توجيهات نحو التسامح والسلام … قراءة في رسائل القائد أوجلان الأخيرة
يواصل القائد رسائله، وفي كل رسالة معنى ومضمون في نهاية المطاف يرتكز على إيمانه بالسلام والعيش المشترك والاعتراف بالآخر، كمبادئ تجسدها الأمة الديمقراطية.

على مدار الأيام الماضية تعددت رسائل القائد عبد الله أوجلان، وقد حملت مضامين عميقة تركّز على التسامح والحوار، وتؤكد أهمية السّلام، وتساعد أكثر على رسم مساره، وتعبر عن المسؤولية التي حملها على عاتقه، لما لا والمنطقة تعيش توقيتاً حساساً، سواء على المستوى الكردي أو التركي أو حتى الإقليمي الأوسع.
رسائل لم تخلُ جميعها تقريباً من تشديد القائد آبو على أن طريق السلام هو الخيار الوحيد الذي يضمن بقاء الشعوب وتعايشها بكرامة. وأن الصراع المستمر، مهما طال، لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانقسامات والخسائر. فضلاً عما تضمنته من قناعات في فلسفته بقيمة ومكانة العلاقات بين المكونين العربي والكردي، ناهيك عن رسائله للشباب بما يملكون من مكانة لديه.
رسالة العشائر العربية
واحدة من أهم تلك الرسائل المهمة كانت موجهة من القائد آبو إلى العشائر العربية سواء في سوريا أو في تركيا، التي أكد فيها دعمه لأخوة وتحالف الشعبين الكردي والعربي على أساس تاريخي. وأشار خلالها كذلك إلى أهمية الصداقة والأخوة والتحالف بين الشعبين العربي والكردي، والتي قال إنها كانت دائماً في المقدمة، معدداً القواسم التي كانت عاملاً رئيسياً في التقارب بين الشعبين الكبيرين بالمنطقة.
حول مضمون تلك الرسالة، يقول الدكتور نهاد القاضي رئيس المعهد الكردي للدراسات والبحوث، في تصريح هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أوجلان في رسالته هذه تحدّث وهو مدفوع بمفهومه الأمة الديمقراطية، مؤكداً أن التآخي العربي – الكردي ليس وليد اليوم وإنما وليد التاريخ، على نحو أشار إليه القائد، فحسن العلاقات العربية – الكردية كان سبباً في اعتناق الكرد للإسلام، موضحاً أن حديثه كان موجهاً للشعوب العربية وليس الحكومات.
وأضاف القاضي أنه للأسف الحكومات العربية المتوالية كانت ظالمة لأقصى الحدود مع الشعب الكردي، فالأزمات كانت كثيرة للكرد، على سبيل المثال في العراق قُصِفوا بالأسلحة الكيماوية، وكذلك الحال في سوريا بما وقع من هجمات مختلفة ضد الكرد، حتى أنهم لم يُمنَحوا الاعتراف بهويتهم، مشيراً إلى أنه في المقابل فإن الشعوب العربية وقفت مع الشعوب الكردية في كل محنها، معتبراً أن هذا ما دفع القائد للحديث عن وحدة الشعبين، في إطار بحثه عن هوية السلام والاعتراف بالآخر والعيش المشترك.
رسالة إلى الشباب
رسائل أوجلان كانت إحداها موجهة إلى الشباب، وتحديداً الذين توجهوا ويتوجهون إلى أوروبا، حيث طالبهم بالعودة إلى أوطانهم وأداء واجبهم تجاهها، مؤكداً “أُفضِّل إمرالي على الذهاب إلى أوربا، أقولها بوضوح تام: عليهم أن يؤدوا واجبهم تجاه أرضهم وثقافتهم، وأنا أشجعهم على ذلك، ومن أهدافي في هذه العملية ضمان عودة كريمة من المنفى إلى وطننا”.
وتعقيباً على هذه الرسالة، يقول الدكتور علي ثابت صبري وهو أكاديمي مصري متخصص في علم التاريخ، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن أوجلان خص الشباب في دعوته بعودة الكرد من أوروبا إلى أوطانهم؛ لما لهذه الفئة من مكانة كبيرة في فلسفته وفكره لبناء المجتمع الديمقراطي، على نحو يجعلنا نقول إن المشروع الأوجلاني يرتكز على الشباب بشكل رئيسي، فهم طلائع ثورته الذهنية.
ويضيف صبري أنه ليس هذا فحسب، بل إن فلسفة أوجلان بما تقدّم من أفكار من شأنها الحفاظ على الهوية، تساهم بشكل كبير في إنقاذ الشباب من موجة التغريب التي تطارد هويتهم، وتعزلهم عن قضاياهم المصيرية، وألّا يقعوا فريسة للحداثة الرأسمالية، وخصوصاً في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها القضية الكردية، بل والمنطقة ككل.
ما من شك إن رسائل عبد الله أوجلان تُقدّم ملامح لرؤية سياسية وأخلاقية تتجاوز منطق الحرب والصراع. كما أنها دعوة للتفكير الهادئ والمراجعة العميقة، التي تساهم في صياغة مرحلة جديدة يكون فيها السلام مشروعاً عملياً، لا مجرد شعار، وهي المرحلة التي كانت نقطة انطلاقها في 27 شباط حين أعلن القائد نداء السلام والمجتمع الديمقراطي.