القائد عبدالله أوجلان-ودبلوماسيةالسجون
بقلم / هانى الجمل – الباحث فى الشؤون الإقليمية والدولية
فى ظل الأحداث الساخنة التى تشهدها المنطقة من أحداث تتزعمها إسرائيل من أجل التوسع الثالث للدولة اليهودية والمضي قدماً للقضاء على حلم الدولة الفلسطينية والعبث “باتفاقية أوسلو ” والتى دعمت حل الدولتين .
لم تخفت الأصوات المنادية بالحرية للقائد والزعيم عبدالله أوجلان أحد أهم المفكرين والتنويريين فى منطقة الشرق الأوسط من أجل العيش بسلام بين مكونات المجتمع الشرقي ذات الأصول والعرقيات المتنوعة لما له من بصمة واضحة في تشكيل جيل جديد على مستوى منظمات المجتمع المدني الحر المنادي بالحرية الجسدية للقائد عبدالله أوجلان الذى يقبع بجسده خلف أسوار “سجن جزيرة إيمرالي” هذا السجن شديد الحراسة الذى حمل تاريخ القمع السياسى فى تركيا فقد أستطاع القائد أوجلان تحويله إلى مقر دبلوماسي يصيغ من خلاله دبلوماسية جديدة على الأعراف الدولية وهي ” دبلوماسية السجون” والملفت للنظر أن هذه الدبلوماسية التى تحيطها الجدران والمباني شديدة العزلة عن العالم والفولازية في سمتها إلا أن القائد أوجلان استطاع بما يملكه من نبل أفكاره ورؤيته الإنسانية النفاذ إلى مناطق جيوسياسية جديدة حملت معها حلولأ واقعية للعديد من الأزمات التي يعاني منها الشرق الأوسط بإختلاف أيديولوجياته والظهور بتجربة فريدة تبزغ للنور من مناطق شمال وشرق سوريا ليس فقط كمجتمع سياسي اقتصادي بل نجح فى أن يصدر نموذجا للتداول السلمي للإدارة والعمل على تبوء المرأة الكردية فى القيادة المشتركة لما تتمتع به من بسالة وشجاعة لانظير لها وأن تكون مشاركة فى هذه الدبلوماسية التى دشنها عبدالله أوجلان واطلقها من بين نوافذ سجنه لتطير فى رسائل حميمية لتجمع بين العرب والكرد والأرمن والسريان والإيزيديين في مواجهة الإمبيرالية العالمية المتمثلة في أمريكا وأوروبا والسرطان المتفشي في الشرق الأوسط إسرائيل فهؤلاء هم من نصبوا الشرك للقائد عبدالله أوجلان للوقوع به من أجل الخلاص من فكره المستنير الذى أرهقهم في الحد من خططهم التوسعية وإحداث تغيرات سيسيولوجية تندمغ على المجتماعات الشرق أوسطية ومحاربة أفكارهم الظلامية بأفكار تنويرية حملت معها مشاعل النور التى اهتدت بها العديد من الشعوب الحرة فى منطقة الشرق الأوسط أو في العالم بأسره وهو الرهان الذى استطاع أوجلان الفوزر به فهو فكرة والفكرة لا تموت فقد حول سجن إيمرالي في الجزيرة المنيعة ذات المناظر الخلابة وأشجار الصنوبر إلى قاعدة دبلوماسية تنطلق منها المبادرات الإنسانية و إن كان أوجلان النزيل الوحيد في الجزيرة الواقعة جنوب بحر مرمرة منذ اختطافه سنة 1999 وحتى سنة 2009 قبل أن ينقل إلى السجن سجناء آخرين في نوفمبر 2009على الرغم من هذه القيود إلا أن قضية أوجلان الإنسانية وجدت لها صدى واسع بعد ارتفاع أصوات كردية وعربية وعالمية تطالب بتخفيف وطأة ظروف السجن القاسية التي يتعرض لها زعيم حزب العمال الكردستاني واشتهر اسم سجن الجزيرة بعد أن أصبح مكانا لخصوم أردوغان وأشهرهم الزعيم أوجلان الذي عزل عن العالم في زنزانته ومنعت عنه الزيارات ما دعا نائبة عن حزب موالي للأكراد وآخرين للإضراب عن الطعام احتجاجا على ظروف اعتقاله وهو ماشكل ضغطا على السلطات التركية التي سمحت بزيارة نادرة له من قبل شقيقه محمد ولكنها كانت بداية جديدة لخروج العديد من المؤلفات الفكرية للقائد عبدالله أوجلان شملت مؤلفات سياسية واقتصادية واجتماعية حتى حدى بالعديد من المتابعين له أن يطلقوا عليه لقب ” ابن خلدون” هذا العصر لما نجح فيه كمنظر ومفكر أن يضع لبنات وأساسات المجتمع الناضج فى شمال وشرق سوريا ونجحت التجرية و أزهرت و مدت أزرعها لكل إنسان محب للحرية للقائد عبدالله أوجلان من خلال دبولماسيته التى آمن بها واطلقها عبر رسائله المشفرة حتى وصلت القلوب قبل العقول لتجمع شمل العديد من المنظمات الدولية المطالبة بحرية أوجلان فقد تميز أوجلان بأنه القائد الطليعي للطبقات الكادحة الذي وجد حلا للتناقضات الاجتماعية وتمثيل جميع الشرائح والقطاعات المضطهدة.
فنظام السجن المؤبد الذي فرض خصيصا للقائد أوجلان تنظمه المادتان 25 و107 من القانون رقم 5275 التركي وعليه تستمر عقوبة السجن طوال حياة المحكوم عليه ولا تنقطع بأي حال قد استطاع أوجلان بدلوماسيته الصامتة تارة وبدلوماسيته المحركة لضمائر الشعوب تارة أخرى أن يجعل في حكم “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان” رقم 2 بشأن أوجلان والمؤرخ بــ 18 مارس من عام 2014 والتى قضت بأن هذه اللوائح القانونية تنتهك حظر التعذيب كما نبهت على ضرورة الالتزام بالمبادئ القانونية ومن ثم قدمت طلبات لتنفيذ هذا الحكم وتطالب بضرورة تعديل التشريع والتقدم إلى المحكمة الدستورية بإلغاء المادة 107/16 من القانون رقم 5275 والمادة 17/4 من القانون رقم 3713 اللتين تمنعان الإفراج المشروط بسبب عدم دستوريتهم ولم تقف دبولماسيته عن هذا الحد فقد دفع العديد من شرفاء العالم بتدشين العديد من المبادرات الانسانية المطالبة بحرية القائد اوجلان فكانت المبادرة العالمية والمبادرة العربية للمطالبة بحرية القائد أوجلان وهذا يعد نقلة نوعية فى العلاقات العربية الكردية والشرق أوسطية بالعديد من شعوب دول العالم وهو ما حدى بـأكثر من 162 منظمة وشخصية عالمية بالإفراج عن القائد عبدالله أوجلان على الرغم من عدم مقابلته الشخصية أو العيش في منطقته الجغرافية إلا أنهم اعتنقوا أفكاره التنويرية وهذا يعد نجاح لم يكن ليحدث لولا دبلوماسية السجون التى انتهجها أوجلان الذى لم يتذمر أو يحاول الهرب من براثن السجن اللعين بل إنه نجح فى تحويله إلى طاقة من النور للحرية لبلدان وشعوب العالم وكأن سجن إيمرالى صار قنصلية وسفارة ومعهد لدبلوماسية السجون وآدابها الرفيع ذات التقاليد العريقة فى حب الحرية الإنساينة والتعايش السلمي عبر الحدود وهو ما نرصده فى عيون الأطفال في العديد من المناطق السورية المتاخمة للحدودالتركية التى تنظر بعمق عبر الأسلاك الشائكة للجد أوجلان وكأنها تبعث له برسائل قلبية تؤكد له فيها أنه الزعيم الروحي لهم وأنهم سيسيرون على دربه فى دبلوماسيته التى تعلموها منه خلال وجوده فى السجن.
بقلم/هاني الجمل– الباحث فى الشؤون الإقليمية والدولية