متمسك به رغم الصعاب.. مراقبون يشيدون بتصريحات القائد عبدالله أوجلان حول السلام
لاقت التصريحات الصادرة عن القائد والمفكر عبدالله أوجلان بشأن عملية السلام، ردود فعل إيجابية على الصعيدين الدولي والإقليمي، بعد تأكيده على تمسكه بإنجاح هذه العملية بحسب آخر رسائله التي أتت من سجن إمرالي.

“رغم سجنه وعزله في إمرالي، وتزامناً مع استمرار الانتهاكات التركية بحق الشعب الكردي في الداخل وعلى الأراضي السورية، أعلن القائد عبدالله أوجلان تمسكه بنداء السلام الهادف إلى فرض الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والتوصل إلى حلول جذرية للقضية الكردية مع حكومة أردوغان. وهو ما لاقى ترحيباً كبيراً من قبل المراقبين والمتابعين للشأن الإقليمي، مؤكدين أن القائد عبدالله أوجلان لم يأبه بمراوغات أردوغان المعهودة، ووفقاً للمعطيات الراهنة، يرى القائد أن هناك ضرورة لتنفيذ رؤيته، وهو ما عبّر عنه في آخر رسائله من السجن، مهنئاً الشعب الكردي بعيد النوروز وسعادته بالتزامهم بما جاء في نداء السلام.
رؤية القائد
ووفقاً للعديد من المراقبين، فإن إصرار القائد على تحقيق السلام في ظل التوترات الإقليمية الراهنة يجسد تطبيقاً عملياً لفلسفته التي تحض على التعايش في إطار التنوع، لأنه يدرك جيداً طبيعة الشعبين الكردي والتركي وعلاقتهما المتجذرة منذ مئات السنين، والتي شهدت حقباً تاريخية تحالفاً بين الشعبين للدفاع عن الوجود. إلا أن الحداثة والرأسمالية استهدفت تدمير كل ما هو مشترك، ببث الفرقة وإثارة النعرات الطائفية والعرقية والإثنية، وهو ما تعرض له القائد في أطروحاته وفكره، وكان ذلك سبباً في المؤامرة الدولية لسجنه. وبرغم العزلة في إمرالي، إلا أن رؤية القائد أوجلان وتمسكه بالنداء تؤكد اطلاعه على الأوضاع السياسية في الداخل التركي ومنطقة الشرق الأوسط، حيث يرى أن هذا المنطلق يمثل بداية لاستقرار تركيا والمنطقة وحل القضية الكردية.
يدرك القائد ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من اضطرابات على أكثر من صعيد كنتيجة طبيعية للتدخلات الغربية في شؤون المنطقة، بداية من اتفاقية سايكس بيكو حتى الآن. ومن ثم، فإن هناك ضرورة لخلق حالة من الاستقرار المؤقت في المنطقة للملمة الصفوف والعودة مجدداً للتصدي لتلك المخططات، بما يؤكد أن القائد أوجلان لم يعد مهموماً فقط بالقضية الكردية، وإنما بدول المنطقة التي ترزح تحت نير الحداثة المدمرة بفكرها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الدخيل على شعوب المنطقة.
معطيات جديدة
الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال في تصريح لوكالة فرات للأنباء: “إن ما تضمنه نداء السلام وتصريحات القائد الأخيرة تعكس القدرة الفائقة على التأثير في الأوضاع السياسية والإقليمية ويلقى هذا النداء صدى كبيراً بين الشعوب والنخب الشرق أوسطية التي تعاني من الإمبريالية والاستغلال الطبقي، ومن ثم فإن تمسك القائد بنداء السلام الذي سبق وأن أطلقه من سجن إمرالي جاء من منطلق إدراكه بتفاصيل العلاقات مع تركيا وموقفها من القضية الكردية، وكما سبق وأن حمل السلاح وناضل ضد الاحتلال التركي، يرى القائد أن الوقت الراهن يتطلب حلاً سلمياً بعد سنوات طويلة من الكفاح المسلح، كما جسد نداء السلام دليلا على قدرة القائد على التعامل مع الحقب الزمنية المختلفة وفقاً لمعطياتها التي تتطلب تغير في الأداء والتعاطي مع الأحداث، وأرى أن نداء السلام سيحقق حالة من الاستقرار ليس في الداخل التركي وسوريا فحسب وإنما في عموم المنطقة».
وتجسد رؤية القائد فيما يخص نداء السلام قراءة للمستقبل لدرء المخاطر والحد من الانتهاكات التركية، التي باتت فاعلة ومؤثرة عقب سقوط نظام البعث وسيطرة هيئة تحرير الشام على الحكم بما يمثل ضغوطاً جديدة وكبيرة على الإدارة الذاتية ومن ثم فإن نداء القائد يخفف من تلك الضغوط، كما يمثل بداية جديدة للتفكير في واقع المنطقة وأزماتها وسبل إنهائها وفرض السلام.
تحولات إقليمية

الدكتور كرم سعيد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي أكد في تصريح صحفي لوكالة فرات للأنباء «ANF» أن نداء السلام وتمسك القائد عبدالله أوجلان به يأتي بعد تحول في المواقف الدولية بشأن القضية الكردية في أعقاب صعود إدارة جديدة في سوريا، فضلاً عن تحول في رؤية بعض الأحزاب السياسية التركية للقضية وتبنيها توجهات جديدة للتقارب مع الشعب الكردي، وعليه فإن نداء القائد عبدالله أوجلان يرتبط بمحفزات ومتغيرات محلية وإقليمية مغايرة باتت تدفع في اتجاه المصالحة، خاصة وأن هناك تراجع لسياسة القوة الصلبة في التعامل مع الخلافات، بعد الخسائر الكبيرة في الطرفين حيث لم يتمكن الاحتلال التركي من محاصرة الإدارة الذاتية بإقليم شمال وشرق سوريا أو إقليم كردستان العراق».