عقدة غورديون ستُفك في إمرالي – رؤوف كاراكوجان

أدى الحريق الذي اندلع في أحد فنادق مدينة بولو التركية ومقتل 78 شخصاً في ذلك الحريق إلى تأخير الأجندة السياسية قليلاً، وقدّم القائد عبد الله أوجلان في اللقاء الذي استمر نحو 4 ساعات، تعازيه لذوي الضحايا، ولم تُكشف تفاصيل أخرى عن مضمون اللقاء، لكن جملة “عمل السيد أوجلان على العملية مستمر، وبعد انتهاء استعداداته في هذا المجال، سيشارك التصريحات اللازمة مع الرأي العام”، تلخص الوضع الحالي، كما أنّ التأكيد على أنّ “هذه العملية ستتيح لنا العيش معاً بشكل حر دليل مهم على محتوى اللقاء وإطاره”.
على الرغم من أن الحريق في بولو قد شغل الناس، فإنّ تركيز الرأي العام ينصب على الاجتماع في إمرالي، وردّ إمرالي هو الأمر الذي ينتظره الجميع، وعلى الرغم من أنّ تصريح الوفد بعد زيارته الثانية إلى إمرالي غير مرضٍ ومختصر بالنسبة لنا وللجميع، فإن الجملتين أعلاه تقولان الكثير.
ومن الواضح أن العملية تتمّ بعناية ووعي وشجاعة، بعض الشخصيات التافهة على شاشات الإعلام المؤيد والمعارض لا تدرك أهمية العملية ولا تعرف وزنها وكلامها أيضاً فارغ جداً، يمكن للمرء أن يفهم من هذا التصريح المقتضب للوفد أنّ إمرالي تشهد تنفيذ عمل واسع وعميق، والذي لا يمكن أن يفهمه أبداً أشخاص يشبهون الباعة ينظرون إليها من منظور “ماذا سيأخذون، وماذا سيعطون”.
إن الأشخاص الذين لا يفكرون في حل مشكلة عمرها قرن من الزمن، دخلوا في حالة من الترقب؛ فهل سيخرج جنّي من مصباح علاء الدين المظلم ويحل هذه المشكلة الخطيرة في أسرع وقت ممكن، كما أنّ الذين يتعاملون مع هذه العملية من وجهة نظر سلبية وأولئك الذين لا يهتمون بها، يشعرون بالقلق، يمكن للمرء أن يفهم من هذا أنّه لا يوجد شيء واضح حتى الآن، لكن ما يسمى بالقوميين المعارضين بدأوا في خلق سيناريوهات مثل “لكي يصبح أردوغان رئيساً مجدداً، يجب أن يحصل على دعم حزب المساواة وديمقراطية الشعوب والعديد من السيناريوهات الأخرى ومحاولة تخريب السلام، ويعجز الديمقراطيون واليساريون ومن يسمون بالليبراليين والكماليين ووسائل الإعلام المناهضة للحكومة، المعادون للكرد في لا وعيهم، عن قول جملتين ذاتا معنى ولا يقومون سوى بخلط هذه القضية وإرباكها.
وعلى تلك الأوساط القومية العنصرية التي تتظاهر بأنها مالكة الدولة أن تعلم أن الدولة هي التي خلقت المشكلة الكردية، إنّ ظهورها وحرب حزب العمال الكردستاني يعودان إلى سياسة الدولة ضدّ الكرد والقائمة على الإنكار والإبادة، أولئك الذين يتركون المشكلة دون حل ويسفكون كل هذه الدماء هم أصحاب هذه العقلية، وإذا كانت القضية الكردية قد وصلت اليوم إلى مرحلة السلام، فيجب ألا ننسى أنها نتيجة لنضال لا هوادة فيه.
لقد كان الكرد، المعارضة الأكثر راديكالية ضدّ جميع السلطات، وقد دفعوا ثمناً باهظاً، ومن يسمون بمعارضي الحكومة الحالية يصورون الكرد على أنّهم أتباع للسلطة، وهذا عارٌ كبير وإهانة، ومن الغباء أن ترى الكرد رهن إشارتك بتقييمات رخيصة، يعرف الكرد ماذا يفعلون، لكن للأسف من غير المعروف ما الذي يريده من يقومون بالشماتة، وعلينا أن نقول لأولئك الذين لا يفهمون خطورة المشكلة أن يتمعنوا بعبارة “ستتيح لنا جميعاً العيش معاً بحرية”.
فيما يتعلق بموضوع حزب العمال الكردستاني، يتعامل الجميع تقريباً مع هذا الموضوع بجهل، وهناك العديد من المفترين والسيئين، لكن لا نحتاج إلى تسميتهم وإضاعة وقتنا، حتى أن البعض يخاطبون الأمريكيين قائلين عن حزب العمال الكردستاني “إنهم ستالينيون، ستالينيون” ويحاولون إقناعهم، هؤلاء الناس “يعرفون كل شيء” لقد ولّى زمن تحقيق مكاسب ومنفعة عبر معارضة حزب العمال الكردستاني ومعارضة الكرد، فإذا كان لديكم الذكاء والمهارات والمعرفة والقدرة، تقدموا وساهموا في السلام، فليكون نهجكم كقصة الثعبان الذي أخذ الماء في فمه ليطفئ النار.
الجهود التي تشهدها إمرالي هي مشروع لإرساء الديمقراطية في تركيا، وإذا نجح فهو تأسيس للأخوة بين الكرد والأتراك، وبطبيعة الحال، لن يؤثر ذلك على تركيا فحسب، بل سيكون له تأثير على المنطقة أيضاً.
إنّ عقدة غورديون التاريخية تُفك، عندما لم يتمكن الإسكندر الأكبر من فكّ العقدة، قطعها بسيفه، وكان هذا بمثابة بداية لهزيمته، ويقال إنّه عدّ قطع هذه العقدة بسيفه بمثابة هزيمة له، ومن الواضح الآن أنّه لا يمكن حلّ القضية الكردية بالقوة، وحتى لو تمّ حل المشكلة بالقوة، ستفشل مجدداً، أولئك الذين يريدون القضاء على الكرد سيقضون على أنفسهم، ولكي يفوز الجميع، يجب أن تكون لديهم القدرة على فكّ هذا العقدة الكردية بحكمة، وليس بالسيوف والخناجر.
لقد بدأت عملية من شأنها أن تعود بالنفع على الجميع وتمهد الطريق لحياة كريمة وحرة، ولا ينبغي أن ننسى أن هذه ما زالت بداية الطريق وأنّ هذا الطريق محفوف بالمخاطر، ستُفكّ عقدة غورديون في إمرالي ويجب أن يكون الجميع مستعدين لهذه اللحظة التاريخية.