ثلاث مراحل للميلاد خلقت الحرية والإرادة الحرة
حلل القائد عبد الله أوجلان المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية في ظل فرض نظام التعذيب والإبادة بحقه في إمرالي، وقيّم حياته “كثلاث مراحل للميلاد”، وقال: “الإرادة والوعي الكردي التحرري يمثل جزءاً من وجودي”.
يُنظر إلى القائد عبد الله أوجلان بأفكاره الفلسفية والسياسية ونضاله الفريد، على أنه إرادة في النضال من أجل الحرية، وبالدرجة الأولى من قبل الشعب الكردي، ومن قبل شعوب الشرق الأوسط والعالم. ويُقيّم القائد حياته ونضاله الذي أصبح نوراً للحرية والمساواة، على 3 مراحل.
بمناسبة الذكرى الـ 46 لتأسيس حزب العمال الكردستاني، ننشر مراحل الميلاد الثلاث التي ذكرها القائد عبد الله أوجلان في مجلده والذي عنون بـ “من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية”.
“إن مرحلة إمرالي من ناحيتي وعلى صعيد التأسيس، تمثل مراحل الميلاد الثالثة، فالمرحلة الأولى هي الميلاد من أم عاشت في مجتمع القرية الزراعية في ظروف تتناقض مع القرن العشرين، وتتضمن الفترة التي مرت حتى الوصول إلى الطراز الرسمي، هي المرحلة التي مرت ضمن النواقص والمعاني الكبيرة للانفصال عن خمسة عشر ألف سنة من التاريخ، حيث لا يمكن تحليل شبكة الحياة بعد التي ترسخت قبل 15ألف سنة، وهذا التعقيد أدى إلى الصراع مع الأسرة داخلياً ومجتمع القرية، فقد كنت متمرداً قروياً، واستمر ذلك التمرد حتى الوصول إلى المجتمع الرسمي، ومن ثم أضيفت إليها مرحلة التكوين الثانية التي ابتدأت بالمدرسة الابتدائية والمراحل الأخرى التي تلتها حتى الوصول إلى نقطة التمرد ضد الجمهورية الأوليغارشية، وكانت مرحلة تشبه حملات دونكيشوت ضد طواحين الهواء، حيث أدى إلى بروز مزيد من القضايا وتثاقلها، حيث أضيفت إلى تناقضات المجتمع النيوليتي والمجتمع الإقطاعي خصائص الرأسمالية أيضاً، ونظراً لعدم وجود الطراز الثوري هيمنت أجواء من الفوضى، فالتمرد الذي تم اللجوء إليه بقى عاجزاً حتى عن تحليل الرجعية القائمة في داخله، وفترة هذا التمرد الذي استغرق عشرين عاماً، فتح الباب أمام تأثيرات على المنطقة والعالم، تحول إلى مرحلة إمرالي نتيجة للمآزق التي واجهته.
إن ظروف إمرالي لا تعني ميلاداً على صعيد شخص، بل ميلاداً على صعيد الجمهورية وميلاداً لشعب، فالميلاد الثاني كان يعبّر عن الولادة والتطهر بالحرب، فوجود قانون الأضداد ووحدتها في الجبال وفي المجتمع وفي كل ظاهرة، واعتماداَ عليه بدأت مرحلة مناهضة الجمهورية الأوليغارشية التي ستترك مكانها للتحول الديمقراطي في جمهورية علمانية ديمقراطية التي ستتحقق، فمثلما لا يمكن تحقيق تطور من دون تناقض، فإن الصراع الدائم مع التناقضات المعقدة التي لا معنى لها لا يحقق أي تطور، بل يفتح المجال أمام التخريب والهدم والأزمات، ونظراً لأن تركيا قضت وقتها في فهم تناقضاتها بما فيه الكفاية وتأخرت في حلها، فمن الطبيعي أن تنزلق إلى مرحلة تأزم وهي غير قادرة على الخروج منها بأي شكل.
المرحلة ترغم جميع القوى على تحقيق ميلاد جديد والتكون من جديد، ابتداء من الدولة إلى الاقتصاد ومن السياسة إلى الحقوق ومن الأخلاق إلى الفنون، حيث بدأت كل الأوساط تتزعزع وتتأزم، وبدأت بالبحث عن الحل مع تفاقم الأزمة، ومرحلة إمرالي التي تخصني كانت بمثابة الضغط على الزناد في هذه الحقيقة، فمثلما وجدت المرحلة السابقة مع معناها في تعبير “أنا والحرب”، فإن هذه المرحلة تجد معناها في تعبير “أنا والسلام”، فالإرادة والوعي الكردي التحرري يمثل جزءاً من وجودي على صعيد التأسيس، وهذه الإرادة والوعي اللذين عبّرا عن مرحلة اختبارٍ بالحرب، تمرّان الآن إلى مرحلة السلام، فمرحلة الحرب فرضت نفسها على شكل مناهضة الإقطاعية ومناهضة الجمهورية الأوليغارشية، فإن مرحلة السلام هذه تتطلب التجديد في الجوهر والشكل لأجل “الجمهورية العلمانية الديمقراطية” فليست هناك رغبة في العنف والانفصال.
أما إذا كانت هناك رغبة في إبعاد الكرد عن النظام تماماً، فإن قيام الكرد ببذل الجهد مع الأتراك على مدى التاريخ في تأسيس الدولة والوطنية، مما يتطلب عدم إبعادهم بالعنف والإنكار، فالسلام يشترط على السياسة والحقوق إعطاء مكان للكرد ليعيشوا وجودهم وثقافتهم بحرية ليتكاملوا مع الجمهورية، فالجمهورية التي تتنكر لإرادة الكرد الحرة هي جمهورية أوليغارشية ولا مفر من أن تسفر عن العنف والانفصال، بينما انفتاحها على الوحدة الحرة أي على الوفاق الديمقراطي يفتح المجال أمام الحياة في أجواء السلام والوحدة، وعدم الوصول إلى ذلك حتى الآن ناجم عن انتهاء الصراع بين الجمهورية الأوليغارشية والجمهورية الديمقراطية، ومن هذا الجانب فإن مرحلة إمرالي تشير رمزياً إلى تطور تاريخي، فإما أن يتولد السلام من هذه المرحلة، وإما إذا لم يتحقق النجاح في ذلك واستمرت الجمهورية الأوليغارشية في سياسات الإنكار والإبادة، فسيسفر ذلك عن مرحلة يزداد فيها العنف و يصبح شاملاً، مما سيعمق الانفصال.
هذه هي الحقيقة الأساسية الكامنة خلف هذه الأزمة التي تمر بها تركيا خلال تاريخها بهذا العمق، فإذا لم تقم الحكومة والبرلمان الذي هو الميدان السياسي للحل بتناول هذا الموضوع في حينه وبنحو واقعي، ولم يقوما بما يقع على عاتقهما، فذلك سيعني التستر على القضايا وتركها لمزيد من التفسخ والتعقيد، مما يدل على أن السياسة هي مصدر الأزمة كما تقول الصحافة.
إن السياسة تلوّح بقرار الإعدام على رأسي مثل سيف ديموقليس وتظن أنها بذلك ستتوصل إلى نتيجة، وبذلك ترتكب أكبر أخطائها، وهذا هو الموقف الذي يجعل تركيا محكومة بنظام مفروض من الداخل والخارج وفي جوهره يعتمد على عصابات السمسرة والكسب غير المشروع، بناء عليه ستبقى محكومة بالأزمة التي تتسبب في خسارة مليارات الدولارات كل شهر وكل سنة، وتتسبب في مزيد من الآلام و المعاناة على الصعيد المعنوي والمضايقات التي تصل إلى درجة الاختناق، فما دامت الحرب التي استمرت على مدى خمسة عشر سنة قد أسفرت عن حصيلة أربعين ألف قتيل، وخسائر مادية تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، فالذي يمكن القيام به هو تناول هذه الظاهرة في إطار الظروف الدولية الاجتماعية والتاريخية ووضع تعريف صحيح لها للتوجه إلى وضع حل، فإذا لم نستطع القيام بذلك فإن الأزمة ستتفاقم إلى أبعاد كبيرة ولا مفر من تصعيدها.
إن هذه المرحلة بالنسبة لي كشخص ومؤسسة قيادية تتطلب تقييم القضية ضمن هذا الإطار، ونظراً لأن ذلك لن يتحقق بذهنية الإفادة والاستخدام، فإن مواقف التطرف المعتمدة على الإنكار والإبادة والافتراء، سواء جاءت من الأوساط الرسمية في الدولة أم من الأوساط الكردية المتواطئة، فإنها ستؤدي إلى فرض مرحلة من الحرب تعمّق من المأزق ، وحتى لا يحدث الانزلاق إلى هذه اللعبة يجب الالتزام بمنتهى الحساسية والتصرف بحكمة، مع العلم بأن أي تصعيد يعتمد على الإبادة المادية والمعنوية نحوي، يعني محاولة لإبادة قوى الإرادة الحرة الكردية والتركية، وحتى تسفر الحرب التحررية عن نتائج لصالح شعبينا، يجب تسيير جميع الاستعدادات الإستراتيجية والتكتيكية لأجل الحرب الدفاعية المشروعة وكأنها تبدأ غداً، وهذا هو الشرط الأساس لأجل إنجاح المرحلة، وهذا هو المعنى التاريخي لمرحلة إمرالي من حيث الدولة والمجتمع وشعبنا وPKK وبالنسبة لي”.