المبادرة السورية لحرية القائد عبدالله اوجلان

مقالة:للاستاذ أنس المرفوع

22
الصورة الحالية ليس لديها نص بديل. اسم الملف هو: صورة-واتساب-بتاريخ-1446-09-18-في-14.29.51_755fea77.jpg

لاعدالة دون اعتراف : ذاكرة المظلومين أساس بناء الدول :
يقدم الكاتب الروسي دوستويفسكي في رواية ذكريات من منزل الأموات تحليلا نفسيا عميقا لسلوك السجناء حيث لاحظ أن بعضهم يتعمد إثارة المشاجرات ليس بدافع الشجار أو الكراهية بل بحثا عن الاهتمام والاعتراف والاهتمام بهم فهم يجدون أنفسهم لحظة الصراع محط أنظار الآخرين الذين يسارعون لتهدئتهم بكلمات التراضي أو الاحترام وهذا الأمر يمنحهم شعورا مؤقتا بالقيمة والاهتمام وهنا يكشف دوستويفسكي أن الإنسان حتى في أسوأ حالاته يبقى عطشانا ويحتاج للاعتراف به فالحاجة إلى الاحترام والتقدير هي حاجة وجودية وغيابها قد يدفع الفرد إلى التمرد أو العنف كوسيلة وحيدة ليسمع صوته أنه موجود وتحليل دوستويفسكي حقيقة ارى أنه لا يقتصر على السجناء بل يمتد ليشمل المجتمعات والدول فحقيقة الشعوب التي تشعر بالتهميش والإقصاء يتحول سخطها إلى ثورات وحروب طاحنة حيث يقول المفكر أوجلان أن المجتمع الذي لا يعترف بتنوعه هو مجتمع مريض ، وسوريا خير مثال على ذلك حيث أدى إهمال حقوق الشعب وقمع مطالبه المشروعة إلى تفاقم الأزمات واندلاع الصراع الدامي فلو أن حكومة الأسد تعاملت مع مطالب الناس بمنطق الحوار والاحتواء بدلا من القمع والعنف واعترفت بحقوقهم في العدالة والمساواة لربما تجنبت سوريا سنوات من المجازر الدموية والدمار والخراب الذي طال المدن مثل ودمشق وحلب وحمص ودرعا وأدى إلى استشهاد الآلاف ونزوح الملايين وتشريدهم وهذا يجب أن يكون درسا واضحا وبليغا لكل الحكومات القادمة بأن القمع لا يولد إلا الدمار وأن الحوار هو الطريق الوحيد لبناء سوريا جديدة حيث يجب أن يسن قانون صارم يجرم سفك الدم السوري بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني أو القومي لأن الدم السوري واحد ولا مستقبل لأي بلد إلا بالعدل والمساواة والاعتراف بحقوق جميع مكونات الشعب فحقيقة الدول التي تحتوي تنوعها تزدهر والتاريخ حقيقة يقدم أمثلة واضحة على ذلك فحين اختارت جنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري سياسةالمصالحة الوطنية بقيادة نيلسون مانديلا واعترفت بآلام المظلومين دون انتقام تحولت من دولة تعيش حالة حرب أهلية إلى دولة مستقرة وفي المقابل أيضا نرى في العراق بأنه عندما اختارت العراق على زمن صدام حسين تهميش الأكراد والشيعة شهدت حروب طاحنة ومجازر مروعة وبالنهاية سقوط النظام بشكل دموي وأيضا ساهمت الانقسامات الطائفية في العراق ما بعد سقوط صدام وأيضا إقصاء السنة في خلق بيئة خصبة لصعود التنظيمات المتطرفة بما في ذلك داعش فحقيقة يشرح إريك فروم في كتابه الهروب من الحرية كيف أن الخوف من العزلة والتهميش يدفع البشر إلى تبني هويات متطرفة إذا لم يجدوا قبولا في المجتمع، ولذلك نرى أن سنغافورة قدمت درسا مهما في قدرة أي بلد على تحويل تنوعه العرقي والديني إلى مصدر قوة من خلال ضمان حقوق الجميع فهيغل يرى في أي صراع (سواء صراع الاعتراف أو الثورات المطالبة بالحقوق) محركا أساسيا للتاريخ حيث لا يهدأ الصراع إلا حين يحصل الطرف المهمش على الاعتراف بكيانه ولهذا فإن أي حكومة ترغب في كسب ود شعبها خاصة في مجتمع متعدد المكونات أرى أن عليها تبنى سياسة الاحتواء لا الإقصاء والحوار لا القمع والاعتراف لا الإنكار لأن التجارب التاريخية أثبتت أن الدول التي ترفض الاعتراف بتنوعها تنهار من الداخل بينما تلك التي تحتضن اختلافاتها تبنى مستقبلا مشتركا مشرقا ومستدام فالإنسان سواء كان سجينا أو مواطنا يظل يبحث عن شيء واحد: أن يرى وأن يسمع وأن يعترف به وتحترم كرامته وإرادته، نختتم بمقولة اعجبتني قرأتها في مانيفستو الحضارة الديمقراطية للمفكر عبدالله أوجلان حيث يقول : لا يمكن تحقيق العدالة دون الاعتراف بذاكرة المظلومين . وهذا ينطبق تماما على سوريا حيث أرى أنه لن يتحقق الاستقرار إلا إذا اعترفت الدولة بآلام كل مكوناتها وعملت على ضمان حقوقهم السياسية والثقافية فالعنف حقيقة ليس سوى لغة من لم يجدوا لغة أخرى ليسمعوا بها شعوبهم.
الأستاذ أنس المرفوع