المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

القائد أوجلان: أمام إيران طريقان للحل!

يطرح القائد عبدالله أوجلان خيارين اثنين أمام الدولة القومية الإيرانية لحل قضاياها العالقة، ويبين أن الحداثة الرأسمالية وأنظمة الدول القومية أمست غير قادرة على إعادة طرح نظامها، لذلك إذا أرادت الحل فعليها الانقطاع الجذري عن النظام القائم والحل يكمن في العصرانية الديمقراطية الذي لا ملاذ منه.

 خبر  26 أيلول 2022, الأثنين – 02:28 2022-09-26T02:28:00 مركز الأخبار

FacebookTwitterWhatsAppTelegram

باتت الرأسمالية العالمية تعيش على النقيض مع مشاكلها التي لم تعد باستطاعتها العيش معها وحلها بعد إفرازها للدولة القومية التي أصبحت بلاء على البشرية، لذلك لم تعد شعوب الشرق الأوسط تتحمل ما بلوره هذا النظام الدامي من قمع واضطهاد وظلم بحقهم، لهذا نشاهد انتفاضات وثورات تطالب بتغيير ذهنية النظام المركزي القائم على عدم قبول الآخر.

ويطرح القائد عبد الله أوجلان في المجلد الخامس “مانيفستو الحضارة الديمقراطية القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية”، الدولتية القومية الشيعية الإيرانية ودورها في الشرق الأوسط، والخلل الكامن في النظام الإيراني وإمكانية حلها بالطرق الديمقراطية. وتشهد مناطق روجهلات كردستان انتفاضة ضد سياسات النظام الإيراني تقودها المرأة بشعار “المرأة حياة حرة”، وتأتي هذه الانتفاضة بعد مقتل الشابة الكردية (جينا) مهسا أميني على يد شرطة الإرشاد أو الأخلاق كما تسمى، والتي أصبحت شعلة للانتفاضة.

أمست الشيعية أيديولوجية الدولة في عهد السلالة الصفوية

على النقيض مما هي عليه الجمهورية التركية، فإن تقاليد الدولة الإيرانية لا تقبل الحسر والتحجيم إلى الحدود الدنيا بسهولة، بل حتى أن الملكية الإيرانية في العصر الحديث أيضاً قاومت التحجيم إلى الحدود الصغرى أكثر من الجمهورية التركية، وقد اتخذت الثورة الإسلامية الإيرانية الناشبة في 1979 موقفاً مهماً إزاء نظام التوازن وتحجيم الدول القومية التي خطت حدودها الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط إلى الحدود الدنيا.

كما فرضت هيمنتها منذ البداية في وجه الهيمنة الإسرائيلية. ورغم قبول الجمهورية التركية والدول القومية العربية بشرعية نظام الدولة القومية الذي مكن من وجود إسرائيل، فإن الثورة الإسلامية الإيرانية ـ ورغم تذبذبها وعدم ثباتها لم تقبل الوضع المرسوم كما هو عليه بل وشرعت تبذل جهودها لتكوين هيمنة مضادة له لذا, فالتوتر المُلاحظ في راهننا بين إيران وإسرائيل لا يجري بين دولتين قوميتين وحسب، بل يجري بين نظامي قوتين تعملان على بسط هيمنتهما.

ينبغي التوقف عند إيران عن كثب أكبر، نظراً لكونها ثاني قوى لاهثة وراء بسط الهيمنة ومثلما بينت في المجلدات الأخرى من المرافعة، تمتد جذور تقاليد الدولة الإيرانية إلى عهد الكونفدرالية الميدية (1000ـ 550 ق.م) وتتشاطر مع الكرد الميديين ثقافة مماثلة وتعد الزرادشتية والميترائية مصدرين مهمين نجحا في نشر أصداء هذه الثقافة على مر سياق التاريخ.

وقد أسست الإمبراطورية البرسية، التي هي أول دولة إيرانية، باقتفاء أثر الكونفدرالية الميدية كلياً لذا، فهي تعادل سياق إمبراطورية لعب الميديون أيضاً دوراً رئيسياً فيها، وهي تتسم بدور أولي في الانتقال من عبودية العصور الأولى إلى عبودية العصر القديم (1000ـ500 ق.م). والاستعباد الإغريقي والروماني القديم مدين بوجوده إلى التوسع البرسي ـ الميدي.

أما العصر الهيليني المبتدئ مع فتوحات الإسكندر (300 ق.م ـ 300م) فيشير إلى تركيبة جديدة خلاقة بين الثقافتين الشرقية والغربية. أما الأزمة الخانقة الناجمة عن حروب الهيمنة العالمية التي دامت قروناً بأكملها فيما بين روما والبارثيين من جهة، وروما (بيزنطة) والساسانيين (حوالي 100 ق.م ـ 360 م) من الجهة الأخرى؛ فقد انتهت بصعود الإسلام كقوة مهيمنة.

وهكذا، فقد مُثلت تقاليد الدولة الإيرانية من قبل السلالات العربية والتركية والمغولية الغريبة عن ثقافتها هي قرابة ألف سنة تمتد من الفتوحات الإسلامية إلى حين تأسيس السلالة الصفوية (650ـ 1500 م).

ثم أمست الشيعية أيديولوجية الدولة في عهد السلالة الصفوية. وفي هذه الفترة أرسيت دعائم إيران الحديثة. هذا وقد انتهت حرب الهيمنة التي خاضتها ضد الإمبراطورية العثمانية حول كردستان بمعاهدة قصر شيرين 1639. وهكذا قسمت كردستان إلى جزأين، ولأول مرة، مع دخولها العصر الحديث. وبهذا التقسيم ألحقت ضربة جادة باحتمال نشوء كيان دولة معاصرة في كردستان. لكن سياسة العيش المشترك قد توطدت داخل الإمارات الكردية بنحو منيع مع القوى المهيمنة بناء على شبه الاستقلال الداخلي.

إن الدولة الإيرانية التي جلست على عرشها بضع سلالات، قد أعيد بناؤها بعد الحرب العالمية الأولى كدولة قومية حديثة أفرزتها حسابات إنكلترا في الهيمنة، تماماً على غرار ما حصل في مثال الجمهورية التركية والمملكة الأفغانية، ومثلما تم الوفاق مع مصطفى كمال، فقد ودع الشاه رضا أيضاً السلطة مقابل إيران صغرى.

فإنكلترا التي حجمت الجمهورية التركية وإيران والملكية الأفغانية في هذه الفترة، قامت بهيكلة وتأسيس كل منها باعتبارها دولة قومية عازلة على الطريق الهابط صوب جنوب روسيا الاتحادية. وعدم تحويلها تلك المساحات إلى أنظمة استعمارية كلاسيكية لا يتأتى من ضعفها ووهنها، بل تخوفاً وتحاشياً من توسع روسيا الاتحادية.

في حين أن سياسة الدولة العازلة كنظام إنكليزي مطبق بنجاح موفق عموماً، بدءاً من مطلع القرن التاسع عشر وحتى يومنا الحالي، أما سلالة الشاه رضا، فطبقت منهاج حداثة تقلد الغرب وتترك تقاليد الثقافة الإيرانية جانباً، ودارت المساعي للحفاظ عليها صامدة بصفتها نظاماً تابعاً لإنكلترا ثم لأمريكا، بل وحتى لإسرائيل أيضاً.

وأسطع صورة دالة على ماهية الدولة التابعة الكامنة في الدول القومية الشرق أوسطية، قد بسطت للعيان مع “سلالة البهلوي” الأخيرة. فتلك الدول المرتكزة على عكازة قوة العسكر والشرطة. قد أطيح بها بين ليلة وضحاها، بمجرد أن رفعت القوى المهيمنة يدها وتخلت عنها. وهكذا كانت نهاية سلالة البهلوي.

الثورة في بداياتها حملت طابعاً وطنياً ديمقراطياً

ثورة 1979 الإسلامية الإيرانية ثورة ثقافية بقدر ما هي سياسية. ولم تنهل هذه قوتها من تنظيم العلماء الشيعة فحسب، بل بالعكس، فقد استقت قوتها الأساسية من الثقافة المجتمعية للشعب الإيراني، والتي تكمن جذورها في أغوار التاريخ السحيقة.

هذا وكانت الثورة في بداياتها ذات طابع وطني ديمقراطي على غرار ما حصل في قريناتها من الثورات الفرنسية والروسية والأناضولية. وكانت تستند إلى تحالف الأمة الديمقراطية النابع من التعاضد المترامي الأطراف للشرائح الوطنية من أبناء مختلف الشعوب الإيرانية، وفي مقدمتهم الشيوعيون والشيعة القوميون والكرد.

لكن فريق العلماء الشيعة والشريحة الوسطى من التجار (السوق)، والذين يتمتعون بتقاليد تاريخية واجتماعية أوطد وأعتى في حقل الإدارة، قد أسسوا هيمنتهم في غضون فترة وجيزة، وسحقوا حلفاءهم الآخرين بلا رحمة ولا هوادة. هذا وكان جرى عيش سياق مهيمن مماثل في الجمهورية التركية أيضاً في عشرينيات القرن الماضي. ورغم تحريف أرضية الأمة الديمقراطية للثورة على يد العلماء الشيعية، إلا أنها كانت تشكل في جوهرها اختلافاً يشذ عن الحداثة الرأسمالية.

فرصة الأوليغارشية الإيرانية في النجاح والنصر جد متدنية

وقد سعت الأوليغارشية الشيعة إلى استخدام هذا الزخم من الإرث المناوئ للرأسمالية، والذي يتسم بمعاني تاريخية وثقافية جد عظيمة، وتوظيفه كورقة رابحة بيدها لشرعنة وجودها، هي حيال قوى النظام الأوليغارشية الإيرانية تنصب في استخدام أرضية الثورة المناوئة للحداثة (المضادة للرأسمالية) كسلاح فتاك ضد قوى الهيمنة الغربية، بغية انتزاع المصادقة والشرعية للتربع في مكانة مغالى فيها ضمن توازنات الدول القومية في الشرق الأوسط.

بمعنى آخر، فهي مضموناً ليست على تناقض مع الحداثة الرأسمالية من حيث كونها حداثة مختلفة، أما التناقض القائم مع النظام، فيستخدم لأهداف ترمي إلى نيل نفس النتائج المرجوة وبنحو مماثل لما كان سائداً في الدول القومية العربية وكذلك في الجمهورية التركية خلال مرحلتيها الأولى والثانية من مساع للانتفاع مما هو قائم في إيران، هو صفقات التجار التي هي نموذج مثالي للسوق المتميز بمنزلة حصينة في التقاليد الإيرانية. وفي هذه النقطة بالتحديد يبدأ التناقض في إيران.

فالتقاليد الثقافية المنيعة لا تقبل حتى بالأوليغارشية الشيعية المتساومة مع الحداثة الرأسمالية. بناء عليه، ففرصة تحول التناقض القائم في إيران إلى كفاح يتراوح بين حداثتين بديلتين لبعضهما البعض موجودة دائماً. على أرض الواقع، وعلى النقيض مما عليه الحال في تركيا والدول القومية العربية، لا تلوح في الأفق المنظور إمكانية القضاء عليه بيسر.

ورغم طرح المزاعم قولاً بالأغلب، إلا أن الأوليغارشية الإيرانية باشرت في راهننا بخوض صراع ضد إسرائيل بشأن بسط الهيمنة على الشرق الأوسط. ونخص بالذكر أنها تعمل على استخدام أنشطتها النووية كثاني ورقة ضغط بيدها لمآربها هذه.

هذا وقد اندفعت التقاليد الشيعية وراء الهيمنة تاريخياً أيضاً. وهي تسند ظهرها إلى إيران مهيمنة لآلاف السنين، وتحكم قبضتها عليها كسلاح فتاك بيدها، ولكنها تغالي من مدى قوتها في ظل ظروف الحداثة الرأسمالية. إلا أن فرصة الأوليغارشية الإيرانية في النجاح والنصر جد متدنية، في حال لم تصب تركيزها على خيار حداثة جذرية في عصر تعولم فيه النظام القائم على أقصاه.

زد على ذلك أنها تشبه نفسها بدول بريك، وتقوم بذلك بحسابات تشكيل حلف منفرد بذاته. كما تتطلع إلى توظيف سوريا في توسيع نطاق التحالف الذي أبرمته مع جمهورية AKP الثانية على خلفية معاداة PKK. لكن كل هذه الحسابات لا قيمة لها على الإطلاق.

أمام إيران طريقان للحل

وعلى غرار الدول القومية الأخرى في المنطقة. ينتصب أمام الدولة القومية الإيرانية أيضاً طريق حل قضاياها العالقة على محورين اثنين. إذ تصب وعود الحل للمحور الأول في مصب الوفاق مع النظام القائم، تماماً مثلما هو النظام الملكي، وفي حقيقة الأمر، فالأوليغارشية الشيعية جاهزة لذلك. إلا أن النظام القائم لا يقبل بها كما هي عليه. لكن مفاوضات الوفاق الجارية سوف تنتهي ـ دون بد ـ لصالح القوى المهيمنة الرأسمالية، بالسلم كان أم بالحرب.

أما في المحور الثاني، فسيكون الانقطاع الجذري عن النظام القائم موضوع حديث، عندما يغدو حل القضايا العالقة في الأجندة، وهذا بدوره ما سيكون حل العصرانية الديمقراطية الذي لا ملاذ منه، في حال باتت الأوليغارشية الإيرانية وقوى الهيمنة الغربية (وعلى رأسها إسرائيل) على حد سواء خائرة ولا حول لها ولا قوة.

لقد سعينا إلى طرح النقاشات بصدد العصرانية الديمقراطية بغية تقييم أزمة الدولة القومية وما بعدها. ذلك أن عدداً جماً من الأحداث التي تخطت منذ أمد سحيق نطاق المأساة في الشرق الأوسط، والتي باتت دليلاً على الكوارث المفجعة؛ فقد خرجت كونها متعلقة فقط بالشعوب المعنية (كالأرمن، السريان، الهيلينيين، اليهود، الفلسطينيين، الكرد، الأتراك، العرب، والأفغان وغيرهم).

وغدت تحيط بكافة مناحي الحياة الاجتماعية ضمن المنطقة. كما أن الحداثة الرأسمالية وأنظمة الدول القومية، والتي تعتبر بذات نفسها سبب كل تلك المآسي والنكبات الكارثية الكبرى المُعاشة، أمست غير قادرة على إعادة طرح نظامها هذا والأنظمة التابعة له على أنها الحل المرتقب. ولهذا السبب بالتحديد، يتحلى تركيز المداولات حول الحداثة، وتقييم فرص العصرانية الديمقراطية في صياغة الحل والخروج من الأزمة بالأهمية العظمى.

(ك)