركيا بشكل طوعي، والمرحلة الثانية هي إلقاء السلاح والمرحلة الثالثة هي أن يحل الحزب نفسه بنفسه، وهو بذلك قد كشف أن السبيل الوحيد هو بتنفيذ هذه الخطة الثلاثية، واتخاذ قرارات جريئة وطوعية في ظل الأيديولوجية التي قام عليها الحزب”.
وأوضح حماد أن القائد “عبد الله أوجلان قد قرأ ما بين السطور فيما بات يحمله المستقبل بالنسبة للقضية الكردية من ناحية، وأيضاً ربما انكشفت له بعض من الخطط الغربية، خاصةً الأمريكية التي من شأنها أن تضرب المصالح الاستراتيجية والحيوية للكرد والاتراك معاً في السنوات القادمة، امتداداً إلى ما حدث في سوريا، وهذا أمر مهم جدا وفي منتهى الخطورة”.
قراءة واقعية للمشهد الإقليمي والدولي
ورأى مدحت حماد في ختام حديثه أن للقائد عبد الله أوجلان قراءة واقعية للمشهد الإقليمي والدولي، وقال: “عبد الله أوجلان ربما أراد أن ينقذ مستقبل القضية الكردية على عكس بعض التنظيمات السياسية الأخرى، مثل الإخوان المسلمين الذي كان من الغباء لدرجة أنه اصطدم مع معظم النظم والدول السياسية التي يوجد فيها تنظيم الإخوان المسلمين، مثل مصر فعندما استغبى تنظيم الإخوان المسلمين ولم يقرأ المشهد بإمعان هُزم مشروعهم في مصر، وفي الكثير من الدول العربية، عبد الله أوجلان هنا قد قرأ المشهد جيداً وقرأ مصير مشهد الإخوان المسلمين جيداً، وأراد يحافظ على وجود وكينونة القضية الكردية في المائة عام الأخرى القادمة”.